تحكم دبلوماسيّة "المجاملة" العلاقات الأردنيّة ــ الإيرانيّة، منذ إعلان الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران عقب ثورة 1979. سقط "الحليف"، أي حكم الشاه محمد رضا بهلوي، قبل 35 عاماً، ليصعد "العدو المتربّص" بالمنطقة، بما فيها الأردن، مدفوعاً بنظريّة "تصدير الثورة"، التي لا تزال تلقي بظلالها على العلاقة بين البلدين الواقفين على طرفي نقيض، في سياستهما وتحالفاتهما، ما يجعل فرص تطوير العلاقة بينهما معدومة إلى حدّ ما.
تكتفي المملكة الأردنيّة، التي شارك ملكها الراحل، الحسين بن طلال، في إطلاق قذيفة مدفعيّة من داخل الأراضي العراقيّة في اتجاه الجمهوريّة الإسلاميّة، إبّان الحرب العراقيّة ــ الإيرانيّة، وأطلق ملكها الحالي، عبدالله الثاني، مصطلح "الهلال الشيعي"، بالشكل القائم للعلاقة مع إيران، من دون شهية لتطويرها، حاليّاً أو مستقبلاً.
من جهتها، تبدو إيران المتسامحة مع تاريخ العداء نظريّاً، على الرغم من تورّطها في التجسّس على الأردن منتصف التسعينيات، حريصة بل ومندفعة في اتّجاه كسر حاجز "دبلوماسيّة المجاملة" مع الأردن، أملاً منها في الوصول إلى علاقات مثاليّة في المجالات السياسيّة، والاقتصاديّة والثقافيّة. وتُعتبر الجنسيّة الإيرانيّة من الجنسيات المقيّدة في الأردن، ويُشترط لدخول حاملها الحصول على تأشيرة عن طريق وزارة الداخليّة الأردنيّة، غالباً ما يُرفض صدورها أو يتأخر لاعتبارات أمنيّة.
ويظهر أنّ العلاقات السياحيّة تحلّ في مقدمة الأولويات الإيرانيّة، وترى في تطويرها ضرورة ملحّة، أثارها السفير الإيراني في عمّان، مجتبى فردوسي بور، مع شخصيات سياسيّة وحزبيّة وبرلمانيّة أردنيّة، على اعتبارها "نفط الأردن". وليس حلم السياحة الإيراني إلى الأردن، جديداً، وفق ما يوضحه سفير الأردن السابق في طهران، بسام العموش، إذ عرضت إيران، في وقت سابق، خطة تنشيط السياحة مع الأردن، تتضمن إقامة مطار في مدينة الكرك، جنوبي الأردن، يستقبل يوميّاً ألف زائر إيراني للمدينة، وهو العرض الذي قوبل برفض أردني.
وتضمّ مدينة الكرك مقام الصحابي جعفر الطيار، وسمح للشيعة في سنوات سابقة، بإحياء ذكرى عاشوراء وإقامة طقوسهم الدينيّة فيه، قبل أن يُمنعوا نتيجة رفض سكان المدينة.
ويقول العموش، الذي شغل منصب سفير الأردن في طهران بين عامي 2000 و2001، إنّ "الهدف من المشروع كان أن تضع إيران موطئ قدم لها في الأردن، تُمارس من خلاله نشر التشيّع، وتكوين خلايا نائمة تستغلّها عند الحاجة، على غرار ما نرى اليوم في العديد من الدول العربية". ويعتبر أن إيران، في سياستها الخارجيّة مع دول المنطقة، "لا تمدّ جسور المصالح، بل تمدّ جسور التآمر على المنطقة العربيّة"، معتبراً أنّ "رفض الأردن مشروع السياحة الإيرانية كان قراراً حصيفاً".
ويرى العموش في "مساعي إيران لنشر التشّيع، استمراراً لمفهوم تصدير الثورة الذي أعلنه زعيم الثورة الإيرانية، روح الله الخميني، يوم أقام الجمهوريّة الإسلاميّة"، مؤكداً أنّ "المسعى الإيراني يشكل أهم هواجس الأردن التي تعيق تطوير العلاقات". ويبدي العموش، الذي سُحب من إيران، على خلفيّة توتّر في العلاقات نشب حينها، اعتقاده أنّ بلاده "حريصة على أن تبقى العلاقات مع إيران، ولكن في الحدود الحالية، القائمة على المجاملات، من دون تطوير".
ويبدو أنّ إيران تدرك المخاوف الأردنيّة، وهو ما تؤشّر إليه تصريحات السفير الإيراني، الذي زار مجلس النواب الأردني مرّتين في أقلّ من أسبوع، خلال الشهر الحالي، ودعا الأردنيين إلى عدم التخوّف مما وصفه بـ"فوبيا التشيّع"، التي "يروّج لها أعداء إيران"، على حدّ تعبيره.
وكان السفير الإيراني، التقى أولاً لجنة السياحة النيابيّة، واعتبر أمامها أنّ "ثروات الأردن السياحية نفط أهمّ من نفط الخليج وإيران"، داعياً إلى "إزالة العقبات أمام السياحة المتبادلة"، ليعود ويجتمع برئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة، ويؤكد له "حرص بلاده على الشراكة مع الأردن في محاربة الإرهاب"، مثمناً في الوقت ذاته، للملك عبد الله الثاني، مواقفه تجاه إيران، خصوصاً ما يتصل منها بالملفّ النووي.
وينسجم الموقف الأردني تجاه إيران، مع الموقف الخليجي في غالبية القضايا العالقة، إذ يرفض الأردن علناً التدخل الإيراني في الشأن البحريني، ويؤيّد حق الإمارات العربية في استعادة جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التي تحتلّها إيران منذ عام 1971. كما يرفض الأردن أي طموح نووي عسكري لإيران، مع تأكيده ضرورة حلّ الملف النووي الإيراني بعيداً عن استخدام القوة.
ولا يخفي الأردن هواجسه منذ سنوات، من السياسة الإيرانية، إذ سبق للملك، عبدالله، أن استخدم وللمرّة الأولى مصطلح "الهلال الشيعي" خلال حوار مع صحيفة "واشنطن بوست"، عام 2004، في معرض استعراض مخاوفه على مستقبل المنطقة، في حال وصول حكومة عراقيّة موالية لإيران إلى السلطة في العراق، تتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي ويمتد إلى إيران، وهو ما حدث.
من جهته، يؤرّخ الكاتب والمحلّل السياسي، ماهر أبو طير، لتوتّر العلاقات الأردنيّة ــ الإيرانية، بانتصار الثورة الإيرانيّة وانطلاق الحرب العراقيّة ــ الإيرانيّة، التي انحاز فيها الأردن إلى جانب العراق.
ويُعرب عن اعتقاده أنّ "تراكم السلبيات تواصل خلال عقود، وأذكاه الكشف عن محاولات إيرانيّة لاختراق الأمن الأردني، من خلال عمليات تجسّس، ضُبطت إحداها منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكانت سبباً في تجميد العلاقات الدبلوماسيّة". ويزداد تعقيد العلاقات القائمة على الشكوك وتناقض الأدوار، كما يصف أبو طير، على خلفيّة مساعي إيران مدّ نفوذها إلى العراق وسورية ولبنان، ومناطق عربيّة أخرى، على غرار ما يحدث في اليمن، وهو ما يرى فيه الأردن تهديداً للمنطقة.
يقول أبو طير إن "الأردن ينتمي إلى حزمة سياسية مغايرة، لديها تحفّظاتها على إيران"، مستبعداً بذلك أن يتجاوب الأردن مع أيّ محاولات لتحسين العلاقة مع إيران بشكل جذري، إلا من زاوية حدوث تغيّر إقليمي ودولي تجاه إيران.
يُذكر أنّ السفير، بور، الذي تسلم منصبه نهاية يوليو/تموز الماضي، ليس غريباً عن الأردن التي سبق وشغل فيها منصب القائم بأعمال سفارة بلاده. لذلك لم يتأخر في نسج علاقات مع شخصيات سياسيّة وحزبيّة وإعلاميّة، يؤمن لها زيارات إلى بلاده بين فترة وأخرى، وهي علاقات تحظى بمراقبة حثيثة من السلطات الأردنيّة، كما يؤكّد مصدر مسؤول، طلب عدم ذكر اسمه. وكان الأردن أنهى الشهر الماضي، القطيعة الدبلوماسيّة الأخيرة مع إيران، التي بدأت عام 2008، وأوفد سفيراً جديداً إلى طهران هو، عبد الله أبو رمان، لترتفع العلاقة من مصاف القطيعة إلى "المجاملة".