العودة المرتقبة لليبرمان إلى حكومة نتنياهو: لا تغيير جوهرياً

21 مايو 2016
قرار الحرب لا يمكن لليبرمان أن يتخذه منفرداً(ليور مزراحي/Getty)
+ الخط -
لن يكون للانضمام المرجح لأفيغدور ليبرمان إلى الحكومة الإسرائيلية تأثير كبير على جوهر سياسة حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة، حتى وإن اعتبره بعض المحللين في إسرائيل، وفي مقدمتهم محلل الشؤون الحزبية، حنان كريستال، نقطةً فاصلةً من شأنها أن تدشّن حكومة نتنياهو الخامسة. وخلافاً للتقارير الأولية وردود الفعل، سواء في إسرائيل أو خارجها، والتي أبدت مخاوف على وجهة حكومة نتنياهو الحالية، وحذرت من احتمال حصول تشدّد أكبر في الملف الفلسطيني، أو تلك التي تخوّفت من جنوح ليبرمان، المعروف بلسانه السليط والهجومي، في الممارسة الفعلية على أرض الواقع، فإن بعض تقارير تشير إلى ضرورة عدم المبالغة في القلق لأن القرار الميداني في تسيير الجيش يبقى، في نهاية المطاف، لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي إيزنكوت، في حين أن القرارات التي تتعلق بإطلاق حروب جديدة أو حملات عسكرية، تحتاج لمصادقة رئيس الحكومة.

على الرغم من ذلك، لا يمكن إغفال الفروق بين وجود وزير أمن مثل المستقيل موشيه يعالون، القادم من رئاسة أركان الجيش، والذي اعتبرته المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل "ابن بيت" وتصرف، بدوره، بناءً على ذلك، وكان بمثابة المحامي الدائم لقادة الجيش وعناصره، وبين من "كان الصفير الوحيد الذي مر قرب أذنيه هو صفير كرات التنس، وليس أزيز الرصاص في المعارك"، بحسب الوصف الذي كان يطلقه قادة الليكود على ليبرمان عندما كان يوجه الانتقادات اللاذعة للجيش وقيادته ولرئيس الحكومة نتنياهو.

انطلاقاً من ذلك، لم يكن مدهشاً كلام بعض المحللين، من اليمين واليسار، ومن ضمنهم اليساري ناحوم برنيع، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أو بن كاسبيت في "معاريف"، وبن درور يمين، ومفاده بأن ليبرمان قد يكون مفاجئاً "للناس" في انضباطه في وزارة الأمن، وتصحيح مساره بما يناسب التوجهات العامة لنتنياهو. لكن التزام ليبرمان بشكل عام لن يخلو، بين الحين والآخر، من تصريحات هدفها ضمان تمايزه عن رئيس الوزراء وذلك حفظاً "لمواقف" تنفعه في الانتخابات المقبلة.


في المقابل، اعتبر برنيع أن عودة ليبرمان إلى الحكومة وتسلّمه وزارة الأمن تعكس نواياه في العمل على إسقاط نتنياهو من الداخل، بعدما فشل في تحقيق ذلك من الخارج. يضيف المحلل الإسرائيلي نفسه أن الأسئلة المطروحة حول الأداء المقبل لليبرمان تتمثل في معرفة كيف سيقبل أو سيتماهى مع "روحية" الجيش، وكيف سيتعامل مع جنرالات هيئة الأركان، وهل سيكون نتنياهو قادراً، وهو في أوج حيرته بين مزايدات نفتالي بينت وليبرمان عليه في الحكومة، على اتخاذ القرار لجهة شن عملية جديدة أم عدم شنها.

بموازاة ذلك، انضم المحلل براك رافيد من صحيفة هآرتس إلى قائمة القائلين بأن ليبرمان 2016 يختلف كليا عن ليبرمان 2009 وأن تجربته في وزارة الخارجية تثبت أنه يتعلم من دروس الماضي. ففيما ساهمت مواقفه الرافضة لسياسة التفاوض مع الفلسطينيين في حصول صدام بينه وبين وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون، في عام 2009، تمكن ليبرمان، في عام 2013، من نسج علاقات احترام مع خلفها الوزير جون كيري. وقد تميزت ممارسته السياسية بأنها كانت أكثر اتزاناً. استناداً إلى ذلك، سيواجه ليبرمان، بوصفه وزيراً للأمن، صعوبة في توبيخ جنرالات الجيش، وهو يدرك اليوم أنه لن يستطيع تنفيذ تطلعاته لوقف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وأن مثل هذا الإجراء غير ممكن اليوم في ظل الظروف الدولية التي تعيشها إسرائيل.

بيد أن المحلل رافيد يشير إلى أن من شأن اعتراض ليبرمان أن يفضي إلى تعطيل مسار المصالحة مع تركيا، خاصة على ضوء تصريحاته العنيفة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وسياسة تركيا. في المقابل، من المرجح أن تحمل عودة ليبرمان فائدة لا يمكن التقليل من أهميتها بالنسبة للإدارة الأميركية، وهي تتمثل في الضغط على نتنياهو لإنجاز وإتمام مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة بشأن المعونات العسكرية لإسرائيل.


وفي الشأن العسكري، فإنه من المتوقع أن تكون بداية ولاية ليبرمان مشحونة بالتوتر في علاقاته مع هيئة أركان الجيش، وذلك في سياق سعيه الطبيعي لتكريس سلطته. وقد يجد قادة الجيش، بحسب رافيد، أن وزير الأمن الجديد أقل تجاوباً مع توصيات قيادة الجيش من سلفه في المنصب، خاصة في كل ما يتعلق بدعم الجيش لمنطق تحسين ظروف المعيشة ومنح تسهيلات لتيسير الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية، وربما في قطاع غزة أيضاً.

أما التحذيرات التي صدرت في إسرائيل من تعيين ليبرمان وزيراً للأمن، والتي صدرت عن جهات مختلفة، من اليمين واليسار، فهي نابعة أساس من الخوف فقط على صورة إسرائيل عالمياً، وليس من معارضة حقيقة لما يمثله ليبرمان، ولا من كون ليبرمان مدنياً لم يخدم في الجيش. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن عدداً من وزراء الأمن السابقين، والذين تبوأوا هذا المنصب لم يخدموا في الجيش الإسرائيلي، بدءا من بنحاس لافون في خمسينيات القرن الماضي، ومروراً بشمعون بيريز تحت قيادة رابين في حكومة إسحاق رابين الأولى بعد حرب أكتوبر 1973، ومن ثم البروفيسور موشيه آرنس، في حكومة بيغن وشمير بعد غزو لبنان عام 1982 وإقالة شارون من وزارة الأمن بسبب مجازر صبرا وشاتيلا، وأخيراً الوزير عمير بيرتس الذي كان وزير أمن خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006.

على الرغم من ذلك، لا يمكن تجاهل هذه المخاوف التي عبّر عنها عدد من المحللين والعسكريين في السياق الفلسطيني في حال قرر ليبرمان انتهاج خط أكثر تشدداً تجاه السلطة الفلسطينية، الأمر الذي قد يضطر نتنياهو إلى مجاراته، أقلّه على مستوى التصريحات، حتى لا يظهر أمام الإسرائيليين بأنه أكثر تساهلاً من وزير الأمن، ضمن لعبة المنافسة على أصوات اليمين الإسرائيلي.


أما في ما يتعلق بالفلسطينيين في الداخل، والذين اعتمد ليبرمان سياسة التحريض عليهم، والتهديد بترحيلهم مطالباً بسن سلسلة قوانين لإخضاعهم، وفي مقدمتها دعايته الانتخابية "بدون الولاء لن تكون لهم مواطنة"، فإن حقيقة كونه وزيراً للأمن، تعني، عملياً، عدم قدرته على التأثير في مجرى الحياة اليومية لأن وزارته تختص بالأساس في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومواجهة التحديات الأمنية لإسرائيل من خارجها، مع هامش صلاحية التوقيع، وفق توصيات أجهزة المخابرات المختلفة على أوامر الاعتقال الإداري لناشطين فلسطينيين من الداخل بموجب أنظمة الطوارئ البريطانية المعمول بها في إسرائيل حتى اليوم.

إلى ذلك، فإن عودة ليبرمان للمشهد الإسرائيلي كوزير، قد يفاقم خطورة حملات التحريض على الفلسطينيين، وهو ما يشي بمزيد من مسرحيات التهريج المتوعدة للعرب من على منصة الكنيست، والتي تمنح أجواء العنصرية والفاشية زخماً جديداً وشرعيةً حكومية.