قبل أيام قليلة بدأت دعايات العلوم الزائفة في العودة للظهور بكثافة في مصر، تزامناً مع ترشّح وفوز، مقدم البرامج سعيد حساسين بانتخابات مجلس النواب المصرية، والذي يُعدّ أحد أشهر مدعي العمل في مجال الطب البديل في مصر، المُصنّف رسمياً في الوسط العلمي بكونه أحد فروع العلم الزائف.
الأمر الذي أدى الى انتشار الدعايات مرة أخرى، بعد سباتها لفترة من الزمن، على الأخص دعايات التنجيم، والطب البديل، والبرمجة اللغوية العصبية، والعلاج بالطاقة، وغيرها من الممارسات التي تؤدي بشكلٍ قاطع إلى العديد من الأضرار التي تصل إلى الوفاة في بعض الأحيان، على مختلف قنوات التلفاز الرسمية والخاصة.
ما هو العلم الزائف؟
يُعرف العلم الزائف أو أشباه العلوم "Pseudoscience" بأنه الممارسات والأفعال التي تدّعي استنادها إلى حقائق وأسس علمية، في حين أنها لا تمتلك أي دليل علمي يثبت صحتها، بل تعتمد على بعض الأقوال والمعلومات الخاطئة التي يظنها العامّة حقائق علمية. تختلف آراء العلماء في تاريخ ظهور ممارسات العلم الزائف، إلا أن المتفق عليه إجمالاً هو امتداد تلك الممارسات إلى آلاف السنين، إذ بدأت مع بدء معرفة الإنسان للعلم، وتحديد منهجه، والاستعانة به في التغلب على المشاكل تارة أو تحسين معيشة البشر تارة أخرى.
أما مصطلح العلم الزائف "Pseudoscience" فقد تم استخدامه للمرة الأولى للدلالة على تلك الممارسات في عام 1796 حينما قام المؤرخ "جيمس بيتت أندرو" بالإشارة إلى الخيمياء على أنها "علم زائف خيالي". أما في ثمانينيات القرن التاسع عشر فقد بدأ استخدام هذا المصطلح بشكلٍ موسّع للدلالة على أن بعض الأنشطة التي يُعتقد بكونها علمية، هي في الأصل أنشطة وممارسات زائفة ليس لها أي أساس علمي يبرهن صحتها.
اقرأ أيضاً: تزييف الشهادات الجامعية.. تجارة الوجاهة الاجتماعية في السعودية
حجم ممارسات العلوم الزائفة
يُعد الوطن العربي سوقاً واسعاً ورائجاً لجميع أنشطة وممارسات العلوم الزائفة، حيث تمثل تلك الممارسات صناعة مربحة تصل قيمتها لمليارات الدولارات التي يتم الحصول عليها سنوياً من خلال تلك الممارسات. الأمر ليس قاصراً على العرب فقط، بل تؤثر تلك الصناعة على جميع أطراف العالم، فوفقاً لجريدة التليغراف، يقوم الإيطاليون بصرف خمسة مليارات يورو سنوياً على المنجميّن من أجل الحصول على نصائح إدارة الأموال أو كيفية تكوين ثروة. أما في الولايات المتحدة، فيتم صرف 34 مليار دولار سنوياً على ممارسات الطب البديل.
أما على الصعيد العربي فلا توجد إحصاءات ثابتة تحدد حجم الأموال التي يتم إنفاقها على ممارسات العلوم الزائفة، إلا أن انتشار تلك الممارسات وكمّ الأموال التي يتم ضخها في حملات الدعايات والتسويق يوضح حجم الأرباح العائدة من خلال تلك الممارسات، والذي يجعل العديد من المؤسسات تتنافس في نشر موادها الإعلانية عبر مختلف القنوات من أجل الحصول على عملاء جدد واستغلالهم بهدف جني المزيد من الأرباح والأموال فقط عن طريق استغلال العامّة الباحثين عن بعض الأمل في الشفاء من مرض نادر أو الحصول على ثروة عاجلة.
اقرأ أيضاً: أكاديميون وهميون في السعوديّة
- البرمجة اللغوية العصبية
بدأت ممارسات البرمجة اللغوية العصبية في الدخول إلى الوطن العربي من خلال بعض الرواد العرب مثل الراحل إبراهيم الفقي، والذي قام بنشر تلك الممارسات من خلال بعض المحاضرات، والكتب، والدورات التدريبية التي قام بتنظيمها من خلال مراكزه الخاصة بالتنمية البشرية بأسعارٍ تجاوزت آلاف الجنيهات.
يدعي ممارسو البرمجة اللغوية العصبية أن هذا الأمر علمٌ يتم تدريسه في جميع أنحاء العالم، إلا أن هذا الأمر بعيد عن الواقع، فلا توجد أي جامعة تحظى باعتراف أكاديمي معتمد تقوم بتدريس مناهج البرمجة اللغوية العصبية ضمن مقرراتها التعليمية. ليس هذا فقط، بل وفقاً للمجتمع العلمي فإن ممارسات البرمجة اللغوية العصبية تعد علماً زائفاً يجب تجنبه والتحذير من ممارساته كما ذكرت العديد من الدوريات المتخصصة مثل مجلة ساينتفك أميركان، جامعة ستانفورد، والعديد من العلماء والمتخصصين.
فضلاً عن هذا الأمر لا يوجد بالأساس تعريفٌ واضح وصريح لهذا العلم المزعوم، فإذا قمت بالبحث عن تعريف البرمجة اللغوية العصبية ستجد من يقول إنه تدريس طريقة التفكير في إدارة الحوّاس، أو فن الوصول إلى النجاح، أو برمجة الحواس وفق الطموحات التي يحلم بها الإنسان. تعريفات متعددة لا يوجد بينها أي ترابط، إلا أنها تلعب جميعاً على وتر النجاح وتحقيق الأهداف المستحيلة في دقائق بسيطة. يتألف هذا المنهج وفق ادعاءات مراكز التنمية البشرية من مجموعة من المهارات التي يتعلمها المتدرب مثل توطئة العلاقات مع الآخرين، وفن النجاح، وتحديد الأولويات، والسعي نحو النجاح، وغير ذلك من المهارات المنفردة التي تم جمعها في مقرر واحد وإطلاق مصطلح علم عليه!
يمكنك الاطلاع على تعريف البرمجة العصبية وفقاً لأحد مؤسسيها "ريتشارد باندلر"، والذي يعد مخالفاً لما تذكره المراكز المتخصصة في هذا المجال تارة، وعدم كونه محدداً أو مفهوماً بشكلٍ واضح من ناحية أخرى.
اقرأ أيضاً: أفغانستان.. أمراء الحرب يبيعون المنح الدراسية
- الهوميوباثي: الطب التجانسي
الطب التجانسي أو المعالجة المثلية Homeopathy هي أحد أنواع الطب البديل التي تروج لمفهوم معالجة المثل بالمثل، أي أن تناول كميات قليلة بنسبة محددة من السّم قد يكون دواءً فعالاً في علاج حالات التسمم.
ظهر هذا المفهوم منذ 200 عام على يدّ الطبيب الألماني "صموئيل هانيمان"، إذ اعتبر أن استخدام كميات قليلة من الموادّ الضارّة والسامّة لديها القدرة على شفاء المرض الأساسي، فعلى سبيل المثال إذا كنت تعاني من الحساسية من مادة ما، يمكنك تناول تلك المادة بتركيزاتٍ صغيرة حتى تفقد حساسيتك منها، وهكذا.
بالطبع تلك الممارسات تُصنّف ضمن العلوم الزائفة، حيث لا يوجد أي دليل علمي يدعمها، فضلاً عن كونها تسبب الكثير من الأضرار نظراً لاحتواء معظم المواد التي يتم تعاطيها على نفس المادة الفعالة التي تعمل على إحداث نفس التأثير المرضي الذي يعاني منه المصاب. ليس هذا فقط، بل يتم إنفاق المليارات على تلك الممارسات من دون حدوث أي تأثير، فوفقاً للهيئة القومية للمسح الصحي في أميركا، قام 3.9 ملايين شخص بالغ، بالإضافة الى 900 ألف طفل باستخدام منتجات الطب التجانسي في عام 2012، ووصل الإنفاق في هذا العام الى 2.9 مليار دولار للأدوية، و170 مليون دولار للزيارات إلى عيادات الطب التجانسي.
في الوطن العربي تنتشر تلك المراكز، والمنتجات التي يتم الترويج لها من خلال برامج التلفزيون، وعلى يدّ بعض المتخصصين الذين لا يهمهم سوى ربح المزيد من الأموال من خلال الممارسات الزائفة. من الأدلة التي توضّح زيف تلك الممارسات هو التقرير الذي قدمته هيئة البحوث الطبية الوطنية الأسترالية، والذي يتضمن عدم وجود دليل علمي موثوق على فعالية ممارسات الطب التجانسي، مما ينفي جميع الادعاءات التي تقدمها المراكز والعيادات المتخصصة في هذا الشأن.
اقرأ أيضاً: الغرباء في الدار.. هكذا واجه الصحويون دخول السعوديات الإنترنت
- العلاج بالطاقة
مرة أخرى، يقوم العديد من مراكز التنمية البشرية، أو مراكز الشفاء المزعومة، باستخدام مصطلح العلاج بالطاقة من أجل جذب المزيد من الباحثين عن الشفاء، أو من فقدوا الأمل في الحصول على تشخيصٍ طبي سليم.
العلاج بالطاقة هو إحدى ممارسات العلم الزائف التي تعتمد على ادعاء أن الإنسان ما هو إلا جسد وطاقة، وهناك سبع مراكز للطاقة أو تسعة وفقاً لبعض المصادر، كلٌ منها له وظيفة محددة ولونٌ محدد تُعرف باسم الشاكرات. تلك الشاكرات هي المسؤولة عن حالة الإنسان الجسدية والنفسية، إذ يفسّر المتخصصون في هذا الأمر أن أي أمر طارئ يصيب الإنسان مثل القلق، والتوتر، والمرض الجسدي هو نتيجة لاختلال التوازن في إحدى تلك الشاكرات المسؤولة عن الأمر.
لذا من خلال دفع بعض الأموال الطائلة، يدّعي المتخصصون في هذا العلم الزائف أنهم سيقومون بتعليمك كيفية التحكم في تلك الشاكرات، والتي أثبت العلم بالفعل عدم وجودها، من أجل التغلب على الأمراض التي تصيبك مهما بلغ ضررها وقسوتها. ليس هذا فقط، بل هناك مستويات أخرى من العلاج بالطاقة مثل استخدام طاقة الأسماء الحسنى، وطاقة الألوان والفواكه في الحصول على أفضل نتائج نفسية وحسيّة بالإضافة إلى الشفاء من بعض الأمراض!
هناك العديد من ألوان العلوم الزائفة التي تنتشر في الوطن العربي بشكلٍ خاص، وفي العالم أجمع بشكلٍ عام مثل التنجيم، وممارسات الطب البديل، وعلم الأعداد، والباراسيكولوجي، والسحر والشعوذة، والادعاءات الغامضة مثل مثلث برمودا. كل تلك الألوان والممارسات التي لا تستند إلى أي دليل علمي يدعمها قد أثبت العلم عدم كفاءتها، وزيفها بشكلٍ قاطع. كذلك بالنظر إلى حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها عبر تلك الممارسات، فإنه من الواضح أن تلك الممارسات ليس لها هدف سوى جني الأموال الطائلة من خلال استغلال جهل العامّة بالعلم، والطرق العلمية المتعارف عليها، فتكون المحصّلة النهائية هو انتشار العديد من الأضرار الناتجة عن تلك الممارسات، وخسارة المليارات التي تضيع دون أي جدوى من ورائها.
المصادر:
http://www.scientificamerican.com/article/what-is-pseudoscience/
http://plato.stanford.edu/entries/pseudo-science/
https://nccih.nih.gov/health/homeopathy
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1676328/
http://consultations.nhmrc.gov.au/public_consultations/homeopathy_health
https://www.sciencebasedmedicine.org/energy-medicine-noise-based-pseudoscience/
كتاب العلم الزائف تأليف "بن جولديكر".