08 مارس 2017
العلمنة الاجتماعية أساس الدولة العلمانية
هناك نوع من الاضطراب بشأن مفهوم العلمانية، في محافل الإعلام والنقاشات الدائرة حوله منذ سنوات، خصوصاً مع بدء الثورات العربية. ما يعود إلى إرث قديم منذ زمن الاستعمار، والذي وُوجه بتأكيد "الهوية الإسلامية" بوصفها إحدى وسائل المقاومة، بينما جرى إقصاء الترابط بين العلمانية والتحرر والحداثة. كما أننا بُلينا عشرات السنين بحكومات ديكتاتورية شرسة، في دولٍ عربية عديدة، كانت تُعلن انتماءها المُزيف للعلمانية السياسية، لكنها لا تستعمل هذا التعبير إلا لإبعاد كل أنواع المُعارضة السياسية الإسلامية، ولو كانت هذه تقبل مبدأ التبادُل السلمي للسلطة، كما رأينا أخيراً في مصر.
للعلمانية مفهومان متكاملان، العلمانية السياسية المعروفة عند الناس، أي مبدأ فصل الدين عن السلطة، والأخرى أقل معرفة، العلمنة الاجتماعية (وليس العلمانية) والتي ترتبط بالحداثة. وفصل الدين عن السلطة مبدأ قديم، تبلور في خِضم التغييرات الثورية في أوروبا في مرحلة الثورة الصناعية، وما تبعها من تغييرات سياسية وفكرية، خصوصاً ما جادت به قرائح مُفكري عصر الأنوار والثورة الفرنسية، وتبنته أنظمة حكم ديمقراطية وديكتاتورية كثيرة.
هنا يكمن أول شرخ في مفهوم هذا النوع من العلمانية السياسية، ما يؤدي إلى نوعين جديدين، الأول العلمانية في إطار الحكم الديمقراطي، وهو ما أسميه "العلمانية المُسالمة" أو الإيجابية، وهذا النوع مُنتشر في أوروبا والدول الديمقراطية، بما فيها تركيا المُسلمة. العلمانية هنا تعني حيادية السلطة أمام الأديان، واحترامها جميع أبنائها، ومعاملتهم بقوانين تساوي بينهم وتحترم عقائدهم، الفرد مواطن أولاً، لكن هذه العلمانية ترفض أن تُسن القوانين للدولة، بناءً على تشريعات خارج إرادة ممثلي الشعب (البرلمانات)، وبدون أي ارتباط بأي قوانين غيبية، تضع حرية الإنسان بالفكر قبل أي اعتبار.
هي إذاً تفصل الدين عن مُمارسة السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا يمكن في هذه القطاعات المؤسسة للدول أن يُنطق بحكمٍ، أو تُسن سياسة، أو يوضع تشريع، من دون أن يكون الإنسان مُمثلاً بالشعب، مصدره الوحيد (هذا لا يمنع الاستلهام بالفكر الديني). لا مكان في الدولة العلمانية للتشريع الديني، لأن الأديان فيها مُتعددة، والدولة تضع نفسها حامية لكل الأديان، ولا تُنصب ديناً للدولة، أو تفضله على دين آخر. والدين في هذه الدول والمجتمعات (كما في تركيا المسلمة العلمانية) مرجعية أخلاقية وتقليدية فقط، لأن هذه وظيفته الحقيقية، وتضع الأديان كلها في مصاف الدفاع عن السلم الاجتماعي، بدل تدخلها بالتشريع الذي يضع المجتمعات في مهب التناقضات والحروب الطائفية.
الأخلاقيات والقيم وتهذيب النفس هو الدور المُناط بالمرجعيات الدينية، هذا ما يحدث في الفاتيكان وفي العالم الكاثوليكي وبرضاه، وما أعتقد أنه سيكون عليه الوضع في العالم الإسلامي. من درس أعمال إصلاحيي الدين الإسلامي، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (أمثال الشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده) قد يجدُ انفتاحاً أكبر على مفهوم العلمانية من الحادث الآن بين دُعاة الدين والتدين. هذه هي العلمانية الإيجابية، والتي بدونها، قد لا يوجد سلم اجتماعي ممكن.
النوع الآخر من العلمانية السياسية، هي السلبية أو العنيفة أو الكافرة، كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي والدول الشيوعية الأخرى، والتي كانت تعتبر "الدين أفيون الشعوب"، وتمنع ممارسته والقيام بشعائره، وتُغلق الكنائس قبل الجوامع، وتحرم الناس من العيش في كنف المعتقدات الدينية التي يودّونها، أو الاحتفال بأعيادها. لا تستطيع هذه العلمانية أن تبني السلم الاجتماعي، وإنما هدفها فرض دين جديد. وفي حالة الاتحاد السوفييتي، هو "الدين الشيوعي"، مثل باقي الأديان، يتصور أنه يمتلك الحقيقة المُطلقة.
وفي مقابل علمانية الدولة، يوجد ما يمكن تسميتها العلمنة الاجتماعية، وهي مفهوم اجتماعي للعلمانية، حين تتحول المُمارسات الاجتماعية، من أُطرها الدينية إلى أُطر علمانية، هذه الأوضاع موجودة في كل البلاد، بما فيها العربية والإسلامية، وهي التي طوّرت الأوضاع في الثلاثين عاماً الأخيرة في بلادنا، وهيأت لانفجار الربيع العربي. وهي تعني الخروج التدريجي والبطيء لكل نواحي الحياة، من الكنف الديني. وهذا واضح جداً في التعليم الذي انتشر بشكل واسع، فالمدارس والجامعات لم تعُد مرجعياتها المؤسسات الدينية إلا ما ندر، لم يعد التعليم يتم في الكتاتيب القرآنية والزوايا، ولم تعد الجامعات والمعاهد مُلحقة بالجوامع. وهذا لا يعني أنه لا توجد مدارس ذات مرجعية دينية، لكنها أقل بكثير من الماضي، منها جامعة الأزهر والمدارس الدينية الحرة في الغرب، لكنها تطبق مناهج معظمها مُعلمنة اجتماعياً، فالعلمانية السياسية الإيجابية لا تمنع ذلك قطعاً.
تمتد العلمنة أيضاً إلى كل نواحي الحياة، من اقتصاد وفن وصحة، فالطب، مثلاً، لا يوجد له أي ارتباط حالياً إلا بالمعطيات العلمية، كذلك الاقتصاد والمعاملات التجارية، والتي تحكمها حالياً قواعد الاقتصاد العالمي، ومحاولات بعضهم لإدخال مفهوم الاقتصاد الإسلامي، وسيلة ناجعة لبناء اقتصاد حديث، كلام نظري، وما نسمعه في الإعلام عن "الاقتصاد الإسلامي" لا يوجد له أي تطبيق في أي تشريع وفي أي دولة، بشكل واسع، بما فيها الدول الإسلامية، والبنوك المسماة إسلامية تُطبق حقيقة قواعد الاقتصاد الأكاديمي مع تعديلات شكلية.
ويمكن ملاحظة هذه العلمنة الاجتماعية في حياة المرأة العربية والمسلمة، والتي لم تعد تقبل البقاء في البيت، والقيام بالدور الذي يعدها به "الإسلاميون" بكل أطيافهم، وهو الإنجاب وتربية الأولاد. الواقع الديمغرافي منذ عشرين عاماً، والانخفاض الشديد للخصوبة في الدول العربية والإسلامية، (انتقل من 6 أطفال لكل امرأة في نهاية الثمانينيات، إلى طفلين لكل امرأة حالياً، بحسب إحصائيات عالمية). واتجاه المرأة نحو التحرّر، والانعتاق من سيطرة الرجل، والدخول إلى عالم العلم والعمل، أكبر دليل على هذه العلمنة الاجتماعية، حيث تبتعد المرأة، بممارساتها اليومية الحياتية، عن المعايير الدينية التقليدية، حتى في الدول الإسلامية العريقة.
العلمنة إذاً واقع حداثي، يتطور تدريجياً منذ عشرات السنين، في كل مناحي الحياة، وهو، بموازاة العلمانية السياسية، يضع المجتمعات على طريق التقدم والسلم الاجتماعي. علمنة الواقع الاجتماعي إذاً هي ما تفرض التغيرات الاجتماعية، والتي تضع هذه الدول على حافة الانفجار، بسبب التناقض المتزايد بين الأطر السياسية الاستبدادية والمفاهيم الدينية الاجتماعية التقليدية، من جهة، وحقيقة الحياة الاجتماعية المُمارسة حقيقة على الأرض، من جهة أخرى.
الربيع العربي والحراك الشبابي، خصوصاً، نتاج هذا التناقض، وهو يشبه الزلازل التي تحدث بعد تجمع قدر كبير من الطاقة الضاغطة بين طبقات سطح الأرض، تتجمع تدريجياً على مدار عشرات السنين، لتنفجر في دقائق. والانفجار الشبابي، إذاً، نتاج هذا التراكم الحداثي، في ظل الاستبداد والتخلف الاجتماعي، وليس نتيجة مؤامرة، وهو ما يحاول دُعاة الأنظمة وداعموها ترويجه بين الناس، بمن فيهم بعض مُدعي اليسارية والعلمانية المُزيفة.
العلمنة الاجتماعية واقع يتطور ببطء، لكنه يتقدم باستمرار، سيؤدي، عاجلاً أم آجلاً، إلى التغيرات الديمقراطية المرجوة، والوصول إلى العلمانية وسيلة حكم. وعندها، تجد الأديان في مجتمعاتنا وضعها الطبيعي، أي الداعية إلى السلم الاجتماعي والتآخي بين الناس، بدل الدخول في جعجعة السياسة، وإشعال الخلافات الطائفية التي لا يمكن حلها، فكل طرف يعتقد امتلاكه الحقيقة الأزلية، وينفي، بالتالي، وجود الآخر الذي يحمل هو أيضاً التصور نفسه عن دينه.
عودة الديانات إلى مفهومها الأصلي، وهو التآخي والمساواة، في مجتمع متنوعٍ بأجناسه وآرائه ومُعتقداته، وترك السياسة للناس في أُطر الديمقراطية، هو ما سينقذ مستقبل الأديان في مجتمعاتنا السائرة والطامحة نحو الحداثة والتحضر، والتجربتان، التركية والتونسية، جديرتان بالدراسة، واستنباط العبر، لأنهما رائدتان، أثبتتا نجاحهما ونجاعتهما.
للعلمانية مفهومان متكاملان، العلمانية السياسية المعروفة عند الناس، أي مبدأ فصل الدين عن السلطة، والأخرى أقل معرفة، العلمنة الاجتماعية (وليس العلمانية) والتي ترتبط بالحداثة. وفصل الدين عن السلطة مبدأ قديم، تبلور في خِضم التغييرات الثورية في أوروبا في مرحلة الثورة الصناعية، وما تبعها من تغييرات سياسية وفكرية، خصوصاً ما جادت به قرائح مُفكري عصر الأنوار والثورة الفرنسية، وتبنته أنظمة حكم ديمقراطية وديكتاتورية كثيرة.
هنا يكمن أول شرخ في مفهوم هذا النوع من العلمانية السياسية، ما يؤدي إلى نوعين جديدين، الأول العلمانية في إطار الحكم الديمقراطي، وهو ما أسميه "العلمانية المُسالمة" أو الإيجابية، وهذا النوع مُنتشر في أوروبا والدول الديمقراطية، بما فيها تركيا المُسلمة. العلمانية هنا تعني حيادية السلطة أمام الأديان، واحترامها جميع أبنائها، ومعاملتهم بقوانين تساوي بينهم وتحترم عقائدهم، الفرد مواطن أولاً، لكن هذه العلمانية ترفض أن تُسن القوانين للدولة، بناءً على تشريعات خارج إرادة ممثلي الشعب (البرلمانات)، وبدون أي ارتباط بأي قوانين غيبية، تضع حرية الإنسان بالفكر قبل أي اعتبار.
هي إذاً تفصل الدين عن مُمارسة السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا يمكن في هذه القطاعات المؤسسة للدول أن يُنطق بحكمٍ، أو تُسن سياسة، أو يوضع تشريع، من دون أن يكون الإنسان مُمثلاً بالشعب، مصدره الوحيد (هذا لا يمنع الاستلهام بالفكر الديني). لا مكان في الدولة العلمانية للتشريع الديني، لأن الأديان فيها مُتعددة، والدولة تضع نفسها حامية لكل الأديان، ولا تُنصب ديناً للدولة، أو تفضله على دين آخر. والدين في هذه الدول والمجتمعات (كما في تركيا المسلمة العلمانية) مرجعية أخلاقية وتقليدية فقط، لأن هذه وظيفته الحقيقية، وتضع الأديان كلها في مصاف الدفاع عن السلم الاجتماعي، بدل تدخلها بالتشريع الذي يضع المجتمعات في مهب التناقضات والحروب الطائفية.
الأخلاقيات والقيم وتهذيب النفس هو الدور المُناط بالمرجعيات الدينية، هذا ما يحدث في الفاتيكان وفي العالم الكاثوليكي وبرضاه، وما أعتقد أنه سيكون عليه الوضع في العالم الإسلامي. من درس أعمال إصلاحيي الدين الإسلامي، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (أمثال الشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده) قد يجدُ انفتاحاً أكبر على مفهوم العلمانية من الحادث الآن بين دُعاة الدين والتدين. هذه هي العلمانية الإيجابية، والتي بدونها، قد لا يوجد سلم اجتماعي ممكن.
النوع الآخر من العلمانية السياسية، هي السلبية أو العنيفة أو الكافرة، كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي والدول الشيوعية الأخرى، والتي كانت تعتبر "الدين أفيون الشعوب"، وتمنع ممارسته والقيام بشعائره، وتُغلق الكنائس قبل الجوامع، وتحرم الناس من العيش في كنف المعتقدات الدينية التي يودّونها، أو الاحتفال بأعيادها. لا تستطيع هذه العلمانية أن تبني السلم الاجتماعي، وإنما هدفها فرض دين جديد. وفي حالة الاتحاد السوفييتي، هو "الدين الشيوعي"، مثل باقي الأديان، يتصور أنه يمتلك الحقيقة المُطلقة.
وفي مقابل علمانية الدولة، يوجد ما يمكن تسميتها العلمنة الاجتماعية، وهي مفهوم اجتماعي للعلمانية، حين تتحول المُمارسات الاجتماعية، من أُطرها الدينية إلى أُطر علمانية، هذه الأوضاع موجودة في كل البلاد، بما فيها العربية والإسلامية، وهي التي طوّرت الأوضاع في الثلاثين عاماً الأخيرة في بلادنا، وهيأت لانفجار الربيع العربي. وهي تعني الخروج التدريجي والبطيء لكل نواحي الحياة، من الكنف الديني. وهذا واضح جداً في التعليم الذي انتشر بشكل واسع، فالمدارس والجامعات لم تعُد مرجعياتها المؤسسات الدينية إلا ما ندر، لم يعد التعليم يتم في الكتاتيب القرآنية والزوايا، ولم تعد الجامعات والمعاهد مُلحقة بالجوامع. وهذا لا يعني أنه لا توجد مدارس ذات مرجعية دينية، لكنها أقل بكثير من الماضي، منها جامعة الأزهر والمدارس الدينية الحرة في الغرب، لكنها تطبق مناهج معظمها مُعلمنة اجتماعياً، فالعلمانية السياسية الإيجابية لا تمنع ذلك قطعاً.
تمتد العلمنة أيضاً إلى كل نواحي الحياة، من اقتصاد وفن وصحة، فالطب، مثلاً، لا يوجد له أي ارتباط حالياً إلا بالمعطيات العلمية، كذلك الاقتصاد والمعاملات التجارية، والتي تحكمها حالياً قواعد الاقتصاد العالمي، ومحاولات بعضهم لإدخال مفهوم الاقتصاد الإسلامي، وسيلة ناجعة لبناء اقتصاد حديث، كلام نظري، وما نسمعه في الإعلام عن "الاقتصاد الإسلامي" لا يوجد له أي تطبيق في أي تشريع وفي أي دولة، بشكل واسع، بما فيها الدول الإسلامية، والبنوك المسماة إسلامية تُطبق حقيقة قواعد الاقتصاد الأكاديمي مع تعديلات شكلية.
ويمكن ملاحظة هذه العلمنة الاجتماعية في حياة المرأة العربية والمسلمة، والتي لم تعد تقبل البقاء في البيت، والقيام بالدور الذي يعدها به "الإسلاميون" بكل أطيافهم، وهو الإنجاب وتربية الأولاد. الواقع الديمغرافي منذ عشرين عاماً، والانخفاض الشديد للخصوبة في الدول العربية والإسلامية، (انتقل من 6 أطفال لكل امرأة في نهاية الثمانينيات، إلى طفلين لكل امرأة حالياً، بحسب إحصائيات عالمية). واتجاه المرأة نحو التحرّر، والانعتاق من سيطرة الرجل، والدخول إلى عالم العلم والعمل، أكبر دليل على هذه العلمنة الاجتماعية، حيث تبتعد المرأة، بممارساتها اليومية الحياتية، عن المعايير الدينية التقليدية، حتى في الدول الإسلامية العريقة.
العلمنة إذاً واقع حداثي، يتطور تدريجياً منذ عشرات السنين، في كل مناحي الحياة، وهو، بموازاة العلمانية السياسية، يضع المجتمعات على طريق التقدم والسلم الاجتماعي. علمنة الواقع الاجتماعي إذاً هي ما تفرض التغيرات الاجتماعية، والتي تضع هذه الدول على حافة الانفجار، بسبب التناقض المتزايد بين الأطر السياسية الاستبدادية والمفاهيم الدينية الاجتماعية التقليدية، من جهة، وحقيقة الحياة الاجتماعية المُمارسة حقيقة على الأرض، من جهة أخرى.
الربيع العربي والحراك الشبابي، خصوصاً، نتاج هذا التناقض، وهو يشبه الزلازل التي تحدث بعد تجمع قدر كبير من الطاقة الضاغطة بين طبقات سطح الأرض، تتجمع تدريجياً على مدار عشرات السنين، لتنفجر في دقائق. والانفجار الشبابي، إذاً، نتاج هذا التراكم الحداثي، في ظل الاستبداد والتخلف الاجتماعي، وليس نتيجة مؤامرة، وهو ما يحاول دُعاة الأنظمة وداعموها ترويجه بين الناس، بمن فيهم بعض مُدعي اليسارية والعلمانية المُزيفة.
العلمنة الاجتماعية واقع يتطور ببطء، لكنه يتقدم باستمرار، سيؤدي، عاجلاً أم آجلاً، إلى التغيرات الديمقراطية المرجوة، والوصول إلى العلمانية وسيلة حكم. وعندها، تجد الأديان في مجتمعاتنا وضعها الطبيعي، أي الداعية إلى السلم الاجتماعي والتآخي بين الناس، بدل الدخول في جعجعة السياسة، وإشعال الخلافات الطائفية التي لا يمكن حلها، فكل طرف يعتقد امتلاكه الحقيقة الأزلية، وينفي، بالتالي، وجود الآخر الذي يحمل هو أيضاً التصور نفسه عن دينه.
عودة الديانات إلى مفهومها الأصلي، وهو التآخي والمساواة، في مجتمع متنوعٍ بأجناسه وآرائه ومُعتقداته، وترك السياسة للناس في أُطر الديمقراطية، هو ما سينقذ مستقبل الأديان في مجتمعاتنا السائرة والطامحة نحو الحداثة والتحضر، والتجربتان، التركية والتونسية، جديرتان بالدراسة، واستنباط العبر، لأنهما رائدتان، أثبتتا نجاحهما ونجاعتهما.