العنف الشائن

10 يناير 2015
+ الخط -

في الحديث الشريف الذي نحفظه جميعاً، الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه. دعوة صريحة إلى الترفق بالناس، والشفقة عليهم، إخواناً في الدين، أو نظراء في الإنسانية. لا فرق. بل إن المسلم خدوم للإنسانية بطبعه، يغيث الملهوف وينفس عن المكروب، ويسعى في قضاء حوائج الناس. ولا يُتصور الفحش في أقواله، بله الفظاظة والغلظة في أفعاله، فبالأحرى استباحة دماء الناس. وذلك خطب جسيم، لا تحله الشريعة، ولا يرضاه الله ورسوله.
والمغالاة في الدين، بما تفضي إليه من تشديد على الناس وعنف وتقتيل، ليست من الإسلام في شيء. الدين الذي يزعم هؤلاء الهمج أنهم متحدثون رسميون باسمه، ويقترفون، بزعم الانتصار له، أقذر ما عرفت البشرية في عصورها الحديثة من جرائم. وما أنكى الجراح التي يثخنون بها جسد الأمة، حين يسدلون الحجب الكثيفة على حقيقة الإسلام، ويسوقون للعالم صورة شائهة عن دين الرحمة والرفق والتعايش والدعوة الرفيقة الحانية.

العنف مستقبح، خلقاً وتعريفاً، أنّى كانت الجهة التي صدر عنها. العنف، بما هو ترويع للآمنين واستباحة لدمائهم وأموالهم وأعراضهم، لا يمكن أن يكون "وسيلة" لحل الخلاف وحسم الصراع والانتصار على الخصم بالضربة القاضية. ومثلما نرفض ونشجب القتل ظلماً وعدواناً، تحت راية الدين، فإننا نرفض، بالقدر نفسه من الشجب والإدانة، كل قتل للأبرياء، تحت أي عنوان وباسم أي قضية. وهذا مبدأ إنساني أصيل، لا يختلف حوله عاقلان.

 لا تعرف الرحمة طريقاً إلى القلوب الغليظة القاسية. تتصور أنها مفوضة من الله، لإقامة الدين في الأرض، بقوة الحديد والنار. كائنات من حقد وكراهية. تغرق في الإساءة، وهي تحسب أنها تحسن صنعاً. صم بكم عمي، فهم لا يفقهون. يعوزهم الفقه، وهو الفهم عن الله، لصمم الآذان التي تسمع القرآن لا يجاوزها وعمى البصائر عن مراد الله الرحيم الذي لم يخلق الخلق ليعذبهم.
أتحدث، اللحظة، في البديهيات. في المعلوم من الدين بالضرورة، كما يعبر الفقهاء. ولا أزعم أن زادي من علوم الدين، بتفريعاتها المتشعبة، يؤهلني لأستشهد بقال الله وقال رسوله. كلا، إنما أنا مسلم، نشأ في بيئة محافظة، لا أقول متدينة. وتعلم منها أن الدين تيسير وتبشير، وأن الرسول الكريم رحمة للعالمين، وأن من ليس أخي في الدين هو نظيري في الإنسانية.
وما أجمل ما قال القائل من أسلافنا الذين يدعي الهمج، زوراً وبهتاناً، الانتماء إليهم. قال: "مَا أحسنَ الإيمان يُزيِّنه العلم! وما أحسن العلم يزينه العمل! وما أَحسن العمل يزينه الرفق! وما أُضيف شيء إِلَى شيء أزينَ من علم إلى حلم".
وأحسن منه قول الرسول الذي يزعم القتلة محبته، والدفاع عنه، "من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير". وافتح كتاب الله متتبعاً مواطن الرحمة والخير والنور والمحبة فيه. واقرأ الآي الكريم مثل قوله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً".
قالوا سلاماً! يخاطبهم الجاهلون بجهالاتهم، فيقولون سلاماً. تأمل في الكلمة، وقل لي، بربك، أي رفق أكبر من ذلك؟ وقد أسمعتَ لو ناديت حياً.
تستغلق على أفهام المتنطعين معاني الرفق والرحمة. يعودون إلى النصوص الدينية، يجتزئونها من سياقاتها، ويلوون أعناق الآيات القرآنية لياً، ويفهمون الدين، بالجملة، حرباً ضروساً على الإنسان، وإن شهد شهادة الإسلام. معاول هدم تنقض أركان الدين وتقوض بنيانه، لا يكادون يفهمون قولاً ولا يهتدون سبيلا.
همج لا خير فيهم.

  

 

   

    

 

  

602C815A-56D4-493E-A00F-C56E675B9A74
602C815A-56D4-493E-A00F-C56E675B9A74
سمير بنحطة (المغرب)
سمير بنحطة (المغرب)