الفساد الكروي في مصر... سوق سوداء لتذاكر مباراة المنتخب والكونغو

06 أكتوبر 2017
سوق سوداء لتذاكر المباريات في مصر (Getty)
+ الخط -


بعد ست ساعات من الانتظار، ولدى اقتراب العشريني المصري محمد عادل من شباك بيع تذاكر مباراة مصر والكونغو في مبنى استاد القاهرة يوم الثلاثاء الماضي، أصيب بالصدمة بعد إعلان الموظف المكلف بالبيع بصوت عال، "التذاكر خلصت" ليعود عادل أدراجه مع العشرات ممن تبقوا في الصف الممتد لأكثر من 50 مترا "خائبي الرجاء" كما يصف حالهم.

فى اليوم التالي، كرر عادل التجربة بكل تفاصيلها، آملا في شراء ثلاث تذاكر له ولصديقيه من أجل حضور المباراة التي من المقرر أن تقام يوم الأحد المقبل في السابعة مساء، غير أن النهاية كانت متشابهة، ما عدا الموظف الذي أخبرهم أن "مفيش تذاكر" هو من تغير، كما قال لـ"العربي الجديد"، قبل أن يكمل بصوت غاضب، هتفنا "حراميه..حراميه" خلال مغادرتنا من أمام منفذ البيع، بعد أن هددنا ثلاثة ضباط شرطة بالانصراف أو القبض علينا، لا أستطيع شراء التذاكر بسعر السوق السوداء، الأسعار خيالية".

نفاد التذاكر في منافذ البيع

طرح اتحاد الكرة 50 ألف تذكرة للمباراة، بسعر 75 جنيها (4.2 دولارات أميركية) لفئة الدرجة الثانية والثالثة الموحدة و300 جنيه (17 دولارا) للدرجة الأولى، فضلا عن خمسة آلاف دعوة شخصية، كما يقول العميد ثروت سويلم المدير التنفيذي لاتحاد الكرة، غير أن التذاكر المطروحة في منافذ البيع القاهرية المحددة في الملعب الرسمي للمنتخب المصري وناديي الصيد والنصر، نفدت فور طرحها، في ظل شكاوى عديدة من الجمهور بعدم إمكانية شراء التذاكر بالسعر الرسمي، في الوقت الذي يعرض عليهم سماسرة تذاكر بأسعار مضاعفة، وفقا لما وثقه معد التحقيق عبر جولة ميدانية، وهو ما تكرر في منفذ البيع الآخر في استاد الإسكندرية، بحسب تصريحات مصادر محلية، وينتشر سماسرة السوق السوداء بالقرب من منافذ البيع في القاهرة والإسكندرية كما يعلن بعضهم على صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن استعدادهم لتوفير أي عدد من التذاكر لكن بأسعار تصل إلى خمسة أضعاف السعر الرسمي للتذاكر، بحسب ما وثقه معد التحقيق، عبر إفادات 10 شباب، منهم خالد إبراهيم والذي جاء خصيصا من محافظة الفيوم التي تبعد 103 كيلومترات عن القاهرة من أجل شراء التذاكر، غير أنه عاد بـ"خفي حنين" مع أصدقائه الأربعة، قائلا "كل حاجة في حياتنا فيها سوق سوداء حتى تذاكر المباريات".

 

 

اقــرأ أيضاً

تجارة الدولار في القاهرة..سوق سوداء نشطة في وسط البلد

 


ظاهرة السوق السوداء في مصر

لا تقتصر ظاهرة السوق السوداء على تذاكر المباريات، إذ تمتد إلى أي نوع من التذاكر، خاصة المتعلقة بالأنشطة التي تشهد إقبالا جماهيريا، سواء كانت مباراة كرة قدم أو حفلا غنائيا لأحد المطربين المشهورين أو حتى تذاكر قطار في موسم الأعياد، كما يقول اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية للأموال العامة السابق، في إفادته لـ"العربي الجديد" قبل أن يضيف "عندما يتم الإعلان عن فعالية جماهيرية، يسعى المهتمون بحضورها إلى البحث عن شخص يعمل في الجهة المنظمة من أجل الحصول على التذكرة بالسعر الرسمي، وفي حال عدم تمكنهم من ذلك لا يوجد أمامهم سوى البحث عن سماسرة السوق السوداء الذي يوفرون المطلوب لكن بأسعار أعلى بكثير تحددها درجة أهمية الحدث".

وتعامل المقرحي وقت كان على رأس عمله، مع وقائع ضبط سماسرة يبيعون تذكرة القطار بثلاثة أضعاف السعر الرسمي في مواسم الأعياد، وبحسب التحقيقات التي أشرف عليها فإن موظفين في الجهة المنظمة أو المسؤولة عن بيع التذاكر عادة ما يتورطون مع السماسرة، ويبيعون لهم التذاكر وهؤلاء بدورهم يبيعونها للمواطنين بأسعار مبالغ فيها، وفي النهاية يتقاسم الموظف والسمسار فارق الأسعار، بحسب اللواء المقرحي.

تتبع أرقام التذاكر

عبر وسطاء وأصدقاء تواصل الشاب ياسر سمير، مع سمسار يبيع تذاكر مباراة مصر والكونغو، وبعد أن اتصل به، حددا موعداً على كورنيش النيل في حي المعادي جنوب القاهرة، ومن دون خوف انتظر السمسار في المكان المحدد ومعه دفتر كامل، باع إلى ياسر منه خمس تذاكر من الدرجتين الثانية والثالثة الموحدة بقيمة 1500 جنيه (85 دولارا) بدلا من 375 جنيها (21 دولارا)، إذ يبلغ سعر التذكرة المدون 75 جنيها، وحصل معد التحقيق عبر ياسر على أرقام التذاكر الخمس، وتبين أنها متتالية من 12312 وحتى 12316، وبعرض الأرقام السابقة على العميد ثروت سويلم المدير التنفيذي لاتحاد الكرة تبين أنها جزء من دفتر تسلمه الموظف عبد الحميد يوسف الذي نفى بيعها في السوق السوداء، لدى استدعاء العميد سويلم له، قائلا "قد يكون شخص اشترى تلك التذاكر من المنفذ وأعاد بيعها مرة ثانية في السوق السوداء"، وهو ما يراه العميد سويلم احتمالا قائما، لكن معد التحقيق أعاد الاتصال هذه المرة بالسمسار واشترى منه تذكرتين أخريين بأرقام 12335 و12339، والتي تقترب أرقامها من تلك التي اشتراها ياسر، وهو ما يفسره اللواء المقرحي قائلا: "كون السمسار باع تذاكر بأرقام متتالية أو متقاربة، يعني هذا أنه حصل على دفتر كامل يبيع منه".

 

اقــرأ أيضاً

مباريات مشبوهة.. اتهامات بالتلاعب في نتائج 44 مواجهة بدوري الجزائر

 


طرق عديدة لتسريب التذاكر

يرسم النقيب إسلام الرشيدي الضابط في مباحث الأموال العامة في القاهرة ملامح تسريب دفاتر التذاكر ووصولها إلى السماسرة، بالقول توجد طرق عديدة: "مثلا الموظف بيستلم ما بين 10 أو 20 دفترا للتذاكر، يمكنه أن يخفي ما يريد ويضع قيمة التذاكر الرسمية في الدرج، ثم يبيعها للسمسار بالقيمة المرتفعة، وفي حال سأله رئيسه، يقول أنه باعهم عبر الشباك، الأمر سهل ويحدث كثيرا، خاصة أن دفاتر التذاكر غير مربوطة بنظام إلكتروني".

طريقة أخرى يكشف عنها سمسار تذاكر، اشترط عدم الكشف عن هويته، مكتفيا بتعريف نفسه بـ"أحمد" من أجل الحديث بصراحة كما يقول، إذ حصل على دفترين بهما 200 تذكرة فئة الدرجة الأولى والتي يبلغ سعرها 300 جنيه عبر موظف كبير يعمل في وزارة البترول، اتفقا سوية على بيع التذاكر بقيمة 600 جنيه (34 دولارا) للتذكرة الواحدة، على أن يحصل الموظف على 70% من فارق السعر، التي تصل إلى 60 ألف جنيه (3390 دولارا) يحصل الموظف منها على 50 ألف جنيه (2825 دولارا) فيما يحصل السمسار على 10 آلاف جنيه، (565 دولارا) نظير جهده المبذول في بيع التذاكر.

وأعلنت عدة هيئات حكومية مصرية عن توفير تذاكر المباراة المنتظرة لموظفيها وعائلاتهم، من بينها وزارة البترول التي يعمل فيها عامر عبد الواحد، والذي اشترى التذاكر بسعرها الرسمي.

وتشتري الهيئات الحكومية والمؤسسات التذاكر لتوفيرها لموظفيها بحيث تضمن الجهات الأمنية أن جانبا كبيرا من الحضور سيتكوّن من الموظفين وبياناتهم موجودة لدى شركاتهم، بحسب سويلم، وهو ما يراه حازم إمام عضو اتحاد الكرة أمرا ساهم في تلك المشكلة إذ حصلت الهيئات والمؤسسات وجهات حكومية وخاصة كالشركة المعلنة والسماسرة على الجانب الأكبر من التذاكر، داعيا إلى التحقيق في تلك الواقعة.

ولم يسمع السمسار البالغ من العمر 23 عاما عن قانون الرياضة الجديد رقم 71 لسنة 2017 المقر من قبل مجلس النواب المصري، في يونيو/حزيران من العام الجاري، والذي تنص المادة 90 منه على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة عشر ألفا ولا تزيد عن ثلاثين ألفا أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من باع أو تداول تذاكر النشاط الرياضي بالمخالفة التي يحددها النظام السياسي للهيئة الرياضية وفقا لأحكام هذا القانون".

ولا يعتبر السمسار أحمد أن ما يفعله مخالفة قانونية إذ إنه: "لا يجبر أحدا على الشراء، كما أن التذاكر التي يبيعها، يحصل عليها عبر هيئات وجهات حكومية اشترتها من أجل توفيرها للعاملين فيها بالسعر الرسمي، غير أنها عرضت للبيع بالسوق السوداء".

ويمكن للنيابة العامة توجيه تهمة التربح، إلى الموظف الذي يسرب التذاكر إلى السوق السوداء، أما السمسار فيعاقب وفقا لنص المادة 90 من القانون، كما يوضح اللواء رفعت عبد الحميد الخبير في العلوم الجنائية.

شركات السياحة تبيع التذاكر بأسعار مضاعفة

طريقة أخرى لتسريب التذاكر، فوجئت بها جماهير الكرة في مصر، إذ أعلنت شركات سياحية في القاهرة، عن بيع تذاكر المباراة المصيرية للمنتخب المصري بأسعار مضاعفة تصل إلى 600 جنيه بدلا من 300 جنيه لتذكرة الدرجة الأولى، للمباراة التي يحسن الفوز بها من فرص المنتخب للتأهل إلى كأس العالم في روسيا صيف عام 2018.

ويشمل سعر التذكرة التي توفرها شركات السياحة برنامجا خاصا، عبارة عن تذكرة درجة أولى لدخول المباراة وحقيبة تحوي هدية عبارة عن علم مصر وزجاجة مياه بالإضافة إلى التنقل عبر أتوبيس خاص من نقطة التجمع، وحتى استاد برج العرب في الإسكندرية، ذهابا وإيابا ووجبة إفطار، فيما تباع تذكرة درجة ثانية أو ثالثة الموحدة بثمن 250 جنيها في حين أن ثمنها الحقيقي 75 جنيها رسميا، وفق ما أكده إبراهيم عمر، الذي اشترى تذكرة من إحدى هذه الشركات المعلنة عن ذات البرنامج، ولدى اتصال معد التحقيق بالشركة التي يتحفظ "العربي الجديد" على ذكر اسمها، أكدت موظفة فيها أن التذاكر من فئة 250 جنيها نفدت، وأن البرنامج ذا الـ 600 جنيه هو المتوفر فقط، وتابعت "أسرع في الحضور إلى مقر الشركة في الجيزة وإلا لن تجد هذه التذاكر أيضا".

 

 

اقــرأ أيضاً

ملاعب الجزائر.. منشطات قاتلة تقضي على مستقبل اللاعبين

 


تصريحات متضاربة حول أعداد التذاكر

بعد تأكيد المدير التنفيذي لاتحاد الكرة طرح 50 ألف تذكرة، عاد وأعلن عن إمكانية وصول عدد الجمهور إلى 60 ألفا بعد سماح الأمن، بينما يكشف مجدي عبد الغني عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة المصري، أن 30 ألف تذكرة تم طرحها في المنافذ الرسمية للجمهور، والباقي يباع بنظام "الكوتا" لبعض المؤسسات الحكومية والشركات، كما اشترت الشركة الراعية للمنتخب اشترت خمسة آلاف تذكرة من الحصة المقررة، وهو ما يراه العميد سويلم إجراء متعارفا عليه منذ وقت طويل بتعليمات من الجهات الأمنية المنظمة من أجل مزيد من التحكم في نوعية الجمهور، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت في الملاعب ومنع الجمهور من الحضور، قائلا لـ"العربي الجديد": "لم تحصل أية جهة على تذكرة من دون أن تدفع ثمنها، حتى البرلمان اشترى 1500 تذكرة كما أن عددا من السفارات طلبت تذاكر".

البرلمان لا يتحرك

بالرغم من التصريحات الغاضبة التي أدلى بها فرج عامر، رئيس لجنة الشباب والرياضة في البرلمان الذي تم اختياره قبل يومين لمنصبه، إلا أن البرلمان لم يتحرك لمواجهة الظاهرة والكشف عن المقصرين، ويعتقد النائب سمير الخولي عن دائرة طنطا وعضو لجنة الإسكان عدم تحرك لجنة الشباب والرياضة تجاه تلك الأزمة بسبب حصول البرلمان على 1500 تذكرة للمباراة، إضافة إلى ما حصل عليه أعضاء لجنة الشباب والرياضة، قائلا لمعد التحقيق "كيف سيفتحون الموضوع؟"، وهو ما أكده عضو آخر في البرلمان رفض ذكر اسمه موضحا أن "وزارات وهيئات حكومية وسيادية وأندية تابعه للجيش والشرطة حصلت على تذاكر، إذاً من سيتحرك؟!".