خلافاً للخطابات الساخنة التي خرجت من روسيا وتركيا في أعقاب إسقاط مقاتلة "سوخوي 24" الروسية بصواريخ جو ـ جو، أطلقتها مقاتلات "أف 16" تركية، يوم الثلاثاء، جاءت ردود الأفعال الغربية باردة وهادئة، وداعية في مجملها إلى ضبط النفس، وإعادة التواصل بين روسيا وتركيا، للاتفاق مجدداً على قواعد اشتباك تمنع تكرار الحادثة.
وعلى الرغم من مخاوف بعض الكتّاب والمراقبين في الغرب من احتمالات خروج الوضع عن السيطرة، كما ذكرت الكاتبة في صحيفة "الاندبندنت" البريطانية، ليزي ديردن، مُستشهدة بكلمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي سارع إلى التحذير من "عواقب وخيمة" على العلاقات بين البلدين، إلا أن الأغلبية، أمثال مراسل شؤون الدفاع والدبلوماسية في صحيفة "الإندبندنت"، كيم سينغوبتا، يستبعد تصاعد الأوضاع "لأن آخر شيء يريده حلف الأطلسي في الوقت الحالي، هو صراع جديد مع روسيا"، حسبما يعتقد. وهو ما يتفق معه الباحث في معهد "تشاتام هاوس"، كير جيلز، والذي يرى أن "تصعيد الموقف لا يصبّ في مصلحة أي من تركيا أو روسيا".
من جهتها، تشرح الخبيرة في السياسة الخارجية الروسية في جامعة كينغز في لندن، ناتاشا كوهرت، ما ذهب إليه بعضهم في عدم رغبة موسكو في تصعيد التوتر مع أنقرة، بأن "ذلك ظهر جلياً في الاتجاه العام لوسائل الإعلام الروسية. وهو ما يشير إلى رغبة موسكو في احتواء الضرر، ومواصلة الانخراط الدبلوماسي بينها وبين الغرب، والذي تجلّى في الأسابيع الأخيرة بموافقة الروس على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2249، والاجتماعات بين بوتين وقادة الأطلسي، فضلاً عن مشاركة روسيا في محادثات عملية السلام السورية في فيينا".
في المقابل، ترى الكاتبة في صحيفة "الغارديان"، سايمون تيزدال، أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يرغب في تصعيد التوتر مع روسيا، لأنه لا يريد التضحية بالمصالح الاقتصادية معها، لا سيما أن 60 في المائة من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي تأتي من روسيا. والأخيرة باتت في السنوات الأخيرة ثاني أكبر شريك تجاري لأنقرة".
وبعيداً عن حسابات روسيا وتركيا، ترى كاثرين فيليب، في صحيفة "نيويورك تايمز"، أن "القوى العالمية حريصة على منع تصاعد الأزمة وتوسعها". وتضيف أن "الأوساط الدبلوماسية الغربية، تنظر بحذر إلى توقيت إسقاط المقاتلة الروسية، لا سيما أنه تزامن مع إحراز تفاهم روسي ـ غربي بشأن التسوية السياسية في سورية، بما في ذلك بحث رحيل (الرئيس السوري بشار) الأسد. وهو التفاهم الذي لم تكن تركيا راضية عنه، ورأت فيه إطلاقاً ليد روسيا في سورية".
توقيت إسقاط المقاتلات التركية لطائرة "سوخوي 24" الروسية، أثار أيضاً حفيظة أستاذ الأمن الدولي، مدير مركز "الحرب والتكنولوجيا"، في جامعة باث البريطانية، والذي تساءل في صحيفة "الإندبندنت" عما "إذا كان إسقاط المقاتلة الروسية سوف يُسقط معه التفاهم الدولي حول خارطة الطريق لحل الأزمة السورية، والذي تكرّس بعد هجمات باريس (13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي) بترسيخ أولوية المجتمع الدولي في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدلاً من النظام السوري".
اقرأ أيضاً: كاميرون يُعبّد طريق التدخل البريطاني في سورية
كما حثّت معظم افتتاحيات الصحف البريطانية الصادرة صباح أمس الأربعاء، بوتين، على الحفاظ على الهدوء وعدم السعي للانتقام بعد إسقاط المقاتلة الروسية. وأجمعت تلك الصحف، على اختلاف توجّهاتها السياسية، على ضرورة عدم انجرار الأطلسي لمواجهة مع روسيا، وضرورة عدم انحراف المجتمع الدولي عن الهدف الأول، المتمثل في الخلاص من "داعش".
في هذا السياق، تُشدّد صحيفة "ديلي ميرور" على "أهمية تجنّب تصعيد في المواجهة بين تركيا، العضو في حلف الأطلسي وروسيا، لأن فشل أردوغان وبوتين بالتحلّي بضبط النفس، سيجرّ دولاً أخرى للصراع". وعلى الرغم من اتهامها روسيا بـ"سلوك نهج متعجرف وغير مبال" في مسألة التنسيق مع الآخرين ضمن عملية عسكرية مشتركة ضد "داعش"، إلا أن صحيفة "ديلي تلغراف" ذكرت أنه "من المهم ألّا يتطور هذا الحادث إلى مواجهة بين روسيا والأطلسي، إذ لا تزال هناك ضرورة ملحّة لجميع الأطراف في تدمير داعش في سورية والعراق، ضمن قواعد مشتركة لا بد من الاتفاق عليها".
وفي الإطار ذاته، حثّت افتتاحية صحيفة "الغارديان"، كلاً من أنقرة وموسكو، إلى "إبقاء الخطاب المُتشدد في حدود مخاطبة "الجمهور المحلي، مع أهمية الإبقاء على الرؤوس باردة". وبالتزامن مع عزم رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، التوجّه إلى مجلس العموم لطلب تفويض يسمح للطائرات البريطانية بتوسيع مجال عملياتها في العراق إلى الأجواء السورية، ترى "ديلي تلغراف" أن "حادث إسقاط الطائرة الروسية سيجعل من الصعب على كاميرون إقناع مجلس العموم في منحه تفويضاً لشنّ ضربات جوية ضد داعش في سورية".
كما تفيد صحيفة "ديلي ميرور" أيضاً بأن "حادث إسقاط الطائرة الروسية أثار أسئلة كثيرة وعلى كاميرون الإجابة عنها، طالما أنه يسعى لإقناع الرأي العام البريطاني والنواب من جميع الأحزاب بالموافقة على توسيع عمليات سلاح الجو البريطاني إلى الأجواء السورية". وتُضيف الصحيفة أنه "على رئيس الوزراء مسؤولية إثبات أن الطيارين البريطانيين لن يتعرضوا لخطر إطلاق النار من قبل طيّاري دول أخرى". من جانبها جدّدت صحيفة "ديلي ميل" تحذيراتها من مخاطر التدخل العسكري البريطاني أكثر في هذه "الفوضى السامة"، ونبّهت أن أي خطوة من هذا القبيل لا بد أن تستفيد من دروس تدخلات (رئيس الحكومة السابق) توني بلير الكارثية في أفغانستان والعراق، ومن درس المشاركة الفاشلة لكاميرون بالذات في ليبيا. وهو ما يعني وضع استراتيجية واضحة، كما يقول الكاتب في صحيفة "الغارديان" دان جارفيس.
ويضيف جارفيس أنه "على الاستراتيجية توضيح ماهية الفرق الذي سيحدثه توسيع العمليات الجوية البريطانية إلى سورية على صعيد إلحاق الهزيمة بداعش، ثم تقوم على توازي العمل العسكري مع عملية سياسية تضع نهاية للأزمة السورية، مع تطبيق إجراءات اقتصادية لتجفيف منابع تمويل التنظيم، وتقديم إجابات تتعلق بكيفية إعادة بناء المؤسسات السورية، لعدم تكرار النموذج الليبي. فضلاً عن الاهتمام بمواجهة أدوات داعش وتغلغلها وتأثيرها في أوساط الجاليات المسلمة في بريطانيا".
اقرأ أيضاً: ضحك القيصر والمرشد كثيراً