الغنوشي يروي لـ"العربي الجديد" فصولاً من نجاة تونس

12 فبراير 2015
الشيخ الغنوشي في مكاتب "العربي الجديد" في الدوحة(العربي الجديد)
+ الخط -
يحمل رئيس حركة النهضة التونسية، الشيخ راشد الغنوشي، هموم بلاده والمنطقة أينما حلّ، ليظهر حجم الحدث المصري في أحاديثه التونسية. وفي زيارته القَطَرية الأخيرة، كان للشيخ ورفاقه، كل من رفيق عبد السلام وعامر العريض وماهر عبد الجليل، محطّة في مكاتب "العربي الجديد" في الدوحة.

 اعترف الغنوشي خلال زيارته لـ "العربي الجديد"  بأنّ "ما حدث في مصر كان زلزالاً أوشك أن يُغرق المركب التونسي". البادي، في هذه العبارة الصريحة، ثقل واقعة الانقلاب العسكري في مصر، في 3 يوليو/ تموز 2013، على الاتجاه العام للخيارات التي سارت فيها "النهضة" على صعيد العلاقات مع القوى السياسية في البلاد. ولا مجازفة في القول إن ما يمكن اعتبارها، من دون حرج، "تنازلات" قدمتها الحركة الإسلامية، والحزب الأول في البلاد، حتى انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان لها الدور الأهم والجوهري، وربما الحاسم، في حماية تونس من الدحرجة إلى تأزم سياسي وأمني واجتماعي حاد في البلاد.


ومع اعتراف الغنوشي بالفروق الكبرى بين تونس ومصر، وبين الجيشين في البلدين، وقناعته بأن جيش تونس ليس صاحب مكانة خاصة في الدولة، وليست له تلك السلطة الحاكمة والبالغة النفوذ كما في الدولة المصرية، إلا أن الغنوشي كان واضحاً في استرساله، في هذا الأمر، عندما أشار إلى "استنساخ" جرى في تونس، على صعيد تشكيل "جبهة إنقاذ" وجمع تواقيع، في محاولة للإجهاز على حركة النهضة، عبر اتهامها بارتكاب جرائم إرهابية، لخنقها في الخريطة الحزبية والسياسية العامة في البلاد. كل ذلك ربما كان من شأنه إسقاط ما جرى في مصر من تأليف جبهة معارضة لحكم الإخوان المسلمين، قبيل الترتيب لتظاهرة 30 يونيو/ حزيران 2013، عشية إطاحة الرئيس محمد مرسي.

يقول الغنوشي إن حركة النهضة قبلت "على مضض" خروجها من الحكم، بعد استقالة حكومة الترويكا، برئاسة حمادي الجبالي أولاً، ثم علي العريض ثانياً، قبل تشكيل حكومة التكنوقراط برئاسة مهدي جمعة. ويؤشر إلى حالة التأزم والاحتقان الواسع في تونس في العام 2013، ومن مظاهره تنظيم 3500 إضراب عن العمل في البلاد، والتي أعقبتها حالة انفراج كبير في العام 2014.

وفي استعراضه تفاصيل في هذا السياق العام، كان لافتاً جداً من الشيخ الغنوشي إلحاحه الشديد على مفاهيم التوافق والتراضي والحوار والمشاركة في الفضاء السياسي الجديد في تونس، بعد الثورة التي بدا شديد الصراحة في قوله بشأنها إن تحقيق مطالبها الاجتماعية، بشأن مقاومة الفقر والحد من البطالة ومكافحة الفساد، لم يتم بعد. وكان لافتاً تشديد زعيم "النهضة" على أن نجاح التجربة التونسية يعود إلى إحلال استراتيجية التوافق مع النظام القديم ومع العلمانيين محل استراتيجية المغالبة والتشفّي.

[إقرأ أيضا: أهم محطات الثورة التونسية]

ويوضح أن تنازل الحركة عن المشاركة في الحكم في 2013، على الرغم من أنها كانت الحزب الأكبر في المجلس التأسيسي المنتخب، لم يكن زهداً في السلطة، وإنما جاء بسبب موازين القوى السياسية، وهي موازين تتحدد بكيفية مغايرة لحسابات صناديق الاقتراع ونتائج التصويت في الانتخابات.

كانت تنازلات "النهضة" بشأن الشريعة وغيرها من القضايا، في مناقشات إقرار الدستور، تعبيراً عن حرص لدى الحركة على التوافق، وهو الدستور الذي صوّت عليه الشعب التونسي. ويؤشر الغنوشي إلى هذه المسألة، في سياق تعريجه على ما قد يبدو حالة ظاهرة في غير بلد عربي، وهو أن عالم النخبة في بلادنا لا يزال في معظمه غير مرتاح للإسلاميين، وهذا أمر "ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار"، على حد تعبير الزعيم الإسلامي البارز، والذي لا مغالاة في القول إن رؤيته هذه مغايرة كثيراً لرؤى قيادات تشكيلات إسلامية في بلاد عربية غير قليلة، حين تزهو بنتائج صناديق الاقتراع، ولا ترى أي اعتبار لغيرها من تفاصيل أخرى في المشهد العام. يكرر الغنوشي، مرة واثنتين وثلاثاً، أن منطق الوفاق والتوافق بين

الإسلاميين والعلمانيين، وبين النظامين القديم والجديد، هو ما صنع "الاستثناء التونسي" الذي احتفل به الديمقراطيون العرب، بل وعموم النخب والقوى والتشكيلات الوطنية، المناهضة للاستبداد، لقناعة هذا المجموع بأن تونس في مسارها المستجد لن تعود إلى الوراء، أيّاً كان الرئيس، وأيّاً كان مَن ينجحون في البرلمان، من دون الاستسلام التام لوجود معوقات وقوى مضادة تسعى إلى الحفاظ على مصالحها التي تصطدم، بداهة، مع المنطق الديمقراطي والتوافقي.

يحيلك راشد الغنوشي إلى التوافق، أيضاً، والسعي إليه، عندما تسأله عمّا يراه البعض دعماً منه ومن قيادة "النهضة"، للباجي قائد السبسي، في مسعاه إلى رئاسة تونس، وهو ما تحقق له، وقد لوحظ أن ميلاً كان لدى القيادة إلى عدم دعم منافسه علناً، المنصف المرزوقي، في دورة التصويت الثانية. يقول ضيفنا إن استطلاعات الرأي كانت تؤكد عدم تمكّن المرزوقي من النجاح، ولم يكن ممكناً للحركة أن تعلن إسنادها له، وآثرت الحياد، وترك القرار للقواعد للتصويت، كيفما ترى.