العشيقة السرية

12 يونيو 2014

بوعلام صنصال كاتب جزائري زار القدس بذكرى قيام إسرائيل

+ الخط -
كشف مئير داغان، الرئيس السابق للموساد، أن "إسرائيل باتت مثل العشيقة السريّة؛ الجميع يستمتع بالعلاقة معها، ولا أحد يعترف بذلك". وفي محاضرةٍ ألقاها وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في هيرتسيليا في 2/6/2014 قال: "شبعت من اللقاءات السريّة مع المسؤولين العرب". وحكايات اللقاءات السرية معروفة جداً، وهي مسطورة في عشرات الكتب ذات الصدقية العالية، ولعلنا نلتمس تبريراً لبعضها ما دامت لم تتحول إلى سياسة عامة، وظلت محصورة في نطاق الدبلوماسية العابرة. غير أن "عابرين" في السياسات الجارية دأبوا، منذ فترة، على تسويغ التحالف مع إسرائيل والتعاون مع جيشها، وترويج صورتها دولة إنسانية، ولا تحتل أرض غيرها. ولعل أبرز مثال على هذا الانحطاط السقيم، والكيدية المبتذلة، تصريحات "المعارض" السوري كمال اللبواني الذي ما برح مقتفياً أثر فريد الغادري الذي كان طلب من إسرائيل في سنة 2005 شن حرب على سورية للخلاص من نظام بشار الأسد. وكان اللبواني كتب في موقع "دايلي بيست" (9/5/2014) مقالةً، طالب فيها بالتحالف مع إسرائيل، لإلحاق الهزيمة بالنظام السوري. وقال: "إسرائيل ما عادت عدونا (...). لدى السوريين عدو واحد، الآن، هو نظام الأسد الذي تدعمه إيران وحزب الله (...). إن اسرائيل قد تكون حليفاً طبيعياً (...)، وهذا أهم بكثير من مرتفعات الجولان التي ستتحول في المستقبل إلى واحة سلام للجميع".
ليس اللبواني وحيداً في اعتناق هذه الرؤية، فثمة كثيرون على هذا الغرار، أمثال "أبو عمر الحوراني" المتحدث باسم الجيش السوري الحر في درعا، تفاصَحَ بالقول إن إسرائيل صارت بلداً صديقاً. وقائمة هؤلاء المتبرعين بمثل هذه المواقف طويلة، وقديمة في الوقت نفسه. لنتذكر كيف طرق جورج عدوان، النائب اللبناني حالياً، باب السفارة الإسرائيلية في باريس، في اليوم التالي لعملية معالوت في 15/5/1974 قائلاً: نحن مستعدون للتعاون معكم ضد أعدائنا المشتركين، أي الفلسطينيين". وقد فتك أعضاء "التنظيم" الذي كان يقوده عدوان بفلسطينيي تل الزعتر فتكاً مروعاً ما جعله مثالاً للعنصرية. ويبدو أن هؤلاء لم يتعظوا من المصير الذي انتهى إليه سعد حداد وأنطوان لحد وحتى أحمد الجلبي. والفارق أن الجلبي وجد حاضنة طائفية تحميه هي إيران، أما حداد فمات مرذولاً مهاناً، وزوجته تعيش في حيفا ذليلة، وبعض بناته تحول إلى اليهودية، بينما يدير لحد مطعماً في تل أبيب لا يقصده إلا القوادون والعاهرات.
من الصعب تفكيك طرائق التفكير لدى بعض هؤلاء "المثقفين" العرب، واكتشاف العناصر الغائرة خلف حمى الاندفاع إلى محبة إسرائيل، والوقوع في غرامها، كما فعل العراقي نجم والي، حين زار إسرائيل في سنة 2007، وهاجم فيروز لأنها غنّت للقدس والعودة. وعلى هذا المنوال، نسج الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي بضاعته، وكذلك المخرجة التونسية، نادية الغاني، التي زارت تل ابيب في 2012، ومثلها فعل الجزائري بو علام صنصال، حين زار القدس في ذكرى قيام إسرائيل في مايو/أيار 2012، ووقف أمام الحائط الغربي في القدس (حائط المبكى)، معتمراً القبعة اليهودية. وعلى خُطا هؤلاء، سار المغني الجزائري فرحات مهني الذي حل ضيفاً على الكنسيت في مايو/أيار 2012 أي في ذكرى تأسيس إسرائيل، والشيوعي الجزائري، جان بيار ليدو، الذي زارها في 2010، بعدما جاهر بصهيونيته في أثناء العدوان على غزة في سنة 2009.
وإذا كان المأخذ على النظام السوري هو عدم قتاله إسرائيل لتحرير الجولان أو للدفاع عن أرضه في وجه الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على سورية، فإن الموقف الصحيح الذي يجب على المعارضة أن تقفه هو الإصرار على العداء لإسرائيل التي تحتل الجولان (فضلاً عن فلسطين)، لا الدعوة إلى التحالف معها، ودعوتها إلى قصف دمشق، بذريعة الخلاص من النظام. ثم إن الجري نحو الجهر بالصداقة لإسرائيل والاعتراف بشرعيتها إنكار قبيح للحق الشرعي الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، في نظر بعض "المعارضين" العرب، عدواناً على "العشيقة" الجميلة إسرائيل.