الغوطة: المعارضة تستعيد تدريجياً المناطق التي خسرتها

10 مارس 2018
زملكا ــ الغوطة الشرقية يوم الخميس (محمد الشامي/الأناضول)
+ الخط -
صحيح أن ليل الخميس ــ الجمعة مر بلا قصف في الغوطة الشرقية لدمشق، للمرة الأولى منذ 10 أيام، إلا أن النظام السوري وحليفه الروسي شاءا أن يواصلا مهمة القتل منذ الصباح الباكر لليوم الـ19 على التوالي. ولم يوفر القصف مناطق توزيع حمولة 13 قافلة مساعدات  إغاثية دخلت دوما، لكن استهدافها لم يحل دون تفريغ حمولتها، بينما ترتفع وتيرة نزوح آلاف العائلات من مناطق الاشتباكات، على الرغم من أن مقاتلي المعارضة تمكنوا من استرجاع بعض المناطق التي خسروها.

وواصلت قوات النظام السوري، وبمساندة كثيفة من الطيران الحربي الروسي، الضغط العسكري على الغوطة الشرقية، مستهدفة فصل القطاع الشمالي عن الجنوبي. غير أن فصائل المعارضة استعادت مرة أخرى زمام المبادرة وشنّت هجمات معاكسة تمكنت خلالها من استرجاع بعض ما فقدته خلال المعارك الأخيرة وحققت تقدماً على جبهة بلدة بيت سوا بشكل خاص التي شكلت خسارتها أبرز "إنجاز" لقوات النظام في سعيها إلى شطر الغوطة إلى نصفين شمال وجنوبي.

ودخلت، أمس الجمعة، بقايا قافلة المساعدات التابعة للأمم المتحدة إلى مدينة دوما في الغوطة، التي كانت الأمم المتحدة قد سحبتها في وقت سابق بسبب استهدافها بالقصف من جانب قوات النظام يوم الثلاثاء. وبمجرد وصول عمال الإغاثة، قصفت قوات الحكومة السورية ضواحي البلدة بخمس غارات، وفق الدفاع المدني، استهدفت الأحياء السكنية في دوما، إضافة إلى إطلاق 3 صواريخ أرض ــ أرض، بينما استهدفت غارات أخرى الأحياء السكنية في بلدة جسرين، بالتزامن مع قصف مدفعي، ما أدى إلى إصابة عدد من المدنيين. كذلك سقط عدد من الضحايا من جراء سقوط قذيفة مدفعية على الأحياء السكنية في المدينة سقبا.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن القافلة "أفرغت كل حمولتها في دوما وعادت إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة. وتألفت القافلة من 13 شاحنة تحمل طروداً غذائية لنحو 12 ألف شخص تتضمن إمدادات غذاء، ومنع النظام أن تحمل أدوية أو تجهيزات طبية، إمعاناً منه في قتل السوريين في الغوطة. وقد نفى المتحدث الرسمي باسم جيش الإسلام حمزة بيرقدار ما تناقلته وسائل الإعلام عن خروج مقاتلين من جيش الإسلام من الغوطة الشرقية مع قافلة الأمم المتحدة والهلال الأحمر التي دخلت إلى الغوطة. وقال بيرقدار، عبر تغريدة في تويتر، "لا يزال مجاهدونا صامدون ثابتون على جبهاتهم يدمرون مخططات أعداء السوريين وثورتهم". لكن دعاية النظام وروسيا ظلت تتحدث عن أن مقاتلي المعارضة يقصفون معبراً بالغوطة لمنع خروج المدنيين لتبرير رفض أي من المدنيين في الغوطة الاستسلام والموافقة على مغادرة أرضهم. وكانت وكالة "سانا"، التابعة للنظام، قد ذكرت أنه تم "بالتعاون مع الفعاليات الشعبية ووجهاء الغوطة افتتاح ممر جديد لإخراج المدنيين من منطقة القتال عبر طريق جسرين-المليحة".

في غضون ذلك، شنّت فصائل المعارضة هجمات معاكسة لتستعيد السيطرة على معمل الأدوية في الأشعري، وعلى معمل الأحلام المحاذي لكتيبة رأس العين قرب بيت سوا. أما على جبهة بلدة بيت سوا نفسها، التي تبادل النظام والمعارضة السيطرة عليها في الأيام الأخيرة، فقد تضاربت الأنباء بشأن الوضع العسكري فيها بالنظر الى الخريطة المتحركة للمعارك هناك، فيما أصدر قائد فصيل "فيلق الرحمن" النقيب عبد الناصر شمير، قراراً يقضي بعدم نشر أي خبر يخصّ الجناح العسكري. وأفاد الصحافي علاء الأحمد الموجود في الغوطة لـ"العربي الجديد" بأن فصائل المعارضة استعادت معظم البلدة، لكن المعارك هناك ما زالت متواصلة. كذلك أكد الناشط الإعلامي قيس الحسن لـ"العربي الجديد" أن مقاتلي المعارضة موجودون بالفعل داخل بيت سوا، لكن الوضع لم يستتب هناك لأي من الطرفين.

وتقول مصادر أخرى من داخل الغوطة إن العمليات مستمرة على محورين منفصلين: الأول هجوم لقوات النظام من بيت سوا باتجاه بلدة مديرا، حيث سيطرت على مسجد ابن تيمية، واقتربت من أطراف البلدة، والمحور الثاني هجوم للمعارضة على مناطق كانت قوات النظام قد سيطرت عليها في مزارع الأشعري. من جهتها، قالت مصادر النظام إن قوات الأخير تعرضت "لهجوم من المسلحين في منطقة بيت سوا، ما أدى لسقوط شهداء والتراجع عن نقطتين، وتمت استعادتهما بعد أقل من ساعة ونصف الساعة". وفي القطاع الشمالي، قال حمزة بيرقدار، الناطق باسم جيش الإسلام، على حسابه في "توتير" إن فصائل المعارضة "أعطبت دبابة ودمرت مدفعاً رشاشاً وقتلت 20 عنصراً من مليشيات النظام واغتنمت أسلحتهم وعتادهم، في هجوم معاكس شنته على مزارع  دوما من جهة الشيفونية". كذلك أشار بيرقدار إلى استمرار "معارك عنيفة على جبهة الريحان محور المياه، في محاولة من مليشيات الأسد اقتحام البلدة، والمجاهدون يتصدون لهم ويدمِّرون دبابة طراز T72". وأكدت مصادر محلية مقتل مسؤول تجنيد في اللواء 313 الإيراني خلال المعارك إلى جانب قوات النظام في الغوطة ويدعى عبد النور المسالمة، وكان مسؤولاً عن عمليات التجنيد لمصلحة اللواء في محافظة درعا.

وفي مؤتمر صحافي عقدته في نيويورك، قالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة للشؤن الإنسانية، ليندا توم، إن سكان كل من بلدات مسرابا وحمورية ومديرا فروا من النزاعات الدائرة في بلداتهم إلى مدينة دوما. وتشير التقديرات الأممية إلى أن الحملة العسكرية سبقتها حركة نزوح أدت إلى تشريد ما يزيد عن 15 ألف شخص نزحوا داخل الغوطة منذ نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي. من جهتها، وصفت هنرييتا فور، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، الغوطة الشرقية المحاصرة بـ "الجحيم على الأرض" للأطفال. وقالت فور إن "القصف لا يتوقف مطلقاً تقريباً وحجم العنف يعني أن الطفل يرى العنف ويرى الموت ويرى بتر الأطراف. والآن هناك نقص في المياه والغذاء ولذلك ستنتشر الأمراض"، مشيرة إلى أن يونيسف ليست لديها سبل كافية للوصول إلى الناس هناك. ويعاني المدنيون من نقص حاد في الغذاء والمستلزمات الطبية بسبب مواصلة روسيا وقوات النظام القصف على مدن وبلدات الغوطة الشرقية المحاصرة منذ سنوات، ما أدى إلى تدمير أعداد كبيرة من المستشفيات والنقاط الطبية، بالإضافة إلى مقتل مئات المدنيين.

المساهمون