موجات متلاحقة من الجفاف ضربت الساحل الأفريقي منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، محدثة تحوّلات بيئية وديموغرافية كثيرة، خصوصاً في مناطق غرب السودان. فانحسر نطاق المراعي والموارد المائية والتربة الخصبة، وازداد الضغط على ما تبقى من موارد بازدياد أعداد الإبل. فلجأ السكان المحليون إلى تصميم تقنيات محلية للحفاظ على الحقوق المشتركة بين المزارعين والرعاة، مثل فتح المسارات، التي أصبحت في وقت لاحق سبباً في تأجيج الصراعات الصغيرة وتوسيع دوائرها في ظل الأخطاء الإدارية والتدخلات السياسية خصوصاً في دور السلطات المحلية.
ويعترف مسؤولون باستحالة عمليات ضبط حركة الرعاة والمواشي بين المزارع ومشارب المياه، الأمر الذي نتج عنه تفلت أمني وصراعات دموية جعلت من دارفور نقطة للتركيز العالمي. وهذا في حد ذاته سبب من أسباب تفاقم الأزمة.
أما الصراع حول الحواكير، فقد مثّل سبباً آخر لاشتعال النزاعات. والحواكير هي جمع حاكورة وهي أرض زراعية أو سكنية أو رعوية يمنحها سلطان من سلاطين الفور لشخص أو جماعة أو قبيلة أو عشيرة بمرسوم سلطاني يعيّن الحدود الجغرافية للحاكورة. وبتزايد أفراد الأسر والعشائر لم تعد الحاكورة تكفي لسدّ الحاجة، فارتفعت الأصوات هنا وهناك لإلغاء نظام الحواكير وديار القبائل وللمطالبة بالاحتكام إلى القيم والمفاهيم الجديدة بدلاً من التراث والأعراف.
عيسى عبد اللطيف، خبير بيئي، يقول إنّ ﺃيّ ﺘﺩﻫﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻭﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﺘﺠﺩﺩﺓ ﻟﻸﺭﺽ أو الماء، ﻴﺅﺩّﻱ ﺇﻟﻰ ﻨﻘﺼﺎﻥ ﻁﻭﻴل ﺍﻟﻤﺩﻯ ﺃﻭ ﻤﺴﺘﺩاﻡ ﻓﻲ ﺤﻤﻭﻟﺔ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺒﻴﺌﻲ. ونتيجة ﻟﺘﺩﻫﻭﺭ ﺍﻟﻤﺤﺎﺼﻴل ﻭﺍﻟﻤﺭﺍﻋﻲ ﻭﺍﻟﻐﺎﺒﺎﺕ، ﻋﺎﻨﺕ ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ كبيرة ﻤﻥ ﺍﻟﺭﻋﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﺯﺍﺭﻋﻴﻥ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﻴﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ ﻭﺍﻟﺘﺼﺤﺭ اللذَين بلغا ذروتيهما في ﻋﺎﻡ 1984، إذ عانى أكثر من ثمانية في المائة من هؤلاء من ﻨﻘﺹ في الغذاء في مناطق كردفان ودارفور، فاضطر السكان إلى النزوح بحثاً عن الماء والغذاء والأمن. وهو الأمر الذي زاد من حدّة التوترات وخلّف آثاراً اجتماعية على المدى البعيد، من قبيل تفكك الأسر وتشرّد الأبناء وانتشار البطالة والجريمة وازدحام المدن والضغط على خدمات الكهرباء والمياه وسلامة البيئة. ولعلّ الأثر الأكبر هو عصابات النهب المسلح والحركات المسلحة التي يدفع أفرادها الغبن البيئي إلى مزيد من التخريب البيئي والقتل.
كذلك كانت لتدهور ﺇﻨﺘﺎﺠﻴﺔ ﺍﻷﺭﺽ، لا سيّما ﺍﻟﺯﺭﺍﻋﺔ ﻭﺍﻟﺜﺭﻭﺓ ﺍﻟﺤﻴﻭﺍﻨﻴﺔ، ﻨﺘﺎﺌﺞ ﻤﺒﺎﺸﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ ﻭﺍﻨﺤﺴﺎﺭ ﺇﻴﺭﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ. وهو ما جعلها تلجأ إلى مزيد من الضغط على ما تبقّى من موارد، بالتالي إلى مزيد من الإخلال بالتوازن البيئي، من خلال عمليات التنقيب عن البترول والمعادن في مناطق غنية بيئياً من دون مشاركة السكان المحليين، ليتزايد الغبن البيئي ويصبح دمار البيئة السمة الأساس في كثير من مناطق النزاعات.
(متخصص في شؤون البيئة)
اقــرأ أيضاً
ويعترف مسؤولون باستحالة عمليات ضبط حركة الرعاة والمواشي بين المزارع ومشارب المياه، الأمر الذي نتج عنه تفلت أمني وصراعات دموية جعلت من دارفور نقطة للتركيز العالمي. وهذا في حد ذاته سبب من أسباب تفاقم الأزمة.
أما الصراع حول الحواكير، فقد مثّل سبباً آخر لاشتعال النزاعات. والحواكير هي جمع حاكورة وهي أرض زراعية أو سكنية أو رعوية يمنحها سلطان من سلاطين الفور لشخص أو جماعة أو قبيلة أو عشيرة بمرسوم سلطاني يعيّن الحدود الجغرافية للحاكورة. وبتزايد أفراد الأسر والعشائر لم تعد الحاكورة تكفي لسدّ الحاجة، فارتفعت الأصوات هنا وهناك لإلغاء نظام الحواكير وديار القبائل وللمطالبة بالاحتكام إلى القيم والمفاهيم الجديدة بدلاً من التراث والأعراف.
عيسى عبد اللطيف، خبير بيئي، يقول إنّ ﺃيّ ﺘﺩﻫﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻭﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﺘﺠﺩﺩﺓ ﻟﻸﺭﺽ أو الماء، ﻴﺅﺩّﻱ ﺇﻟﻰ ﻨﻘﺼﺎﻥ ﻁﻭﻴل ﺍﻟﻤﺩﻯ ﺃﻭ ﻤﺴﺘﺩاﻡ ﻓﻲ ﺤﻤﻭﻟﺔ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺒﻴﺌﻲ. ونتيجة ﻟﺘﺩﻫﻭﺭ ﺍﻟﻤﺤﺎﺼﻴل ﻭﺍﻟﻤﺭﺍﻋﻲ ﻭﺍﻟﻐﺎﺒﺎﺕ، ﻋﺎﻨﺕ ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ كبيرة ﻤﻥ ﺍﻟﺭﻋﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﺯﺍﺭﻋﻴﻥ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﻴﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ ﻭﺍﻟﺘﺼﺤﺭ اللذَين بلغا ذروتيهما في ﻋﺎﻡ 1984، إذ عانى أكثر من ثمانية في المائة من هؤلاء من ﻨﻘﺹ في الغذاء في مناطق كردفان ودارفور، فاضطر السكان إلى النزوح بحثاً عن الماء والغذاء والأمن. وهو الأمر الذي زاد من حدّة التوترات وخلّف آثاراً اجتماعية على المدى البعيد، من قبيل تفكك الأسر وتشرّد الأبناء وانتشار البطالة والجريمة وازدحام المدن والضغط على خدمات الكهرباء والمياه وسلامة البيئة. ولعلّ الأثر الأكبر هو عصابات النهب المسلح والحركات المسلحة التي يدفع أفرادها الغبن البيئي إلى مزيد من التخريب البيئي والقتل.
كذلك كانت لتدهور ﺇﻨﺘﺎﺠﻴﺔ ﺍﻷﺭﺽ، لا سيّما ﺍﻟﺯﺭﺍﻋﺔ ﻭﺍﻟﺜﺭﻭﺓ ﺍﻟﺤﻴﻭﺍﻨﻴﺔ، ﻨﺘﺎﺌﺞ ﻤﺒﺎﺸﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ ﻭﺍﻨﺤﺴﺎﺭ ﺇﻴﺭﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ. وهو ما جعلها تلجأ إلى مزيد من الضغط على ما تبقّى من موارد، بالتالي إلى مزيد من الإخلال بالتوازن البيئي، من خلال عمليات التنقيب عن البترول والمعادن في مناطق غنية بيئياً من دون مشاركة السكان المحليين، ليتزايد الغبن البيئي ويصبح دمار البيئة السمة الأساس في كثير من مناطق النزاعات.
(متخصص في شؤون البيئة)