مثّل الغياب الأميركي الكامل عن اجتماعات الجولة التاسعة لاجتماعات أستانة حول سورية، التي انطلقت أمس الإثنين، وتختتم اليوم الثلاثاء، مفاجأة، خصوصاً أنه يأتي بعد أيام من توقيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ليطرح التساؤل عن مدى تأثير هذا الغياب على مسار أستانة وعلى القرارات المتخذة فيه، في حين أعلنت تركيا، في اليوم الأول من الاجتماع، مواصلة نشر نقاط مراقبة في منطقة "خفض التصعيد" في إدلب شمالي سورية.
وأكدت وزارة خارجية كازاخستان عدم مشاركة الوفد الأميركي في اجتماعات أستانة، وهو ما أعلنته سابقاً مصادر دبلوماسية، إذ كان هناك ترقب لمعرفة مستوى التمثيل الأميركي، الذي شهد انخفاضاً تدريجياً في الاجتماعات السابقة، وصولاً إلى إرسال خبير في الجولة الثامنة في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقالت مصادر دبلوماسية إنه من الصعب على الجانب الأميركي القبول بالجلوس على طاولة واحدة مع الجانب الإيراني، خلال الجلسة الرسمية الرئيسية، التي تعقد غالباً في ثاني أيام المؤتمر. كما تزامنت اجتماعات هذه الجولة مع إعلان تركي عن نشر نقطة مراقبة جديدة، هي النقطة 11، في منطقة الزاوية في الريف الجنوبي لإدلب، تشرف على مناطق ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية، لتبقى نقطة أخيرة ربما يتم نشرها قريباً.
وألقى هذان التطوران بظلالهما على الاجتماعات التقنية، الثنائية والثلاثية، التي بدأت أمس، والتي تم خلالها بحث التطورات في سورية، مع تركيز الجانب التركي على مناطق "خفض التصعيد"، التي لم تلتزم بها روسيا وإيران، رغم توقيع الاتفاقية قبل أكثر من عام، إذ أكد الجانب التركي، وفق مصادر مطلعة، أنه يقوم بواجبه بالالتزام بمناطق "خفض التصعيد"، فيما تتجاهل الأطراف الأخرى ذلك. وشملت الاجتماعات التقنية لقاء لمجموعة العمل الخاصة بملف المعتقلين. وقالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن هذا الاجتماع معقد وشائك ويحتاج إلى وقت طويل، من أجل وضع الأسس المناسبة لإطار تنفيذ عمليات تبادل الأسرى وجثث القتلى، بالتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي، وبالتالي فإنه لا يمكن في القريب الحديث عن الإفراج عن المعتقلين، وهو أمر ربما يحتاج إلى سنوات. وبناء عليه، فإن هذا الاجتماع قد لا يحمل جديداً سوى ترتيب الأوضاع التقنية، بالحديث عن الجهات التي ستشرف على عملية تبادل الأسرى، والصلاحيات الممنوحة لها.
ويحمل ملف تشكيل اللجنة الدستورية، التي أقرت وفق مؤتمر الحوار السوري في سوتشي، في يناير/كانون الثاني الماضي، أهمية أيضاً، خصوصاً مع حضور المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا إلى أستانة. وأفادت المصادر المطلعة بأن هناك عرقلة لهذا الملف من قبل النظام وإيران، وتتذرع روسيا بهما، في حين أن تركيا أكثر مرونة في هذا الملف، وأن الإعلان عنه يجب ألا يكون في أستانة، بل في جنيف. وأضافت المصادر أن تركيا قدمت إلى الأطراف الضامنة أسماء مرشحيها للجنة الدستورية، فيما روسيا وإيران لم تقدما أي شيء بعد. ومن المتوقع أن تتكشف نتائج المداولات في هذه الجولة في البيان الختامي اليوم الثلاثاء، وذلك خلال الجلسة الرسمية الرئيسية، التي تجمع الأطراف المشاركة من الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، وكذلك الأمم المتحدة والأردن بصفة مراقبين. وقال المتحدث باسم وفد أستانة العسكري التابع للمعارضة السورية، أيمن العاسمي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن الدعم الأميركي في أدنى حدوده لهذا المسار، هذا إن كان موجوداً أصلاً، ويجب أن نعرف أن أميركا لم تدعم أي محفل دولي يتعلق بالملف السوري بشكل عام، حتى جنيف، لأن حلفاءهم على الأرض، حزب الاتحاد الديمقراطي، غير موجودين في هذا المسار، وانسحاب أميركا من الملف النووي، ووجود إيران في هذا المسار، زاد من حدة التوتر. بالنهاية، إنهم لا يدعمون هذا المسار، إلا إذا حصل اتفاق يخص الحلفاء في شمال شرق سورية". وأضاف العاسمي، في اتصال هاتفي قبيل مغادرة أعضاء الوفد إسطنبول متوجهين إلى أستانة للمشاركة في الجولة، إن "عدم التواجد الأميركي بفعالية يؤثر على القرارات التي تتخذ، خصوصاً إن كانت طويلة الأمد واستراتيجية. أما إذا كانت القرارات جزئية، كما في أستانة، وتتعلق بأمور تخص القوى الفاعلة المتواجدة على الأرض، وهي تركيا وإيران وروسيا، فإن الغياب لا يؤثر فيها. لكن موضوع اللجنة الدستورية لا يمكن أن يتم إن لم توافق كل الأطراف عليها، من الأميركيين وغيرهم".
وفيما يخص نقاط المراقبة التي أعلنت تركيا نشرها، قال العاسمي إن "نقاط المراقبة استكملت تقريباً قبل المؤتمر. بقيت نقطتان قد يتم الأسبوع المقبل استكمالهما، وهو دليل على توافق روسي تركي على تنفيذ الاتفاق، ويؤشر ربما على أن هناك رغبة بإبعاد إدلب عن أي معركة، إلا إذا قام الإيرانيون بدور تخريبي. نشر النقاط أمر يبشر بالخير، لأن التوافق على نشرها يدل على التوافق على التهدئة، وهو أمر جيد". وأضاف أن "أهمية الانتشار التركي تنبع من أنها ستمنع وقوع أي حرب، وتمنع اجتياح المنطقة بالدرجة الأولى، والتصريحات التي سبقت هذا المؤتمر كانت واضحة، خصوصاً تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، بعدم السماح بتهجير أهالي إدلب، مثل بقية المناطق، وهناك تصميم تركي انعكس على سرعة نشر نقاط المراقبة، وتركيا لها تأثير، واستخدمت قوتها الدبلوماسية من أجل تجنيب المنطقة أي عمل عسكري، والمآسي التي قد تحصل نتيجة ذلك، وهناك تصميم على التهدئة وهو أمر إيجابي برمته".
المحلل السياسي التركي، بكير أتاجان، وافق العاسمي في بعض ما ذهب إليه، مبيناً، لـ"العربي الجديد"، أن "الأميركيين، منذ البداية، معارضون ضمنياً لتحويل المسار السوري إلى أستانة، لأن روسيا تسيطر على هذا المسار. وهم انسحبوا تدريجياً لأن هذا المسار لا يخدم مصالحهم". وعن تأثير ذلك، قال "من حيث المبدأ لا يؤثر الانسحاب الأميركي، ومن حيث التطبيق، فإن الولايات المتحدة ستحاول، كما كانت سابقاً، إفشال تطبيق القرارات، محلياً ودولياً. هذه القرارات لن تكون قوية كما كانت في السابق، لأن الولايات المتحدة لا تعارض لوحدها مسار أستانة، فهناك دول أخرى معها، مثل فرنسا والدول العربية". وبشأن نقاط المراقبة التركية، قال أتاجان إن "الشمال السوري متفاهم عليه بأن يكون تحت رعاية تركيا منذ بداية مؤتمر أستانة، وهناك إجماع من قبل روسيا وتركيا وإيران، علماً أنه توجد بعض المناطق المهمة، خصوصاً جسر الشغور في إدلب وسهل الغاب، تشهد سوء تفاهم في رسم الحدود واعتراضات، خصوصاً من طرف النظام. ورغم ذلك أصبحت تركيا القوة المؤثرة، وليس إيران وروسيا. إن سوء التفاهم بين إيران والنظام من جهة، وبين روسيا والنظام من جهة ثانية، وإيران وروسيا من جهة ثالثة، يعطي أفضلية لأن تكون القرارات لصالح تركيا". وأضاف "حسب التصريحات المتوفرة، فإن تركيا تحاول منع هجوم النظام على إدلب، لكن هناك صدامات بين الفصائل، المدعومة أميركياً ومن قبل دول أخرى، في إدلب، وهذا الأمر قد يفتح المجال أمام النظام وروسيا لاستخدام القوة في إدلب".