تعاني مختلف المجتمعات، حتى المتحضّرة، من العنصرية تجاه مجموعات بشرية. فما هي الإجراءات التي يجب على الدول اتخاذها تشريعياً وأهلياً ضد العنصرية بجميع أشكالها؟
يقول الروائي الفرنسي برنار فربر، إنّ العنصرية من الناحية العلمية هي عمل أحمق، ذلك أنّ كون الإنسان ولد في عائلة أو بلد ما، يرتبط طبيعياً بالصدفة ولا علاقة له بأي كفاءة شخصية لديه، فانتماؤه هو فعل طبيعة كجماله أو قبحه.
لا شكّ أنّ هذا التعريف لمفهوم العنصرية لا يتلاءم مع الواقع المرير الذي تعيشه حقوق الإنسان في أيامنا الحاضرة، فالعنصرية لم تعد تطاول عرقاً من الأعراق فقط، بل باتت مجموعة من الأيديولوجيات والممارسات التي تصبغ تلقائياً ومن دون وعي، شريحة اجتماعية يجري تصنيفها وفق معايير غير منطقية، لتصبح هدفاً لأحكام مسبقة سلبية.
يتخذ التمييز العنصري أشكالاً مختلفة، كاستعمال لهجة عنصرية مع الآخر، أو ممارسة العنف ضده، أو حرمانه من المساواة أو من تكافؤ الفرص بسبب انتمائه، أو عدم تقديم الحماية القانونية والإنسانية له، أو حرمانه من حقوق إنسانية كالحق في الحصول على الجنسية أو الإقامة أو اللجوء. هنا تجدر الإشارة إلى أنّ ممارسة العنصرية لا تنحصر واقعياً في الأفراد، إنّما قد يمارسها أصحاب عمل ومؤسسات عامة وخاصة. وما الدليل على ذلك إلاّ انتشار فكر أحزاب اليمين المتطرف التي تدّعي تقديم حلول لمختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، عبر تحميل الأجانب مسؤولية انهيار الاقتصاد الوطني.
تظهر خطورة العنصرية في كونها "فعل اتهام"، فالعنصري يحاول إضفاء قيمة وهمية أو خيالية لبعض الوقائع والاختلافات ليبرر اعتداءه الجسدي، أو اللفظي، أو النفسي. لكن، ليس كلّ فعل اتهام عنصرياً، بل لا بدّ من توافر عناصر عدة فيه: أولها، عدم المساواة في التعاطي بين أشخاص موجودين في ذات الظروف. ثانيها، أن ينجم عدم المساواة عن عوامل ذات صبغة تمييزية. ثالثها، أن يترافق هذا التعاطي مع إسفاف أو تحقير للآخر. من هنا يمكن القول إنّ حرية الرأي تجد حداً لها في مجال محاربة العنصرية، ذلك أنّ الحرية لا يمكن أن تكون سنداً قانونياً أو عملياً لأمر يشكل اعتداء صارخاً على حق الإنسان في المساواة مع أخيه الإنسان.
اقــرأ أيضاً
يقول الروائي الفرنسي برنار فربر، إنّ العنصرية من الناحية العلمية هي عمل أحمق، ذلك أنّ كون الإنسان ولد في عائلة أو بلد ما، يرتبط طبيعياً بالصدفة ولا علاقة له بأي كفاءة شخصية لديه، فانتماؤه هو فعل طبيعة كجماله أو قبحه.
لا شكّ أنّ هذا التعريف لمفهوم العنصرية لا يتلاءم مع الواقع المرير الذي تعيشه حقوق الإنسان في أيامنا الحاضرة، فالعنصرية لم تعد تطاول عرقاً من الأعراق فقط، بل باتت مجموعة من الأيديولوجيات والممارسات التي تصبغ تلقائياً ومن دون وعي، شريحة اجتماعية يجري تصنيفها وفق معايير غير منطقية، لتصبح هدفاً لأحكام مسبقة سلبية.
يتخذ التمييز العنصري أشكالاً مختلفة، كاستعمال لهجة عنصرية مع الآخر، أو ممارسة العنف ضده، أو حرمانه من المساواة أو من تكافؤ الفرص بسبب انتمائه، أو عدم تقديم الحماية القانونية والإنسانية له، أو حرمانه من حقوق إنسانية كالحق في الحصول على الجنسية أو الإقامة أو اللجوء. هنا تجدر الإشارة إلى أنّ ممارسة العنصرية لا تنحصر واقعياً في الأفراد، إنّما قد يمارسها أصحاب عمل ومؤسسات عامة وخاصة. وما الدليل على ذلك إلاّ انتشار فكر أحزاب اليمين المتطرف التي تدّعي تقديم حلول لمختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، عبر تحميل الأجانب مسؤولية انهيار الاقتصاد الوطني.
تظهر خطورة العنصرية في كونها "فعل اتهام"، فالعنصري يحاول إضفاء قيمة وهمية أو خيالية لبعض الوقائع والاختلافات ليبرر اعتداءه الجسدي، أو اللفظي، أو النفسي. لكن، ليس كلّ فعل اتهام عنصرياً، بل لا بدّ من توافر عناصر عدة فيه: أولها، عدم المساواة في التعاطي بين أشخاص موجودين في ذات الظروف. ثانيها، أن ينجم عدم المساواة عن عوامل ذات صبغة تمييزية. ثالثها، أن يترافق هذا التعاطي مع إسفاف أو تحقير للآخر. من هنا يمكن القول إنّ حرية الرأي تجد حداً لها في مجال محاربة العنصرية، ذلك أنّ الحرية لا يمكن أن تكون سنداً قانونياً أو عملياً لأمر يشكل اعتداء صارخاً على حق الإنسان في المساواة مع أخيه الإنسان.
تتخذ محاربة العنصرية أشكالاً مختلفة، إلاّ أنّ العبء الأساسي يقع على عاتق السلطات العامة، وفقاً لما أشارت إليه الاتفاقية الدولية الصادرة سنة 1965، والهادفة إلى إزالة جميع أشكال التمييز بين البشر. فبموجبها، تلتزم الدول الأعضاء باعتماد سياسة ومنهجية واقعية مستندة إلى آليات وتقنيات متناسبة مع الضرر الذي يسببه التمييز العنصري على تطور المجتمع فكرياً، واجتماعياً، واقتصادياً.
على الصعيد التشريعي، فإنّ غالبية الدول المتطورة قد أدخلت في دساتيرها وقوانينها الأساسية مبدأ إنسانياً عاماً يمنع التمييز القائم على الانتماء أو عدم الانتماء إلى عرق بشري، أو أمة، أو نسب أو دين ما. كذلك، فإنّ غالبية هذه الدول قد أرفقت هذا المبدأ بحماية قضائية، فضحية التمييز العنصري يمكنه ملاحقة الفاعل أو المحرّض أمام المحاكم الجزائية لمعاقبته والمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه. كذلك، يمكنه ملاحقة الحكومة أمام القضاء للمطالبة بالتعويض إذا أثبت أنّ مؤسسات الدولة أهملت، أو لم تقم بما يلزم لتطبيق هذا المبدأ الإنساني الدولي.
محاربة التمييز العنصري توجب أيضاً أن يواكب المشرّع تطور تقنيات التواصل الاجتماعي كي يسمح للقضاء بالتدخل، فيلزم مواقع التواصل الاجتماعي بحذف أي منشور ذي طابع عنصري. كذلك، يوجب، على المستوى الجزائي، تشديد العقوبة في حال نشر الفكر العنصري على شبكات الإنترنت، وذلك لما لهذه الشبكة من تأثير كبير على عقول عامة الشعب اليوم، خصوصاً الشباب.
اقــرأ أيضاً
على الصعيد التشريعي، فإنّ غالبية الدول المتطورة قد أدخلت في دساتيرها وقوانينها الأساسية مبدأ إنسانياً عاماً يمنع التمييز القائم على الانتماء أو عدم الانتماء إلى عرق بشري، أو أمة، أو نسب أو دين ما. كذلك، فإنّ غالبية هذه الدول قد أرفقت هذا المبدأ بحماية قضائية، فضحية التمييز العنصري يمكنه ملاحقة الفاعل أو المحرّض أمام المحاكم الجزائية لمعاقبته والمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه. كذلك، يمكنه ملاحقة الحكومة أمام القضاء للمطالبة بالتعويض إذا أثبت أنّ مؤسسات الدولة أهملت، أو لم تقم بما يلزم لتطبيق هذا المبدأ الإنساني الدولي.
محاربة التمييز العنصري توجب أيضاً أن يواكب المشرّع تطور تقنيات التواصل الاجتماعي كي يسمح للقضاء بالتدخل، فيلزم مواقع التواصل الاجتماعي بحذف أي منشور ذي طابع عنصري. كذلك، يوجب، على المستوى الجزائي، تشديد العقوبة في حال نشر الفكر العنصري على شبكات الإنترنت، وذلك لما لهذه الشبكة من تأثير كبير على عقول عامة الشعب اليوم، خصوصاً الشباب.
على الصعيد الأهلي، فإنّ على الدول أن تشجع الأفراد على تأسيس وتطوير الجمعيات الأهلية التي تسعى إلى فهم المجتمعات الأخرى، والاطلاع على ثقافتها. وهو ما يسهل التقارب والانفتاح بين المجتمعات، ويؤدي بالتالي إلى تراجع الأحكام المسبقة واللامنطقية تجاه الآخر. كذلك، عليها أن تمنع نشاطات الجمعيات والمؤسسات والهيئات التي تدعو إلى الكراهية وتمارس الفوقية تجاه الآخرين.
محاربة التمييز العنصري تتطلب أيضاً جهداً تربوياً، سواء في المدارس أو في المنزل، ذلك أنّ كراهية الآخرين غالباً ما تنتج عن انعدام أو سوء فهم القيم الإنسانية الأساسية. من هنا أهمية إعادة تأهيل الهيئات التعليمية وإدخال مناهج تعليم مدنية حديثة متوافقة مع شرعات حقوق الإنسان والمواطن. كذلك، في الإمكان الإشارة هنا إلى ضرورة إنشاء هيئات وطنية يعمل فيها أصحاب اختصاص يكون عملها الأساسي تقديم دراسات نقدية للأفكار العنصرية، لا سيما إذا كانت ذات أساس تاريخي غير علمي.
يجدر التنويه بالدور الذي قد تقوم به وسائل الإعلام من توجيه للرأي العام إلى المخاطر الاجتماعية والنفسية الناجمة عن العنصرية، على أن تكون هذه الحملات صادمة وواقعية وساعية إلى تفعيل الوعي المجتمعي لدى الفرد. وقد تلعب الشخصيات الثقافية والرياضية أيضاً دوراً هاماً من خلال رعاية النشاطات المناهضة للتمييز العنصري.
*دكتور في القانون ومحامٍ بالاستئناف في باريس
اقــرأ أيضاً
محاربة التمييز العنصري تتطلب أيضاً جهداً تربوياً، سواء في المدارس أو في المنزل، ذلك أنّ كراهية الآخرين غالباً ما تنتج عن انعدام أو سوء فهم القيم الإنسانية الأساسية. من هنا أهمية إعادة تأهيل الهيئات التعليمية وإدخال مناهج تعليم مدنية حديثة متوافقة مع شرعات حقوق الإنسان والمواطن. كذلك، في الإمكان الإشارة هنا إلى ضرورة إنشاء هيئات وطنية يعمل فيها أصحاب اختصاص يكون عملها الأساسي تقديم دراسات نقدية للأفكار العنصرية، لا سيما إذا كانت ذات أساس تاريخي غير علمي.
يجدر التنويه بالدور الذي قد تقوم به وسائل الإعلام من توجيه للرأي العام إلى المخاطر الاجتماعية والنفسية الناجمة عن العنصرية، على أن تكون هذه الحملات صادمة وواقعية وساعية إلى تفعيل الوعي المجتمعي لدى الفرد. وقد تلعب الشخصيات الثقافية والرياضية أيضاً دوراً هاماً من خلال رعاية النشاطات المناهضة للتمييز العنصري.
*دكتور في القانون ومحامٍ بالاستئناف في باريس