العسكر والإسلاميون... الصراع التاريخي

18 سبتمبر 2018
+ الخط -
بين العسكر والإسلاميين في بلاد العرب عداءٌ تاريخيٌّ وصراع أبدي إيديولوجي وفكري ووجودي من الجزائر وتجربة العشرية المريرة إبان تسعينيات القرن الماضي، مروراً بالقاهرة والتجربة الديمقراطية الموؤودة، وقبلها الصراع الناصري الإخواني في الخمسينيات، مروراً بالسودان وسوار الذهب وهي التجربة الأقل تكلفة، وإن كان العسكر فيها خرجوا منتصرين ومحتضنين التيار الإسلامي الذي اختفى تأثيره إن لم يكن أثره بحسب بعض السودانيين.

الصراع الإسلامي العسكري الذي غالباً ما يلعب فيه الجنرالات دور المافيا التي تستولي على قصور الإسلاميين ويعيش الإسلاميون في السجون بقية أعمارهم، يبدو أنه قادم في بلاد شنقيط بعد أن كشفت انتخاباتها البرلمانية والبلدية تحقيق الحزب الإسلامي "تواصل" لنتائج باهرة لم تكن في حسبان الجنرال الحاكم للبلاد ولا حزب صاحب الأغلبية المريحة في كل زمان ومكان وصراع انتخابي حضر الشعب أم غاب.

النتائج الأولية في الانتخابات الأكثر حدة في موريتانيا منذ سنوات كانت في المعارضة بإسلامييها وائتلافها، وبقية الأحزاب من المقاطعين، وشهدت على ذلك الانتخابات البلدية 2014 وانتخابات الرئاسة التي حسمها الجنرال عام 2015 بعدما خلت من منافسين حقيقيين، وكذلك كان حال الاستفتاء الأخير على مشروع الدستور عام 2017 الذي أقصى مجلس الشيوخ بعد أن تجرأ وخالف أمر الجنرال وأسقط التعديلات الدستورية المقترحة آنذاك.


جاءت نتائج انتخابات 2018 في مقدماتها مبشرة لإسلاميي موريتانيا، فقد بدت العاصمة في الدور الأول أقرب لهم ولها ثقلها السياسي والسكاني في البلاد، وإن كانوا تراجعوا في الشوط الثاني وكذلك كان الحال في العاصمة الاقتصادية وكبرى مدن موريتانيا، وإن حقق حزب الجنرال الأغلبية إلا أنه لا يستطيع إنكار واقع المعارضة الكبيرة له في كبرى مدن البلاد.

الجديد في الانتخابات اليوم المسبوقة بتهديد من الجنرال محمد ولد عبد العزيز بإقصاء التيار الإسلامي من الحياة السياسية والذي اتهمه بأنه سبب خراب المنطقة العربية وهي تهمة معهودة ومستحدثة لها أنغام مصرية ورنين دمشقي وأموال سعودية إماراتية.. الجديد اليوم أن الصراع إن لم يكن ميدانياً بين إسلاميي موريتانيا وعسكرها، فهو اليوم سياسي تخشى عواقبه وقد يكلف المواطن الموريتاني البسيط، ولديه من المشاكل ما يفوق مشكلة الجنرال العربي مع الإخوان ومن لف لفهم من أبناء التيار الإسلامي.

وإسلاميو موريتانيا اليوم إما يحذو حذو التجربة المصرية وهي تجربة خاسرة ومكلفة، ظلم فيها الثوار والثورة، وإما أن تكون تونسية نهضاوية تشاركية يحمدها الجميع ويتمنونها لأنفسهم ولبلدانهم، أو سودانية يختفي فيها الحزب الإسلامي تحت عباءة الجنرال دون أضرار وكفى الله المؤمنين شر القتال، والاحتمال الرابع وهو ضعيف جداً أن يأتي التيار الإسلامي بالجديد وهو أمر مستبعد نظراً لأن موريتانيا من البلدان المعسكرة التي يتحكم الجيش بمداخلها ومخارجها وكذا حال إفريقيا من بعد المستعمرين.

والمطلوب اليوم من "تواصل" وغيره من الأحزاب الإسلامية بحسب مراقبين هو قراءة الواقع جيداً والاستيعاب من دروسه، وإن في غيرهم لعبرة وما يذكر إلا أولو الألباب، فالنسبة الانتخابية ليست بالضرورة هي النسبة الشعبية للحزب، ومن ينتخب حزباً ليس معناه انتماءه لذلك الحزب، ربما خير بين ضررين فاختار أخفها وهو أحد الأخطاء التي غالباً ما يقع فيها الإسلاميون بحسب رأي أحد كبار الشيوخ المؤسسين للتيارات الإسلامية وواحد من أفضلهم سياسياً وفكرياً، وهو الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية.

والمطلوب أيضاً هو تقديم شيء للمواطن الموريتاني الذي يعلق كثيراً من الآمال على الحزب الذي انتخبه، وحين يخفق في أول امتحان من الصعب أن يستعيد ثقة الشارع، وهو ما حدث حين تراجعت شعبية بعض الأحزاب الإسلامية في بلدان العرب، ولك أن تلاحظ ذلك في انتخابات المغرب وتونس البرلمانية الأخيرة، وستلاحظه لو أجريت انتخابات في مصر وشارك بها الإخوان.

اليوم يضع الموريتانيون أيديهم على القلوب منتظرين آملين أن يجنبهم الجنرال والأحزاب السياسية صراعاً ستخسر فيه البلاد أكثر من خساراتها السياسية والاقتصادية والإقليمية والدولية، وهي البلاد التي اعتادت أن تُحكم بالدبابة والمدفع كما اعتاد إسلاميوها ومعارضوها على السجون.. وهذا ما يرجو الجميع أن يتجنبوه أو يجنبوه البلاد في قادم الأيام، كرجائهم أن لا تدخل جيوب جنرالنا وحزبه دراهم إماراتية ولا سعودية، فوراء كل أزمة وجنرال وانقلاب وخراب عربي وإجهاض تجربة ديمقراطية، فتّشْ عن حكام أبوظبي وستجدهم ولو بعد حين، فللإسلاميين في قلوبهم مكانة كبيرة جداً أكثر من وزرهم في طرابلس وبنغازي والقاهرة ومحاولاتهم اليائسة في تونس..

لم تصدر بعد النتائج النهائية للدور الثاني من الانتخابات النيابية والبرلمانية في موريتانيا، والذي كان التنافس فيها قوياً بين الحزب الحاكم بأمر الجنرال والدبابة والحزب الإسلامي الصاعد "تواصل" المدعوم من أحزاب المعارضة ضمن ما يُعرف بتحالف قوى المعارضة..

إلا أن النتائج الأولية تؤكد أن الصدارة للأغلبية الحاكمة، والمركز الثاني سيكون تواصلياً إسلامياً، مما يعني أن التنافس قادم بين الإسلاميين والعسكر، ولكن أي نوع من أنواع التنافس؟.. أهو منافسة سياسية أم صراع ميداني لا تحمد عواقبه؟.. يتساءل مواطن موريتاني.
D127B5A7-B6C4-4CC3-AB0D-021CE7601547
الشيخ محمد المختار دي

صحافي بفضائية القناة التاسعة وكاتب بمواقع عربية. حاصل على إجازة أساسية في علوم الإعلام والاتصال من معهد الصحافة بتونس، وعلى بكالوريوس أداب من جامعة نواكشوط، ومقيم في إسطنبول.