العزوف السياسي للشباب المغربي
نشرت صحيفة "إلباييس" الإسبانية، بخصوص حزب "بوديموس" (القادرون) الشبابي الإسباني، أنه سيتبوّأ صدارة الانتخابات التشريعية المقبلة في إسبانيا، على الرغم من أنه لم يمض على تأسيسه سوى ثمانية أشهر، وحصد ما مجموعه 10% من أصوات الناخبين الإسبان في انتخابات البرلماني الأوروبي، بغض النظر عن التوجه اليساري الراديكالي لحزب "بوديموس"، إلا أن الجزء الذي يضفي على هذا الحزب شرعية جد مهمة، هو أنه، قبل أي شيء، احتوى طاقات واسعة من الشباب الإسباني، من دون إغفال نوعية الخطاب السياسي الذي يتبناه قادة هذا الحزب الشبابي، وهو خطاب أخلاقي قوي، ينتقد، بشدة، الأحزاب الكلاسيكية الإسبانية التي تورط أعضاؤها في فضائح مالية كثيرة، ورفعه شعار محاربة الفساد وناهبي المال العام الإسباني الذي أدى، أخيراً، إلى انهيار الاقتصاد الإسباني، وبذلك تأثرت سلباً حياة عموم مواطني إسبانيا.
القاسم المشترك الذي يربط هذا الحزب بواقع دول العالم الثالث، أو الدول النامية، يتجسد في أن الشباب، وخصوصاً شباب دول شمال أفريقيا، رفعوا، في وقت سابق، شعارات أكثر حدة من التي يرفعها اليوم حزب "بوديموس" الإسباني، لكن الخطوة التي كانت ستفرز نتائج حسنة، بعد الحراك الشبابي الذي عرفته عدة دول عربية وشمال أفريقية، أو نسبيا مشابهة للتي بيّنها استطلاع الرأي الذي نشرته الجريدة الإسبانية، تم حذفها بذكاء، وهنا تكمن إشكالية الوعي السياسي للشباب، إذ في وقت كان ممكناً استثمار تلك الطاقات الشبابية التي أفرزها الحراك العربي إيجابياً داخل المشهد السياسي، والتي، من وجهة نظري، كانت ستكون ذات انعكاسات إيجابية على إشكالية "الثقة" بين المواطن والفاعل السياسي.
تفوق نسبة الشباب، اليوم، في المغرب، في الهرم السكاني للبلاد 36%، أي ما يعادل 11 مليون شاب وشابة، وإذا ما قارنا هذه النسبة بمعدل الناخبين في المغرب الذي لا يتعدى 13 مليون نسمة، سنستشف مدى أهمية الشباب مكوناً رئيسياً وجوهرياً، نحو بناء دولةٍ قوامها الديمقراطية والحق والقانون، ومنه إلى متى ستظل نسبة 11 مليون شاب وشابة في المغرب مغيبين عن المعادلة السياسية للبلاد التي يتداولها المشايخ فيما بينهم. ألسنا اليوم أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى تعبئة شاملة داخل المغرب، من أجل إنصاف الشباب، وفقا لمتطلبات المرحلة.
في وقت سابق، كانت دائماً ما تلجأ الحكومات العربية إلى إحداث نقاشات أو ظواهر، يتم عبرها إشغال الشباب عمّا هو أهم، أي صرف اهتمام هذه الفئات الواسعة نحو متاهات غير مجدية ومتشابكة. اليوم، وبعد فترة الحراك الشبابي، بات من المستحيل جداً اعتماد التكتيكات السياسية نفسها، إذ ظهرت طاقات شابة، باتت تؤثر في الرأي العام، عبر وسائل الاتصال الحديثة المتاحة والمتوفرة لدى الجميع. وعليه، نما الوعي السياسي لدى أغلبية الشعب، وخصوصاً الشباب منهم. لكن، ما يطرح أكثر من تساؤل، لماذا يتم، دائماً، التآمر بعدة أسماء ومسميات على هذه الطاقات الشبابية، وحينما يستعصي ذلك، يلجأ الفاعل السياسي إلى احتواء هذه الأصوات المزعجة، بطرق عديدة ومختلفة، تهدف في الأخير لتشويه المناضل الشاب، وبذلك حرقه سياسياً، رغم أن هذه الوسائل غير أخلاقية وغير مسؤولة في الوقت نفسه، إذ تحرم الأوطان من سواعدها وأسسها نحو المستقبل، إذ يتم إقصاء الشباب، أو تحويلهم إلى كائنات تؤثث المشهد الحزبي، عبر تنظيماتٍ، يقال عنها "منظمات موازية"، غير أن دورها لا يتعدى التطبيل والتصفيق لقرارات الزعيم السياسي، والذي يكون، غالباً قد بلغ أرذل العمر، وبذلك، لا تضطلع هذه المنظمات بدورها الحقيقي، إذ نلاحظ ظاهرة أكثر خطورة، وهي انعدام الثقة أفقياً بين شباب الوطن نفسه، وهذا ما يؤسس لصراع مستقبلي جديد بين فئتين من الجيل نفسه.
ومما سبق، ليس المراد أن يتم تأسيس أحزاب سياسية شبابية خالصة، إذ يبدو ذلك من ضروب الخيال، لأن ما يطبع الحياة السياسية في المغرب، بعيد كل البعد عن توفر تجربة مماثلة كالتي تشهدها إسبانيا، اليوم. لكن، بات مؤكداً أن المشهد السياسي (المغربي)، سيعرف صداما لا محالة بين نخب سياسية عتيقة وتقليدانية، ونخب صاعدة أكثر تحرراً في التعبير عن مواقفها، والدفاع عنها بشتى الوسائل، هذا في حالة ما شهدنا انخراطاً مكثفا لشباب في الممارسة السياسية، أم إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فحتماً ستسقط هذه الطيور المحلقة، واحدا تلو الآخر، إلى أن نشهد سقوط آخر طائر، وبه انتهى حلم، التحليق الذي يراود شباباً عديدين في هذه الأيام، وبعده لن يكون مقبولاً الادعاء بأنها مؤامرة مصدرها جهات ما، لأن أكبر من يتآمر على الشباب، اليوم، هم الشباب أنفسهم.