من الصعب حصر الانعكاسات التي طاولت قطاع التعليم نتيجة حال الفوضى التي شهدتها المنطقة العربية، خصوصاً وأن الكثير منها ما زال في المعمعة نفسها. مع ذلك، يمكن الاكتفاء بإشارات موجزة وسريعة ودون تفاصيل علّها تظهّر ما عليه عملية التعليم.
فالمؤكد أن الحركة الطالبية في التعليم العالي واكبت الحالات الاحتجاجية العامة على السياسات المعتمدة والفساد المستشري في أوصال ومفاصل الدول. ومثل هذا الوضع يبرز في حالات كل من موريتانيا والجزائر والعراق ولبنان. على أن ذلك لم ينحصر بالطلاب الجامعيين الذين نزلوا إلى الشوارع، بل شمل طلاب المرحلة الثانوية وبمشاركة الأساتذة والمعلمين في مختلف مراحل التعليم. وقد رفع هؤلاء شعارات ومطالب سياسية وتعليمية وتوظيفية وخدماتية تطاولهم، وتصل إلى ضرورة رسم استراتيجيات مختلفة للسياسات وللقطاع برمته. ولما كانت مثل هذه الحركات تواجه باعتقالات ورفض التجاوب، فذلك كان يقود لمزيد من التحركات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين.
في اليمن وليبيا، وهما نموذج لحربين أهليتين لهما امتداداتهما الإقليمية وعمقهما القبلي والجهوي، لفتت المنظمات الدولية المعنية بحقوق الأطفال والإنسان إلى الانتهاكات التي يتعرض لها القطاع التعليمي من مؤسسات وأساتذة وإداريين. والأفدح عمليات التحاق الأطفال بالجماعات المقاتلة المتطرفة، ما يعني أن هؤلاء الذين يجب أن يكون مكانهم صفوفهم الدراسية باتوا مقاتلين، أو ما تسميه المنظمات الدولية "الجنود الأطفال". رافق ذلك استهداف البنى التحتية والمرافق التعليمية في شتى أنحاء البلاد، وهو ما يؤدي إلى مضاعفات بالغة السلبية على القطاع. وتلعب الظروف الاقتصادية السيئة دوراً مُحفِّزاً للانضواء في صفوف الجماعات المسلحة، ما يقود إلى ترسيخ ثقافة العنف والكراهية واستسهال إزهاق النفس البشرية وغياب لغة الحوار، وتفكك بنية الأسرة لصالح نموذج الجماعات المسلحة، فضلاً عن عسكرة الأفكار والمدارس وعملية التعليم برمتها.
وفي لبنان، ومنذ مطلع العام الدراسي في أيلول/ سبتمبر الماضي، تسود حال من الفوضى مقترنة بتظاهرات وقطع طرقات، ما حال ويحول دون انتظام الدراسة التي فاقمها إقرار سلسلة رواتب جديدة للمعلمين والأساتذة رفض القطاع الخاص دفعها. ومن المعلوم أن التظاهرات وقطع الطرقات بدأت على صعيد واسع منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى صعوبات لوجستية في وصول التلامذة والمعلمين إلى مدارسهم والطلاب إلى جامعاتهم. وفي سورية، بات نصف عدد سكان البلاد بين مهجر ونازح، وضمنهم المعلمون والتلامذة وذووهم، أي ما مجموعه 10 ملايين نسمة فقدوا طابع الاستقرار وباتوا لاجئين مشتتين في الدول القريبة والبعيدة. وفي فلسطين المحتلة، تواصل دولة الاحتلال مساعيها لإنهاء القضية الفلسطينية وتهويد البلاد وتعمل على منع تدريس المنهاج الفلسطينى فى القدس، ما يشكل تعدياً على حقوق الشعب الفلسطيني وانتهاكاً للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، خصوصا معاهدة جنيف الرابعة، وما تتضمنه من نصوص حيال الوضع التعليمي في الدول المحتلة. أما في قطاع غزة فيواصل جيش الاحتلال استهداف وتدمير المؤسسات التعليمية، ويمنع وصول مواد البناء، ما يعيق عملية ترميمها.
إن الاحتجاجات والصراعات وإغلاق المدارس وعدم انتظام الدوام المدرسي ودمار البنى التحتية التعليمية، كلها عوامل تدفع للسؤال عن وجود العملية التعليمية أساساً ضمن شروطها المعروفة.
(باحث وأكاديمي)