تحت المطر أحملُ الشارع بيديّ
هبطتِ الشمسُ كبُصَيْلةٍ لـمّا تكتمل،
كزبدةٍ طارت وهبطتْ في صحني.
الوادي في الخريف عشٌّ آخر للتوّ،
إذ شعشعتْ له صدوعُ الباب، عكَسَ
ملامحي، وما تساقط من الشارع
في القطار، والواجهات التي تضخم أصابعي،
تقصيني تحت نظرة متفحِّصة كتيمة،
وبيننا ذلك الفاصل الشفيف من الضوء الحليبي.
لكي توازن هجوعاً رقيقاً،
تلوي انتباهك فوق الحافز
يتخثّر الضوء عن سطح
الهواءِ المدلوق بين البيوت
حيث أحمل الشارعَ تحت المطر.
■ ■ ■
لا شيء مما زرعتَه مهمَل
لا شيء مما زرعتَه
مهمَلٌ.
كلّ الجذور الضاربة في العشواء
تنطوي على النار.
تحت الظلال الطفيفة
لِدُورٍ لا تُعَدُّ،
تتلوّى نَواتي، لوزةً،
تهمُّ بأن تفلعَ لحاءها.
■ ■ ■
دمنا في أنابيب المنزل
كانتِ الأحلامُ دمَ المنزل،
إطباق أصابع اليد القانطة
على العمود الفقري، غارقين
في المنزل، والاضطراب يغشى
العمود الفقري، نضحْنا دمَ الأصواتِ
من عظامِ أصابعنا
خارجَ ممراتِ ونوافذ المنزل،
خارجَ التصدعات في رئتيه.
■ ■ ■
مادةُ وروحُ هذا العالَم
يصبح البُعدُ عنه
وسيلةً
بينما البُعدُ يتدانى
من تخمه
إذ إنه الغراء
الذي يشدُّه
أبداً إليها.
الهويةُ في ذاتها
مادّةُ
التِحام.
يَرضَخُ البعيدُ.
■ ■ ■
في بيت هارت كراين
جلسنا في قاع البحر
نشرب الشايَ بكل تهذيب،
نحن الثلاثة (الغريق وأنا
وهو)، وتحدثنا في أمور
عديدة لن يعرفها
الرجال العائمون.
لم أستطع القيامَ
أو فكَّ انثنائي أو الهروب
إلى الثّنيّات الزرقاء رغم
أن الغريقَ عفا عن نفسه،
غادر باكراً، كان عليه
أن يهتمّ بشأن ما، فتركني
مع هارت الغارقِ في أحزانه
وحِداده.
حسناً،
ولو أننا، إكراماً لخاطر الناجين،
لم نأكلْ كلَّ
فطائر طحالبه الصغيرة
قبل أن نَتجوّل تحت
شِعاب المرجان.
حين عدنا
أسمعَني كلَّ ما لديه من
تسجيلاتٍ في قاع
البحر.
لا بدّ أنني كنتُ أنزلق
في بئر، قربَ نفقٍ،
عبْرَ ردَنٍ ما، وبينما
أُنصتُ
إلى بيتِ كراين
في قاع البحر،
تحوّلَ القمعُ
في آلةِ تشغيل أسطواناته
إلى محارةٍ لعقيدته.
■ ■ ■
تلاحُم
في الأعلى ظلمة.
أُلفةٌ ساكنة.
سوف تُضيء
في تضاعيفِ
جوهرِ الصوتِ.
نسيمٌ بدأ
يتدوَّمُ
أسفلَ القبّةِ
المختومة.
الجسدُ
يخطو أولَ خَطْوِه
في الأسفل.
في الأعلى
يرتدُّ الماءُ
في الخُطى.
لا جدوى
من الخزْيِ
في خضمِّ
الملاماتِ الكبيرة.
■ ■ ■
الركام تشكيلُ الانهيار
سلْ طبلاً أن يبصق.
قد جعلني القرْعُ
تافهاً كفعلٍ منعكِس.
والغبارُ هو الخلاصةُ الرّماديةُ
التي أمكثُ الآن قُرْبها.
ثمة انسدادُ النَّفَسِ،
الخرائب التُطْلقُ الزماميرَ،
توشكُ أن تُحيلَ اللاسلكيَّ كائناً رَعَوياً.
طفراتٌ تَصِلُ الدقائقَ.
كما أصواتٌ تتنادى فيما بينها،
في أكماتِ ضجيج مجروف،
تفأفئُ الأصواتُ، ثم قبلَ بلوغها المدى
تثوي في بقايا الحصى.
راعشةً، كُمَّتْ بشطراتِ القول،
انزرعتْ فراغاتُ النُّطقِ
في ما انفتحَ من سقطِ المتاع.
■ ■ ■
قبل أن تهزّ الهندباءُ ذؤاباتها
منذ أمدٍ طويل،
عندما تهادى الضوء وانتظم
بين خيوط المطر--- حثالةٌ
كدّرتْها ريحٌ--- هذا المكان يُفرِغُ
فمَه النَّورسيَّ، يسِمُ بنقشِه الهواءَ
الذي جذّفتْ فوقه أصواتُنا
وقد أمضَّها التخلخلُ.
الفقدُ ما بيننا، كمرآةٍ،
يعكسُ أجنحتنا.
كذلك حالُها، نتحسّسُ انحناءها للخلف
إذ نثنيها أثناء عبورنا لها فتصدُّنا.
حزمة تسّاقطُ، تنتفض،
ما أرسلناه وقد مالَ وانسرَبَ،
أُحكِمَ ببرودٍ إلى أسيجةِ الأبنية
الواطئة وراءنا،
وفي الخارج، رُقاقةٌ داخلَ غيومِ الضوء.
لم نرجع، لم نشقَّ طريقنا،
لم نتَلَوَّ، أو نرمِّدْ هذا الزئيرَ الخبيءَ
بإحكامٍ حول فصولنا الذابلة.
* Mario Ángel Quintero شاعر كولومبي من مواليد عام عام 1964 في سان فرانسيسكو، بكاليفورنيا حيث أمضى العقود الثلاثة من عمره ودرَس الآداب في جامعة كاليفورنيا. ونشر القصة القصيرة والشعر والمقالات بالإنكليزية تحت اسم George Angel.
يقيم منذ 1995 في مدينة ميديين، كولومبيا، وهناك نشر مجموعاته الشعرية بالإسبانية من بينها: "خريطةُ الواضحِ"، 1996(Mapa de lo claro)، و"تتضاءلُ الروح إذ تشقُّ طريقها نحو الليمبو"، 2009 (El desvanecimiento del alma en camino al limbo)، ومسرحية "كيف تموت في حديقة أحدٍ آخر"، 2009 (Cómo morir en un solar ajeno).
وهو أيضاً فنان تشكيلي، ويعمل منذ 2003 مديراً وكاتباً مسرحياً لمؤسسة Párpado Teatro المسرحية.
** ترجمة: أحمد م. أحمد