العرب والسيد أوباما

18 سبتمبر 2016
+ الخط -
أشهر قليلة ويغادر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، البيت الأبيض. قبل ثماني سنوات، وخلال حملته الانتخابية الأولى، وحتى بعد توليه الحكم بفترة قصيرة، كانت آمال العرب والمسلمين عموما فيه كبيرة، فأصول الرجل الإفريقية، ولون بشرته الداكن، جعل العرب يأملون أنّ سياساته ستكون مختلفةً عمّن سبقوه. أملوا أن يكون أحسن خلف لأسوأ سلف. تمادى العرب في الحلم. فظنوا كذلك أنّ الحل للقضية الفلسطينية سيكون على يد هذا الرجل. ولكن، سرعان ما خيّب أوباما آمالهم .
وها هو الآن، وقبل أشهر قليلة من نهاية ولايته، يغدق على إسرائيل بمساعدة عسكرية بقيمة 38 مليار دولار، وهذا سخاء يهدف، بطبيعة الحال، إلى الحفاظ على أمن تل أبيب.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يخيّب فيها أوباما الآمال، فلقد بدأ تخييبه لآمال العرب العريضة منذ خطابه في مؤتمر''إيباك''، فقد قال فيه إنّ ''القدس ستبقى عاصمة إسرائيل ولن تنقسم''، وإنّه ''لن يقدّم أيّ تنازلات إذا ما تعلّق الأمر بأمن إسرائيل''. وزاد موقف الرئيس الأميركي وضوحاً في زيارته الأولى تل أبيب عام 2013، والتي أبدى فيها حماسه الشديد للكيان الصهيوني، حتى أنّ بيريز قدّم له الشكر على اهتمامه ''بحماية إسرائيل في أوقات السلام وأوقات الحرب''، وكذلك على صيانة تفوّقها على جيرانها.
أخطأ العرب حين فكروا عكس ذلك، فمخطئ من يعتقد أنّ أميركا ستغيّر مواقفها من حليفها الإستراتيجي، بتغيّر اسم الرئيس في الحكم. ذلك أنّ الأمر لا يتعلق بالقيم والمبادئ والأخلاق والايتيقا التي لا مجال لها في العلاقات الدولية سوى عند المثاليين الذين ثبت ضعف حججهم، بل يتعلّق فقط بالمصالح والغايات والأهداف المشتركة. ألم يقل تشرشل إنّ ''في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم بل هناك مصالح دائمة''. لم يخف أوباما هذا الأمر، وقد قال في مؤتمر ''إيباك" أيضا أن اتحاده مع إسرائيل قائم على مصالح وقيم مشتركة. وبالإمكان أيضا الاطلاع على كتاب ''تاريخ وتطور العلاقة الأميركية بالدولة العبرية حديثة النشأة من عهد الرئيس ترومان، ووصولا إلى أوباما'' لكاتبه دينيس روس، والذي يعرض فيه الأخير كيفية انتقال العلاقات الإسرائيلية الأميركية من التجاهل والإحساس بأنها عبء على سياسة أميركا، إلى التبني وتباري رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين في إظهار التضامن معها، حتى نتأكد أنّ التعويل على أوباما، منذ البدء، كان خاطئاً، وبمثابة تعلّق غريق في البحر الأحمر بقشة هشّة، هو أول العارفين بأنها لن توصله إلى برّ الأمان.
ولم تقتصر خيبة أمل العرب من أوباما عند هذا الحد، فارتباكه حيال الملف السوري، وحديثه عن خطوط حمر بان بالكاشف أنها دائمة التغيّر، جعلت كثيرين يدركون أنّ سياساته فاشلة، وأنّ حياده السلبي ضاعف من قوة وحدة الزلازل التي تضرب الشرق الأوسط.
رفض توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، على الرغم من استخدام الأخير السلاح الكيميائي في قتل شعبه، واختار كذلك عدم التدخل، في الوقت الذي تدخلت فيه جلّ الأطراف الإقليمية والدولية في سورية، وظل ينادي بالحل السياسي الذي عجز عن إيجاده. وفي هذه الأثناء، نزلت روسيا على الأرض، ومعها إيران و حزب الله، ودخلت ''داعش'' إلى المعادلة، فقرّر توجيه ضربات على التنظيم المذكور أولا، لا بل وجعل من الأسد حليفاً للقضاء على ''داعش''، بعد أن تحوّلت سورية إلى أخطر مكان في العالم. فشل أوباما في إيجاد مخارج للأزمة السورية، وساهم، ربما عن قصد أو عن غير قصد، في مزيد من تعفّن الجرح السوري والتهابه.
وخلافاً للعرب، صرح المفكر الأميركي، نعوم تشومسكي، إنّه لم يشعر بخيبة أمل تجاه أوباما، لأنه ببساطة لم يتوّقع شيئاً منه منذ البداية. ووصفه بالانتهازي ذي السياسات الحمقاء.
لا يحق للعرب لوم أوباما، بل حري بهم لوم أنفسهم، حين علّقوا آمالهم عليه. ولا يحق لهم عتابه على دعمه الواضح إسرائيل، ولا عن عجزه عن حل الأزمة السورية، فالمصلحة لغة العلاقات الدولية التي لا مكان للعواطف والأحاسيس فيها، إذ لا يجب أن ننتظر من رئيس دولةٍ تحافظ على نفوذها ومصالحها بأن تراعي مشاعرنا، وبأن تسعى إلى مساعدتنا على حلّ مشكلاتنا.
أيضاً، لا يجب عتابه والعرب مقسّمون، تحكمهم أنظمة دكتاتورية، تعوّل جلها على بطش العسكر. على العرب أن يتعلّموا الدرس هذه المرة. وأن لا يعوّلوا على أي رئيس أميركي قادم، بل أن يعملوا على تحسين وزنهم الإقليمي والدولي، عسى أن يزيد حجمهم في موازين العلاقات الدولية.
سيتغيّر رئيس أميركا، وستتغيّر بتغيره، ربما سياسات الإدارة الأميركية حيال ملفات ساخنة عديدة، وحتى الباردة منها. هناك جديد في الولايات المتحدة الأميركية، هذا لا شك فيه. ولكن، لا جديد حتماً في العالم العربي الذي تشتعل الحروب في جلّ أركانه. لا جديد ربما سوى مزيد من القتل والتشريد والدمار والتهجير.
AFDE276B-2182-49A4-BC69-09BAEE7849E9
AFDE276B-2182-49A4-BC69-09BAEE7849E9
شهرزاد بن جدو (تونس)
شهرزاد بن جدو (تونس)