ورأى الغنوشي، في حوار مفتوح مساء أمس الأحد مع طلاب معهد الدوحة للدراسات العليا وأساتذته، وباحثين في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن "مسار الثورات في الدول العربية لم ينكسر، وما هي إلّا مسألة زمن وكلفة ووعي نخب لمواصلة الطريق نحو الحرية"، مشددا على أن "ما كان يسمى "الاستثناء العربي" قد انهار أمام إرادة الشباب الثائر، وأنّ الربيع العربي أصبح مصدر إلهام لشعوب العالم".
وفي معرض قراءته للتجربة التونسية التي نجحت ثورتها في إطاحة واحدة من أعتى دكتاتوريات المنطقة بطريقة سلمية، لفت إلى أن ذلك يعود إلى "نجاحها في إنجاز دستور حداثي زاوج بنجاح بين الإسلام والديمقراطية، ونصّ على الحريات الأساسية؛ ومنها حرية الضمير، وحقوق المرأة والأقليات".
وأضاف: "لقد نجحت تونس في تجاوز الأزمة السياسية التي مرّت بها، وذلك لتناغم تركيبة المجتمع التونسي المنسجم في جميع مكوناته، ولدور المؤسسة العسكرية التي تولّت حماية الدولة وحماية العملية الانتخابية، إضافةً إلى ما قدّمته الحركة الإسلامية من تنازلات أثبتت أنّ مصلحة الوطن أولى من مصلحة الحزب، وأنّ همّها الأول هو حماية الخيار الديمقراطي".
وبيّن الغنوشي أن "تونس نجحت في تغيير الدستور والقوانين والمؤسسات، وذلك على قاعدة إدارة الاختلافات بطريقة متحضرة وسلمية، كما يُحسب للنخب والمؤسسات والمجتمع المدني والعمال والتجار ورجال الأعمال والمحامين والحقوقيين دورهم في صناعة الاستثناء التونسي".
وقال إنه "على قناعة أنّ الثورات التي اندلعت عام 2011 عصر جديد من الحرية ورفض الاستبداد، مُعيدًا للشعوب ثقتها بنفسها وأنّها أقوى من أنظمتها، وأنّ هذه الثورات ستحقق أهدافها بالتراكم، وأنّ الديمقراطية ستأخذ طريقها في هذه المنطقة، وأنّ العرب ليسوا مختلفين عن البشرية، فقد دخلوا عصرًا جديدًا من الحرية، والثورة مسارٌ سيحقق أهدافه ولو بعد قرون، فما يحصل ما هو إلّا مسألة وقت وكلفة، ولاختصار الزمن يجب أن توجد نخبٌ واعية، فدول الربيع العربي يمكنها السير نحو الديمقراطية عبر أكثر من مسار".
وشدد المتحدث ذاته على أنّ "حركة "النهضة" على اقتناع بأنّ الديمقراطية ممكنة التحقيق في المنطقة، وأنّها لا تتناقض مع الإسلام، وأنّ ما يميز الحركات الإسلامية عن غيرها هو منظومة القيم، وأنّ العقل والحكمة لا يتعارضان مع الدين".
وبين أن "تونس بصدد استكمال المرحلة الديمقراطية، بانتخاب مجلس أعلى للقضاء لا يرأسه رئيس الدولة، ومحكمة دستورية، فضلا عن برلمان يمثل كل التيارات السياسية"، موضحا أن "الثورة التونسية غيّرت الدستور والمؤسسات، ونحن الآن بصدد تغيير الممارسات. فالعرب جميعا مبتدئون في إدارة الاختلافات، ومبتدئون في الديمقراطية. إدارة الاختلافات مقياس أساسي للتحضر، بطريقة سلمية، حتى تنتقل السلطة من شخص إلى شخص، ومن حزب إلى حزب، دون أن تراق قطرة دم، ونحن في طريق إدارة اختلافاتنا بطريقة دستورية".
وأضاف أن "إدارة الحرية لا تزال بحاجة إلى مزيد من التعلم، ولكن يحسب للنخبة التونسية أنها، إلى الآن، أدارت خلافاتها حول طاولة، باجتماع كل الفرقاء، دون إقصاء، حيث يتم التوصل إلى توافقات صنعت "الاستثناء التونسي" في الربيع العربي".
وأبرز أن "تونس برئت من حكم العسكر، ونحن مدينون للجيش التونسي أنه حمى الثورة، وكانت له فرصة للاستيلاء عليها، في وقت كانت الدولة ملقاة على الأرض.. وكان سهلا التقاطها، لكنه تولى حماية الدولة، وحماية العملية الديمقراطية، وقد سألت قائد الجيش، رشيد عمار، هل فعلا لن يتدخلوا؟ فرد: "لن يضيع لكم صوت واحد. وهذا ما تم فعلا، وكانت النتائج غير متوقعة".