حذّر زعيم حزب النهضة ورئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، مساء أمس، من خطورة إقصاء حزب "النهضة" و"قلب تونس" من الحكومة، معتبرا أن حكومة لا تتضمن الحزب الأول والثاني هي ضد الديمقراطية.
ووجّه الغنوشي، من المقر المركزي لحزب النهضة، بحضور قيادات الحزب ومناضليه، رسائل سياسية بالجملة، لرئيس الحكومة ورئيس الدولة وللأحزاب وللتونسيين، وحتى للمتابعين من قادة الدول المهتمة بالانتقال الديمقراطي في تونس.
وأكد الغنوشي في كلمته أن "من يفكر في أن البلاد يمكن أن تسير من دون نهضة، وأن الحكومة يمكن أن تتشكل من دونها، هؤلاء تفكيرهم إقصائي ولا يفكرون في مصلحة البلاد"، مشيرا "إلى أنهم ضعيفون ويخشون منافسة النهضة"، في إشارة منه إلى أحزاب "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" و"تحيا تونس" و"الدستوري الحر"، التي دعت رئيس الحكومة المكلف، هشام المشيشي، إلى استبعاد "النهضة" من التشكيل الحكومي.
وتساءل الغنوشي مستنكرا: "هل هناك ديمقراطية تقصي الحزب الأول من السلطة.. ثم يقصى الحزب الثاني.. فكيف ستكون الديمقراطية، مع الحزب العاشر؟" وفق قوله.
وتابع: "نجحت ديمقراطيتنا.. ولكن ما زالت هناك أخطار، لأن هؤلاء فكرهم استئصالي إقصائي، يفكرون في حكومة بلا نهضة وبلا قلب تونس وبلا الحزب الثالث والرابع"، مؤكدا أن" بلادنا ما زالت تحتاج إلى التوافق، فقد نجحت في الحفاظ على الديمقراطية بفضل عقلية التوافق".
وأضاف الغنوشي أن النهضة تبنت المصالحة الوطنية الشاملة، كما تبنت حكومة وحدة وطنية موسعة شاملة.. حكومة لا تقصي أحدا إلا من أقصى نفسه، فليس للنهضة (فيتو) على أحد مستعد للعمل معنا ومستعد للصعود في السفينة".
وبالرغم من مرور 12 يوما، أي ما يقارب نصف المدة المخصصة لتشكيل الحكومة (30 يوما)، اعتبر زعيم حزب النهضة أنه يجهل طبيعة الحكومة وبرنامجها، قائلا "نحن لا نعلم بناء هذه الحكومة وأساسها بالضبط، فهل ستكون منفتحة لكل الأحزاب، أو تكون منزعجة من الأحزاب.. لتحدثنا عن التكنوقراط والكفاءات وكأنّ الأحزاب لا يوجد بها كفاءات".
وأردف الغنوشي قائلا "ليس لنا مشكل مع المشيشي، وقد رحبنا به وتمنينا له النجاح، ولكن للنجاح شروط وأسباب ومنها التشاور مع الأحزاب التي أعطاها الشعب الشرعية للخروج من الأزمة الحادة".
الغنوشي: الديمقراطية ليست حكم الكفاءات بل هي حكم الأحزاب، لأن لديها الخبرة في إدارة شؤون الناس وتجميعهم
وشدد الغنوشي على أن "الديمقراطية ليست حكم الكفاءات بل هي حكم الأحزاب، لأن لديها الخبرة في إدارة شؤون الناس وتجميعهم، فليس مجرد حكم وآليات، بل هي قيم وحوافز ونضال، ونحن مقتنعون بأهمية الكفاءات، ولكن للكفاءات الحزبية. وبالنسبة لغير المتحزبين، فهم موجودون في الإدارة التونسية التي تضم الخبراء والعلماء ولكن مكانهم خلف السياسي الذي لديه خبرة في التسيير".
وأضاف رئيس حزب النهضة: "نحن بصدد بناء سلطة في حكومة جديدة… والمشكل الكبير هو اقتصادي واجتماعي ومشكل الفقراء والمحرومين، وهناك خطر عدم صرف الأجور والمرتبات وخطر توقف الماء والكهرباء.. أولا بسبب ثقافة الإقصاء التي تشغل التونسيين في الصراعات، والسبب الثاني بسبب تدهور ثقافة العمل وغياب الاجتهاد والمبادرة"، على حد تعبيره.
وحذّر الغنوشي من "الإقصاء الذي يمثله الحزب الحر الدستوري"، مستدركا بأن "الدساترة أبرياء من هذه العقلية إلا قليلا منهم ممن يمثل تفكيرهم خطرا على بلادنا"، مشيرا إلى أن "بلادنا تتسع للجميع، فسفينة تونس تتسع للجميع وتحتاج البلاد سعة الصدر والمصالحة قبل الخبز والكهرباء". على حد قوله.
وقال الغنوشي: "أوجه رسالة إلى كل الأحزاب وإلى كل القوى السياسية، لتتسع صدور بعضهم لبعض، فسفينة تونس قادرة على استيعاب الجميع، فلم تنج تونس عن بقية دول الثورات العربية إلا بالتوافق".
وعلّق الغنوشي على تصريحات عدد من قادة الكتلة الديمقراطية والمعارضة بأن مشكلة تونس هي النهضة، مشيرا إلى أن "تونس تعيش مشاكل وصعوبات، ولكن مشكلتها ليست النهضة كما يقول هؤلاء من الاستئصاليين، الذين لا يعتبرون أن مشكلة تونس في البترول والفوسفات المعطل في الكامور، ولا في المؤسسات المفلسة، ولا في ثقافة العمل المتدنية والبسيطة ولا في الإقصاء.. بل يعتبرون أن مشكلة تونس هي في وجود النهضة".
وأضاف الغنوشي أن "النهضة عانت ويلات الاستبداد والإقصاء والتعذيب والتشريد والسجون طيلة 30 عاما، ولكنها لم تقص أحدا بعد الثورة، وهي من أعطت التأشيرة للحزب الدستوري الحر زمن الترويكا"، واستطرد قائلا: "لسنا نادمين وسنهزمهم بالديمقراطية وقد هزمناهم بصناديق الاقتراع، ونحن نثق في الشعب التونسي، هذا الشعب العظيم الذي صنع الثورة وحافظ عليها، فالمستقبل للحرية وللإسلام الديمقراطي وليس للفاشية والإرهاب وللدواعش".
ووجّه الغنوشي رسائل مشفرة إلى عديد الجهات قائلا: "ظننا أن المشكل السياسي انتهى بالمصادقة على الدستور، إلا أن المشكل طُرح من جديد، فهناك من يدعو إلى مراجعة الدستور ويكره الأحزاب ويعتبرها مصيبة وإلى أن تكون الحكومة بلا أحزاب، ونحن نعتبر أن هذا عودة إلى الوراء، والشعب التونسي غير مستعد للرجوع على أعقابه" على حد قوله.
وأضاف الغنوشي أن "عماد الحكم وأحد معالم الدستور هو الحكم المحلي، والثورة قامت للنزول بالدولة من المركز إلى الأسفل"، واستنكر قائلا: "هناك حديث عن إلغاء وزارة الحكم المحلي لتلحق بالداخلية، وهل هي لعبة؟.. لن نسمح بذلك.. ولن نسمح بالردة والعودة إلى مركزة السلطة"، على حد قوله.
وأضاف: "صحيح لدينا رئيس دولة وحيد وليس عشرين رئيسا، ولكن ممارسة السلطة تقام انطلاقا من رئيس البلدية وفي الحكومة وفي البرلمان"، على حد تعبيره.
وتعرّض الغنوشي مطولا لجلسة سحب الثقة منه، معتبرا أن "الديمقراطية والحرية انتصرت على الاستئصاليين والديكتاتوريين والحانقين والحاقدين على الديمقراطية والمتربصين بها".
وبيّن أن التصويت على اللائحة أظهر توازنا في البرلمان، مشيرا إلى أن "من ساندونا ليس تزكية للنهضة بل لدعم الاستقرار، فبوجود حكومة منحلة ليس من السليم أن يحل البرلمان أيضا، لذلك كان انتصارا للاستقرار".
وشدد على أن "كثيرا ممن دعمونا دفعهم حبهم لتونس ودعمهم للاستقرار لأن النهضة تمثل الاستقرار وهي دعامة للاستقرار في هذه البلاد، وقد سبق لنا أن خرجنا من السلطة سنة 2013 واستقال علي العريض من الحكومة من أجل الحفاظ على استقرار البلاد".
وقال رئيس البرلمان: "نهنئ الشعب التونسي بأن ديمقراطيته مستمرة رغم الداء والأعداء، والتلفزات والمؤامرات لم ينجحوا.. ومن لعبوا معنا خسروا وسيخسرون بإذن الله، لأن الشعب التونسي اختار الديمقراطية عن بينة وبعد نضالات".
وقال إن "يوم جلسة سحب الثقة لم يكن يوما تونسيا بل يوما عالميا، لأنه كان مشحونا بالرمزيات.. فكيف لإسلامي أن يتبوأ مقعدا مرموقا حتى وإن كان بلا سلطة، ففي اعتقاد كثير من الناس أنه ليس محله، فأفضل مكان بالنسبة للإسلامبين عند هؤلاء هو إما السجن أو القبر أو الغربة".
وشدد على أن "عيدنا عيدان.. وقد أكرمنا الله يوم عرفة بتجديد الثقة وقد شاهدنا قنوات عربية وخليجية تنقل بشغف هذه الجلسة التي مارس فيها النواب حقهم في سحب الثقة من رئيسهم، وهذه هي الممارسة الديمقراطية ولا ينازعهم في ذلك أحد، ولكن هذه القنوات لم تنشغل بالجلسة من باب نقل الممارسة الديمقراطية وإنما أرادوا التشفي والفرحة في ألم غيرهم، فما يزعجهم ويقلقهم في تونس هي الديمقراطية والحرية".
وأضاف أن "المعركة لم تكن مع ديمقراطيين، بل مع استئصاليين من حزب التجمع، وليس كل التجمع بل بعض الاستئصاليين فيه". وشدد قائلا "نحن ندير خلافاتنا في تونس ونحلها بالديمقراطية ونديرها بالكلام، رغم أنه حامض، غير أنه يبقى كلاما. وأما في معظم بلاد العرب تدار الخلافات بالمدفع والرشاش وبالقتل والذبح"، على حد تعبيره.