رغم التنوع الاقتصادي الذي حظي به إقليم كردستان العراق، عبر تميز كل محافظة من محافظاته الثلاث في قطاعات بعينها، بجانب ثروات النفط التي تدفئ أركان الإقليم بشكل عام، إلا أن اشتعال فتيل الحرب مع بغداد التي فرضت عقوبات اقتصادية على الإقليم، بجانب تركيا وإيران المجاورتين، تفقد الإقليم تنوعه وتؤدي إلى تحول الميزات لعيوب خانقة.
ولا يقتصر اقتصاد إقليم كردستان على الطاقة وحدها، بل يعتمد على السياحة والصناعة والزراعة والاستثمار. فمحافظة دهوك الحدودية مع تركيا شمالا ظلت لسنوات نافذة تجارية نشطة وبوابة واسعة للتصدير والاستيراد وضجيج الصناعات، والسليمانية القريبة من إيران نجحت في أن تستقطب وحدها نحو 100 ألف سائح سنوياً لطبيعتها الجذابة بجانب الاعتماد على النشاط الزراعي، أما أربيل فكانت مركز جذب الاستثمارات الأجنبية بجانب نشاطها السياحي.
لكن المأزق الكبير الذي يواجهه الإقليم، الذي أجرى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي استفتاء للانفصال عن العراق، يجعل مزايا التنوع الاقتصادي بلا فائدة وفق خبراء اقتصاد، فالاستثمارات باتت تبحث عن مخارج آمنة، والسياحة تهجر مناطق الجذب في ظل إغلاق الحدود وتعليق رحلات الطيران.
فرغم سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى في يد تنظيم داعش منتصف عام 2014، ووصول خطر التنظيم إلى حدود إقليم كردستان، إلا أن اقتصاد محافظات كردستان لم يتدهور كما حدث في بقية أنحاء العراق، بل تمتعت مناطق الإقليم بقدر مناسب من الاستقرار الاقتصادي، جعلها محط أنظار المستثمرين الأجانب والعراقيين، الذين اضطروا لنقل استثماراتهم من مدن عراقية إلى الإقليم بحثاً عن الاستثمار الآمن.
وبحسب آخر إحصائية لوزارة التخطيط في إقليم كردستان، فإن دخل الفرد هناك يصل إلى 4800 دولار سنويا، وتبلغ نسبة العاملين 38% من إجمالي سكان الإقليم الذين يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة.
وبدأ الإقليم بتسجيل نمو سريع في قطاع الاستثمار ابتداء من عام 2006، إذ وصل مجموع الاستثمارات خلال السنوات الست التالية وحتى 2012 إلى نحو 30 مليار دولار، ثم أخذت بالتراجع التدريجي بسبب مشاكل مالية مع الحكومة الاتحادية العراقية، وتوقف الأخيرة عن صرف حصة الإقليم من ميزانية الدولة والمقدرة بـ 12 مليار دولار سنوياً.
ووصل إجمالي الاستثمارات المحلية والأجنبية، التي استقطبها إقليم كردستان العراق خلال الفترة من 2006 /2016 إلى مبلغ 47.2 مليار دولار.
أربيل وجهة المستثمرين
تمثل محافظة أربيل قبلة للمستثمرين العراقيين والعرب والأجانب، كونها عاصمة الإقليم، فضلا عن احتوائها على مقر وزارة التجارة والصناعة في كردستان، التي تمر من خلالها أغلب عقود الاستثمار في المدينة.
ارتبطت أربيل منذ سنوات بشبكة علاقات اقتصادية مع الإقليم والمدن العراقية الأخرى، ولا سيما الموصل المحاذية لها حتى تحولت إلى مركز تجاري محلي ودولي، إذ يقام فيها سنوياً أكثر من 15 معرضاً دولياً متخصصاً بمشاركة مئات الشركات المحلية والإقليمية والدولية بحسب غرفة تجارة وصناعة أربيل، التي تؤكد أنها تشتهر أيضا بزراعة القمح والشعير والثروة الحيوانية، ما أدى إلى حصولها على المرتبة الأولى على مستوى العراق هذا العام.
كما تصدر أربيل الجوز ومختلف أنواع الفواكه لمدن العراق الأخرى، فيما تعد المركز الرئيسي لاستيراد السيارات من خارج العراق وتحويلها إلى مدن العراق.
يقول عصام أوميد، عضو غرفة تجارة وصناعة أربيل، إن أربيل توفر إيرادات كبيرة من العملة الصعبة لحكومة إقليم كردستان العراق بسبب قدرتها على استقطاب المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال.
ويضيف أوميد لـ "العربي الجديد" أن التدهور الأمني الذي شهده العراق بعد سقوط مدنه بيد تنظيم داعش عام 2014، أدى إلى بروز أربيل كحلقة وصل بين العراق وإقليم كردستان من جهة، والعالم الخارجي من جهة أخرى.
ويتابع " لا يمكن إنكار أن النفط يمثل مورداً أساسيا لإقليم كردستان، لكن ازدهار القطاعات الاستثمارية والزراعية والسياحية في أربيل وفر موارد إضافية ساهمت في تحسين سوق العمل والتخفيف من حدة البطالة، مشيرا إلى أن المحافظة تشهد خلال الصيف إقبالا سياحياً واسعا من المحافظات العراقية وكذلك من خارج البلاد.
وسبق لرئيس هيئة الاستثمار في محافظة أربيل، سامان عارب، أن أشار إلى أن قطاع الاستثمار في أربيل استقطب 3.9 مليارات دولار خلال عامي 2015 و2016، حيث تمت إجازة 34 مشروعاً استثمارياً جديداً خلال تلك الفترة.
ومن المشاريع الاستثمارية التي ذكرها رئيس هيئة استثمار أربيل إنشاء مصفاة جديدة للمشتقات النفطية، كلفتها تزيد على مليار دولار، وكذلك إنشاء مستشفيات استثمارية ومشاريع صناعية.
دهوك بوابة الشمال
أما محافظة دهوك الحدودية مع تركيا، فتمثل بوابة إقليم كردستان على تركيا ولا تكتفي الإدارة المحلية في دهوك بالإيرادات التي يوفرها منفذ إبراهيم الخليل مع تركيا، من خلال السعي لجذب المستثمرين إلى المدينة.
ويقول عمر الجاف، رجل الأعمال الكردي لـ "العربي الجديد" إن دهوك تحتوي على سوق حرة لاستيراد السيارات الحديثة من تركيا والدول الأخرى قبل إعادة تصديرها إلى مدن الإقليم والمحافظات العراقية الأخرى، مشيراً إلى أن الحكومة المحلية في المحافظة تدعم جهود إقامة تجمعات تجارية في هذا المجال والقطاعات الأخرى.
وبحسب إياد حسن، رئيس غرفة تجارة وصناعة دهوك، فإن حكومة كردستان كانت في طريقها لبناء مدينتين صناعيتين في دهوك، موضحا خلال مقابلة متلفزة أخيرا، أن إحدى المدينتين ستخصص لإصلاح السيارات، أما الأخرى فستضم عدداً من المصانع.
السليمانية بلا سائحين
أما السليمانية الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، على خلاف أربيل ودهوك الخاضعتين للحزب الديمقراطي الكردستاني، فتشتهر بالزراعة بسبب احتوائها على أراض وسهول خصبة منحتها الفرصة لتحقيق طفرة اقتصادية، وكذلك المعالم السياحية.
وتستقطب السليمانية نحو مائة ألف سائح في العام الواحد، كما تضم متحف السليمانية، الذي يعد ثاني أكبر متحف بعد المتحف العراقي، ويضم تحفاً كردية وفارسية قديمة.
وبجانب تنوع اقتصاد محافظات الإقليم، فإن كردستان يحصل على موارد مالية كبيرة من تصدير النفط من الحقول الواقعة في مدنه والمناطق المتنازع عليها كحقول كركوك.
وبحسب إحصائيات نشرتها وسائل إعلام كردية أخيرا، فإن سلطات الإقليم تنتج أكثر من 900 ألف برميل يومياً بقيمة تصل إلى نحو مليار دولار في الشهر الواحد، يتم التصرف بها من خلال وزارة الموارد الطبيعية في كردستان.
ويرى فلاح الحسني، أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد، لـ "العربي الجديد" أن وجود موارد اقتصادية متنوعة في إقليم كردستان ربما يكون من الأسباب الرئيسية للتفكير بالانفصال، لكنه يحذر من تحول نعمة التنوع والاقتصاد المزدهر إلى نقمة في حال أصر الأكراد على الانفصال.
وكان المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي، قرر في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، اتخاذ "إجراءات صارمة جديدة" تجاه إقليم كردستان، تتضمن إخضاع شبكات الاتصالات للهواتف النقالة في الإقليم للسلطة الاتحادية ونقلها إلى العاصمة بغداد، بجانب ملاحقة أموال الإقليم.
كما تصاعدت الأزمة بين بغداد وأربيل، بعد أن سيطرت القوات العراقية، يوم الإثنين الماضي، على حقول النفط والغاز في مدينة كركوك، والتي كانت قوات كردية قد بسطت نفوذها عليها قبل سنوات، فضلا عن شركة نفط الشمال ومقرات أخرى، إثر تقدّم قوات مشتركة تابعة للحكومة العراقية إليها، ما أدى إلى توقف الصادرات النفطية في هذه الحقول.
وجاءت هذه الخطوة، بعد أقل من أسبوع من إعلان وزارة النفط العراقية، أنه ستتم إعادة فتح خط أنابيب نفط قديم يصل إلى تركيا متجاوزا الخط الذي تديره حكومة إقليم كردستان.