يشكل موضوع الهجرة غير الشرعية بحثاً عن ظروف أفضل، القضية الأساسية في رواية "حديثكِ يشبهني" للكاتب الفلسطيني، يامي أحمد، فالهجرة هنا تكون هي الخطوة الأخيرة المتبقية في وجه من لا يمكنه التعايش في وطنه المثقل بالموت. تجيء اللحظة الأخيرة في الرواية، وهي لحظة الرحيل، بوصفها البداية الفعلية للتفكير جلياً في حياة الفلسطينيين على وجه الخصوص، وبالتحديد الهاربين من الحصار، وانعدام الفرص، والأزمات المعيشية المتعددة التي يعيشها الناس في غزة.
ينثر بطل الرواية " آدم"، وجعه أشلاء على مختلف البلاد التي تضيق على أجساد الفلسطينيين، بداية من حبيبته الأولى "شهد"، التي لم تحلم بأكثر من حياة الناس العاديين، وانتقالاً إلى حياة الغزّيين عموماً، وعلى كافة الأصعدة، في ظل الانقسام الذي جزّأ القضية، وجعلها قضية أحزاب ليس إلا، والفجوات التي فرضها الحصار، جعلت الحياة في غزة كالعقاب المفروض في الدنيا والآخرة، فقد جاء في هذه الجزئية على لسان البطل: "بعضهم يعتقد أن فرصة تسوية مشرفة ممكنة، وبعضهم يمتدح المقاومة، وكلهم يتناسون عن عمد أن فرصة إنجاز المشروع الوطني في ظل الانقسام تظل مستحيلة، ومع ذلك لا يكفّون عن التلاسن، ولا صوت للمواطن بينهم، المواطن الذي عاش ويلات الحرب، ها هي سكاكين الانقسام تشق شرايينه، ومحرّم عليه أن يتألم".
البحث عن حياة أفضل خارج غزة، ليس السبب الوحيد لسفر بطل الرواية، بل موت حبيبته "شهد"، الأمر الذي جعل من حياته أشبه بصندوق أسود، لا يدخله فضاء العالم، ولا يتسع لفرح يدفعه للاستمرار، فقرر أن يترك غزة، ويتجه إلى مصر، بوصفها حاضنة الوجع العربي. تعددت الأسباب والحب واحدٌ، يخرج البطل هارباً من الحب ليلقى حتفه فيه، "كان لا مفر لي إلا الهروب، هربت من غزة كي لا أرى الوجع يكبر وينضج أكثر، إلا أنني ما زلت أشعر بالحنين لهذه المدينة".
أما "ريم"، وهي صاحبة الحظ السيئ في الحب والعائلة، يظهر من خلال شخصيتها التحكّم العائلي في الأنثى في المجتمعات العربية، إذ تُعامل على أنها دابّة لا عقل لها، مقيدة، تسكن في الخليج، في مستوى معيشي مرفّه جداً، لكن بالرغم من قيودها نراها مهتمة بالأدب الفلسطيني، شعراً ونثراً، تزوجت رغماً عنها بصديق أخيها، بعد أن أحس بعلاقة ما بينها وبين فلسطيني لاجئ، كان يعمل في المكتبة التي تشتري أغلب الكتب منها، حكم على جسدها بالموت تحت أنياب زوج ساديّ، "أصبح يغرس أظافره في كتفي"، كأنما يتلذذ بالوجع الذي غرسه على مساحات جسدها.
الحب من خلال المواقع الفيسبوكية والمدونات الإلكترونية كان حاضراً في الرواية، وشكل الأفق الواسع ليلتقي "آدم" بحبيبته "ريم"، بعد طلاقها من زوجها، حيث لم يكن أمامها خيار، سوى الانعزال عن عالم الواقع والاتجاه للعالم الافتراضي، وحين أتيحت لها فرصة إكمال دراستها بعد طلاقها، كانت قِبلتها الأولى مصر، كون صديقتها " سارة " من أصول خليجية تسكن هناك، ولأن "آدم" يقطن مصر.
لقاء حميمي أول ينتابه الجنون والحب، واقتباس لكتابات الكتّاب المشهورين في رسائلهم النصية، فها هي ريم تكتب لآدم بعضاً من منشورات غادة السمان "مفتوحة العينين حتى أقصى مداهما، إني واقفة في الحب لا واقعة في الحب، أريدك، بكامل وعيي، أو بما تبقى منه بعد أن عرفتك". أو ما قالته ريم لحبيبها "إني أحببتك أكثر مما ينبغي" ليرد، "وأنا سأحبك حتى التعب".
على امتداد الرواية حملت حروف الكاتب يامي أحمد الطابع الواقعي الإنساني البحت، مشاعره المتوهجة في حب الوطن وكرهه للانقسام، حبه للموسيقى ورغبته في أن يكون لغزة من الفرح نصيب، دفعته لكتابة هذه الرواية، والتي كانت ثمرة ما يحمل من أفكار، وما يؤمن به من معتقدات.
(كاتبة فلسطينية)
ينثر بطل الرواية " آدم"، وجعه أشلاء على مختلف البلاد التي تضيق على أجساد الفلسطينيين، بداية من حبيبته الأولى "شهد"، التي لم تحلم بأكثر من حياة الناس العاديين، وانتقالاً إلى حياة الغزّيين عموماً، وعلى كافة الأصعدة، في ظل الانقسام الذي جزّأ القضية، وجعلها قضية أحزاب ليس إلا، والفجوات التي فرضها الحصار، جعلت الحياة في غزة كالعقاب المفروض في الدنيا والآخرة، فقد جاء في هذه الجزئية على لسان البطل: "بعضهم يعتقد أن فرصة تسوية مشرفة ممكنة، وبعضهم يمتدح المقاومة، وكلهم يتناسون عن عمد أن فرصة إنجاز المشروع الوطني في ظل الانقسام تظل مستحيلة، ومع ذلك لا يكفّون عن التلاسن، ولا صوت للمواطن بينهم، المواطن الذي عاش ويلات الحرب، ها هي سكاكين الانقسام تشق شرايينه، ومحرّم عليه أن يتألم".
البحث عن حياة أفضل خارج غزة، ليس السبب الوحيد لسفر بطل الرواية، بل موت حبيبته "شهد"، الأمر الذي جعل من حياته أشبه بصندوق أسود، لا يدخله فضاء العالم، ولا يتسع لفرح يدفعه للاستمرار، فقرر أن يترك غزة، ويتجه إلى مصر، بوصفها حاضنة الوجع العربي. تعددت الأسباب والحب واحدٌ، يخرج البطل هارباً من الحب ليلقى حتفه فيه، "كان لا مفر لي إلا الهروب، هربت من غزة كي لا أرى الوجع يكبر وينضج أكثر، إلا أنني ما زلت أشعر بالحنين لهذه المدينة".
أما "ريم"، وهي صاحبة الحظ السيئ في الحب والعائلة، يظهر من خلال شخصيتها التحكّم العائلي في الأنثى في المجتمعات العربية، إذ تُعامل على أنها دابّة لا عقل لها، مقيدة، تسكن في الخليج، في مستوى معيشي مرفّه جداً، لكن بالرغم من قيودها نراها مهتمة بالأدب الفلسطيني، شعراً ونثراً، تزوجت رغماً عنها بصديق أخيها، بعد أن أحس بعلاقة ما بينها وبين فلسطيني لاجئ، كان يعمل في المكتبة التي تشتري أغلب الكتب منها، حكم على جسدها بالموت تحت أنياب زوج ساديّ، "أصبح يغرس أظافره في كتفي"، كأنما يتلذذ بالوجع الذي غرسه على مساحات جسدها.
الحب من خلال المواقع الفيسبوكية والمدونات الإلكترونية كان حاضراً في الرواية، وشكل الأفق الواسع ليلتقي "آدم" بحبيبته "ريم"، بعد طلاقها من زوجها، حيث لم يكن أمامها خيار، سوى الانعزال عن عالم الواقع والاتجاه للعالم الافتراضي، وحين أتيحت لها فرصة إكمال دراستها بعد طلاقها، كانت قِبلتها الأولى مصر، كون صديقتها " سارة " من أصول خليجية تسكن هناك، ولأن "آدم" يقطن مصر.
لقاء حميمي أول ينتابه الجنون والحب، واقتباس لكتابات الكتّاب المشهورين في رسائلهم النصية، فها هي ريم تكتب لآدم بعضاً من منشورات غادة السمان "مفتوحة العينين حتى أقصى مداهما، إني واقفة في الحب لا واقعة في الحب، أريدك، بكامل وعيي، أو بما تبقى منه بعد أن عرفتك". أو ما قالته ريم لحبيبها "إني أحببتك أكثر مما ينبغي" ليرد، "وأنا سأحبك حتى التعب".
على امتداد الرواية حملت حروف الكاتب يامي أحمد الطابع الواقعي الإنساني البحت، مشاعره المتوهجة في حب الوطن وكرهه للانقسام، حبه للموسيقى ورغبته في أن يكون لغزة من الفرح نصيب، دفعته لكتابة هذه الرواية، والتي كانت ثمرة ما يحمل من أفكار، وما يؤمن به من معتقدات.
(كاتبة فلسطينية)