الفلسطينيون يتحدّون إجراءات الاحتلال في القدس

29 يوليو 2017
فلسطينيون يصلّون قرب المسجد الأقصى أمس (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -

بصعوبة بالغة اجتاز محمود شعبان، من سكان حي رأس العامود إلى الشرق من البلدة القديمة وصولاً إلى المسجد الأقصى، حواجز الاحتلال الكثيفة المنتشرة في محيط حيّه، والذي لا يبعد عن المسجد الأقصى سوى 200 متر، فيما انفجر الوضع بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق متفرّقة من الضفة الغربية، واستشهد الشاب الفلسطيني عبد الله علي محمود طقاطقة (24 عاماً)، عند مفترق مستوطنة "غوش عتصيون" جنوبي مدينة بيت لحم، بذريعة تنفيذه عملية طعن.

شعبان، البالغ من العمر 57 سنة، أعفاه الاحتلال من تصريح اجتياز الحواجز، بعد أن كان قد حدّد أعمار المصلين المسموح لهم بالصلاة في المسجد الأقصى بأكثر من 50 سنة. ومع ذلك، كان على هذا المواطن المقدسي، والذي حيل بالأمس بينه وبين صلاة العشاء في الأقصى، أن يجتاز سيراً على الأقدام سبعة حواجز بالتمام والكمال، وفي كل حاجز يجتازه يظهر لجنود الاحتلال ومجنداته بطاقة هويته ليتأكدوا أنه فوق سن الخمسين. "كانت رحلة شقاء وعناء، لكن الأقصى يستحق منا أن نزحف إليه على بطوننا". هذا ما قاله شعبان، لـ"العربي الجديد"، عند مدخل باب الأسباط، لنلتقيه بعد الصلاة عند باب آخر من أبواب الأقصى، هو باب المجلس. هناك عاد وسجد شكراً لله لأنه تمكّن أخيراً من الصلاة في الأقصى، على الرغم من حزنه الشديد لما رآه من خلوّ المسجد من الأعداد الغفيرة من المصلين، كما جرت العادة في كل صلاة جمعة. سبب آخر لحزن شعبان، هو أنه لم يستطع اصطحاب نجله محمد، البالغ من العمر 21 سنة، للصلاة في الأقصى، فتركه مع جموع كبيرة من الشبان أدّوا الصلاة في الشارع العام قريباً من المستوطنة التي زرعها الاحتلال في قلب رأس العامود، والمسماة "معاليه هزيتيم"، حيث ارتقى في محيطها، الأسبوع الماضي، الشهيد محمد لافي برصاص مستوطن. وقال شعبان "كنت بين يدي الله أدعو لنجلي محمد ورفاقه بالسلامة والأمن. تذكرت الشهيد لافي، فخشيت على نجلي وعلى من معه من الشباب".

سلطات الاحتلال لم تترك شارعاً أو حارة أو زقاقاً في البلدة القديمة إلا ونشرت فيه مجموعات كبيرة من جنودها ومجنداتها. والحال كذلك بالنسبة إلى الأحياء المتاخمة للبلدة القديمة. وتموضع بالقرب من وادي الجوز، شمال البلدة القديمة من القدس، نحو 50 جندياً وشرطياً، بينهم قناصة، على تلة تجاور المتحف الفلسطيني سابقاً، والمسمى اليوم متحف "روكفلر". هناك كان عشرات الشبان يفترشون الأرض قرب الحاجز، وكانت أعدادهم تقدر بأكثر من 150 شاباً، بينما أعاق جنود الاحتلال عبور مسن للحاجز على الرغم من أنه شارف السبعين من عمره، وبعد جدال سمح له بالمرور، بينما انتظرت سيدة كانت برفقته وصول مجندة لغرض تفتيشها. وقال المسن حسين محمد قاسم، القادم من بلدة عيلوط قرب الناصرة في شمال فلسطين المحتلة عام 48، لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر إلى استئجار سيارة أجرة لإيصاله إلى القدس بعد أن أعاد الجنود على حواجز الاحتلال على مداخل المدن والبلدات الفلسطينية في الداخل المحتل عشرات الحافلات. وأضاف "منذ أسبوعين ما جينا على الأقصى وما صلينا. كل ما نهمّ ونيجي (نأتي) بيمنعونا وبردونا على بيوتنا. اليوم، وبعد ما انتصر شباب القدس عليهم جينا ورح نصلي غصبن عنهم، حتى ولو وسط الشارع".

كان المشهد مشابهاً أيضاً في ساحة سوق المصرارة إلى الغرب من البلدة القديمة وأسوارها العتيقة. هناك منعت حواجز الاحتلال الخمسة عبورهم إلى البلدة القديمة وصولاً للمسجد الأقصى. كان بين هؤلاء شاب فلسطيني لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره ويحمل الجنسية الأميركية يحاول الدخول عبر أحد الحواجز، إلا أن جنود الاحتلال منعوه ربما بسبب لحيته التي أرخاها. واستعان الجنود بضابط في الاستخبارات لاستجوابه في المكان لنحو نصف ساعة، ثم تم تركه يغادر خلف الحاجز من دون عبوره. وعبّر الشاب محمود البدارين، لـ"العربي الجديد"، عن صدمته من منعه من الصلاة في الأقصى. وقال "حضرت قبل أسبوع فقط مع والدي، وكنت أتمنى الصلاة في الأقصى، لكنهم منعوني، بينما لم أتمكن من ذلك بسبب الاعتصامات ورباط الشباب في الساحات وأمضيت وقتي أصلي معهم". حزن هذا الشاب سببه أنه سيغادر بعد يومين وطنه من دون أن يتمكن من الصلاة في الأقصى الذي كان يخفق قلبه له كلما شاهده على قنوات التلفزة.


وفي داخل المسجد الأقصى بات المشهد أكثر إيلاماً. فعلى كل بواباته يقف عشرات الجنود. وقرب باب المجلس، أعاد جنود ومجندات بالقوة مرابطة مقدسية تدعى نعمة أبو اسنينة، بعد أن نجحت في التسلل عبر حاجز هناك، ليعترضها مجند في شرطة الاحتلال ويأمر المجندات بإخراجها على الفور من المنطقة، بحجة أنها من المبعدات عن الأقصى. وقالت أبو اسنينة، لـ"العربي الجديد"، "حسبي الله ونعم الوكيل عليهم وعلى حكامنا العرب والمسلمين اللي بشوفوا كل هالظلم وما بعملوا أي حاجة". وأضافت "منذ خمسة أشهر ما سمحوا لي أن أدخل الأقصى... يعني في بعد هيك ظلم".

وبدت الساحات في الأقصى شبه خالية. حتى المسجد القبلي الذي استباحه جنود الاحتلال واعتدوا فيه على المعتكفين، وأصابوهم برصاصهم المطاطي، لم يزدحم بالمصلين. وقال مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، لـ"العربي الجديد"، إن "أعداد المصلين هذه الجمعة لم تتجاوز عشرة آلاف، بينما كانت ساحات الأقصى تزدحم كل جمعة بعشرات الآلاف. نحن حزينون جداً لذلك والاحتلال المتغطرس لم يحترم ما تعهد به فنكّل واعتدى، وأغلق الأبواب ولم يفتح إلا ثلاثة منها". ويروي أحد المصلين الذي نجح مساء بالتسلل إلى داخل المسجد القبلي والالتحاق بالمعتكفين، أن دماء الشباب في المسجد شاهدة على وحشيتهم، موضحاً أن "شاباً، من إحدى قرى الضفة القريبة من القدس، كان قد دخل الأقصى للمرة الأولى في حياته للصلاة، وكان من بين 120 معتكفاً، أوسعه جنود الاحتلال ضرباً وشتماً. وما عرفناه لاحقاً أنه أفرج عنه فجر اليوم (أمس) لكن كان محطم اليدين". وأشار مدير نادي الأسير، ناصر قوس، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "جنود الاحتلال اقتادوا جميع المعتكفين إلى ساحة البراق خارج المسجد الأقصى وانهالوا عليهم ضرباً بهدف تكسير عظامهم وتحطيمها، ثم نقلوا إلى مركز لشرطة الاحتلال في القدس الغربية ليطلق سراحهم في ساعة مبكرة من فجر اليوم (أمس)".

الضفة تنتفض

واستشهد الشاب الفلسطيني عبد الله علي محمود طقاطقة (24 عاماً) عند مفترق "غوش عتصيون" جنوبي مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، بذريعة تنفيذه عملية طعن، فيما أصيب العشرات خلال مواجهات اندلعت خلال قمع الاحتلال للمسيرات التي انطلقت باتجاه نقاط تماس متفرقة بالضفة الغربية المحتلة. وقالت مصادر إن جنود الاحتلال أطلقوا أكثر من 15 رصاصة باتجاه الشاب الفلسطيني، من بلدة بيت فجار جنوبي بيت لحم، من مسافة قريبة، وتركوه ينزف على الأرض حتى فارق الحياة من دون تقديم المساعدة الطبية له. وأضافت أن قوات الاحتلال أغلقت المنطقة على الفور، ومنعت المركبات الفلسطينية من المرور، وأعلنتها منطقة عسكرية مغلقة، وتسببت بأزمة مرورية للمركبات المغادرة والقادمة إلى مدينة الخليل.

وأصيب العشرات من الفلسطينيين عقب صلاة الجمعة خلال قمع قوات الاحتلال الإسرائيلية المسيرات التي انطلقت باتجاه نقاط تماس متفرقة في الضفة الغربية المحتلة، نصرة للمسجد الأقصى. وتوزعت الإصابات ما بين إصابات بالرصاص الحي والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والاختناق جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع، وإصابات أخرى بسبب السقوط خلال المواجهات. وقمعت قوات الاحتلال مسيرة انطلقت من نابلس عقب أداء صلاة الجمعة، باتجاه حاجز حوارة العسكري المقام على أراضٍ فلسطينية، إذ أطلقت قوات الاحتلال الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع. وأغلق شبان فلسطينيون في مدينة أريحا، شرقي القدس، الشارع الرئيس الذي يربط القدس بأريحا، المحاذي لمركز الارتباط التابع للاحتلال الإسرائيلي. واندلعت مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال بالقرب من حاجز "بيت إيل" العسكري المقام على أراضي الفلسطينيين شمال مدينة رام لله وسط الضفة الغربية المحتلة. وفي مدينة الخليل، اندلعت مواجهات مع مسيرة دعت لها حركة "حماس" عقب أداء صلاة الجمعة.

المساهمون