العيد وثقافة العنف

05 يوليو 2016
+ الخط -
منذ سنوات، وتحديدا في هذه الفترة من كل عام، أي الأيام الأخيرة قبل العيد، تلفت انتباهي الألعاب المكدسّة في الطرقات بأثمان بخسة، والتي لا تكاد تخرج عن أدوات الحرب، من مسدسات ورشاشات وعربات عملاقة وغير ذلك.
يلفت انتباهي تكالب الأطفال والأهل لشراء هذه الألعاب، وإدخالها بيوتهم وعوالم أطفالهم، وكيف يسمحون لطفلٍ يصارع نفسه والأخرين، من أجل إيجاد وتكوين وجوده وشق طريق ما داخل متاهات الحياة، بامتلاك ألعاب كهذه.
تتميز ثقافة الإنسان بأنها تراكمية بامتياز، أي أننا لا نولد مكتسبين أسلوب حياتنا، وإنما من خلال محيطنا. وهنا الحديث عن الثقافة باعتبارها أسلوب حياة. ولكي تكون هذه الثقافة "صحية"، وغير مصابة بأمراضٍ يبدو الشفاء منها معجزة. أمراض كالعنف مثلا، وجب الانتباه إلى ذلك الطفل، وما يحيط به، وجب مراعاة أننا نكتسب أمراضاً كثيرة بسبب الآخرين، وما يقدموه لنا أو يقولوه لنا أو يفعلونه معنا، ونحن أطفال وبسبب ذاكرتنا، ذاكرتنا التي تعتبر المكان الأفضل لنمو هذه الثقافات، بشقيها الجيد والسيء.
أتساءل هنا: أي كائن سيصبح عليه هذا الطفل الذي جعلنا من لغته الأولى لغة مسدسات ورشاشات وعربات عسكرية عملاقة؟ أي ثقافة زرعنا داخل ذاكرته البكر، وأي ثمار سيقطف، وسنقطف؟
تبدو الإجابة ليست بعيدة كثيرا، غير أننا نتعمد تجاهلها. اليوم حينما ننظر قريباً منا لنسأل فيما نسأل: لماذا ينتحر طفل؟ أو من أين جاء كل هذا العنف والتوحش وغير ذلك؟ لنجيب بإنكار غبي، وتجاهل أكثر مع أنه كان من المفترض تغيير سؤال: من أين بكيف؟ ولماذا؟ والبحث عن الأسباب التي تجعل كائنا بشريا كثير التعطش للعنف.
عندما ننظر في عدد المعنفات أو عدد المجرمين باسم الجهاد، ندرك تماماً أن خطأ كبيراً وقع، وتحوّل إلى وحشٍ ينهش فينا يوميا، وأن ضحاياه متعدّدون ومتنوعون يتنوعون باختلاف التسمية التي سنصنف تحتها الجريمة.
تعتبر نظرية التفاعل الاجتماعي أن الفرد يكتسب ثقافة العنف بالطريقة نفسها التي يكتسب بها أي نمط أخر من أنماط السلوك الاجتماعي، أي أن وراء طبيعة العنف ثقافة تؤسس له وتغذيه، ثقافة تُزرع بين أحضان الأسرة، وتنمو في المجتمع، وتوجه في المدارس والمساجد والجامعات، وهو ما يتم اليوم فعلياً، حيث نربى أطفالنا على القتل والحرب، ونغرس فيهم ثقافة العنف، ثم نتساءل بغباء تام، وبعدم إحساس بالمسؤولية: من أين جاء هذا؟
avata
avata
مبروكة علي (تونس)
مبروكة علي (تونس)