العطر.. من بابل إلى باريس

01 فبراير 2015
أوّل مَن اخترع العطر هي امرأة (Getty)
+ الخط -
من أين جاء العطر؟ وما هي قصّته؟ ولمَن يعود الفضل في تزيين أجسادنا وإثقال الهواء حولنا بعبق شهيّ؟. يعود الفضل في ذلك لامرأة غير عادية، عاشت في بابل قبل عشرة آلاف سنة، وكان اسمها "تابوتي بلاتكاليم"، حسب ما جاء في الألواح المسمارية، التي تذكر أيضاً أنّها كانت إحدى النساء المهمّات في القصر الملكي في زمانها، وأنها كانت أوّل مَن اخترع العطر.

لكنّ لسوء الحظّ، لم تستطع أعمال التنقيب معرفة شيء من اختراعات "تابوتي" العطرية، إذ إنّ أقدم عطر وُجد على سطح الأرض تمّ العثور عليه في جزيرة قبرص، قبل حوالي عشرة أعوام فقط، وتمّ تقدير عمره بأربعة آلاف سنة، وكان اليونانيون في تلك الفترة يعيشون ازدهاراً تجارياً وثقافياً كبيراً، ما أدّى إلى تطوّر صناعة العطور، غير أنّهم كانوا يعتمدون على ما توصّلت إليه الحضارة الفرعونية في هذا المجال، فقد اهتم قدماء المصريين بهذه المادّة اهتماماً كبيراً، وأسّسوا قسماً من علومها بعد البابليين.

أما العلماء العرب، وعلى رأسهم الطبيب "ابن سينا"، فلهم سبق آخر في مجال صناعة العطور، لأنّهم هم مَن ابتكروا طريقة تقطير الزهور التي ما زالت متّبعة في استخراج ماء الورد ومستخلصاته العطرية إلى يومنا هذا. إذ نجد في كتاب الكيميائي الشهير "أبو يوسف يعقوب الكندي" حوالي 107 طرق لصناعة العطور.

وقد امتدّ الاختراع الى أوروبا في القرن الثاني عشر، وتحديداً عام 1221، فبرع الايطاليون في تركيبه، واستطاع الهنغاريون أن يمزجوه بالكحول، وهي المادّة التي بقيت تُستخدم في صناعته حتى الآن، وذلك عام 1370 بأمر من الملكة إليزابيث البولندية، زوجة الملك شارل الأول، وقد أُطلق على المزيج اسم "ماء هنغاريا". ولم تكن هذه الملكة الوحيدة التي شغفت بالعطور، فملكة فرنسا، كاترين دي ميدسيس، صنعت ممرّاً سرّياً بين جناحها ومعمل العطر الخاص بها، لكي لا يتمّ تسريب أي معلومة حول تركيباتها الحصرية.

ما لا يعرفه كثيرون أنّ سبب ربط العطر الثمين بمدينة باريس الفرنسية، دون غيرها من مدن العالم، يُخفي وراءه قصّة غريبة لمرض نفسي وليس لسبب تجميلي! فالملك الفرنسي لويس الخامس عشر كان يعاني من هوس نفسي، يدفعه لاستهلاك كمّيات هائلة من العطور التي ينثرها على كلّ ما يحيط به من أثاث وأدوات وملابس، ولإشباع حاجات القصر التي لا تنتهي من هذه المادّة، زرع الفرنسيّون الورد وأسّسوا مصانعه، ما جعل فرنسا تحتلّ المركز الأول عالمياً منذ ذلك الحين في صناعة العطر.

أمّا ما يسمى "ماء الكولونيا"، eau de cologne، ويختصر في يومياتنا العربية بكلمة "كولونيا"، فقد تمّ اختراعه في ألمانيا، وقد اخترعه تحديداً مزيّن ألماني (حلّاق رجالي)، اسمه جيوفاتي باولو، لأجل تركيب بشرة زبائنه، وتمّ تسويقه عام 1732 إلى كافة أنحاء أوروبا، ومنها إلى العالم... وهكذا، سافر العطر من بابل إلى باريس، وغزت أنواعه كوكب الأرض، وصنع المشاهير عطوراً بأسمائهم، كذلك فعل كلّ طامح إلى تخليد ذكراه.
دلالات
المساهمون