تباينت وجهات نظر باحثين عرب وأكراد حول تاريخ العلاقات العربية–الكردية، ومستقبلها، وذلك خلال مناقشات ومداخلات، أمس السبت، في إطار مؤتمر بعنوان "العرب والأكراد: المصالح والمخاوف والمشتركات"، والذي ينظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" على مدى ثلاثة أيام في العاصمة القطرية، الدوحة. وإنْ اتفقوا على أن العلاقات لم تكن عدائية قبل قيام الدول الوطنية الحديثة في العراق وسورية، إلا أن رؤيتهم للأوضاع بعد قيام الدولة الوطنية جاءت مختلفة ومتناقضة.
ويرى الأستاذ المساعد في جامعة "زاخو" في إقليم كردستان العراق، هوكر طاهر توفيق، أن العلاقات الكردية–العربية "كانت متشنجة في القرن العشرين"، مضيفاً أن الأكراد الذين شاركوا في بناء الدول القومية العربية "كانوا مشاركين باعتبارهم عرباً لا أكراداً"، ويعني أنهم كانوا مستعربين لم يشاركوا بصفتهم القومية الكردية. وقدّم توفيق ورقة بحثية بعنوان "العلاقات الكردية العربية (1891–1918): دراسة تاريخية"، خلال اليوم الأول للمؤتمر. واعتبر أن "لغة الحوار مع الأنظمة في المنطقة منعدمة، لذا حمل الأكراد السلاح"، في إشارة إلى محاولات الأكراد الاستقلال تاريخياً.
إلا أن أستاذ الدراسات الاستراتيجية، الباحث المشارك في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات"، عبدالوهاب القصاب، نفى وجود سلطة عربية "طوال فترة الحكم الملكي في العراق، لأن الدستور لم يكن فيه أن العراق جزء من الأمة العربية"، مضيفاً أن الأكراد كانوا حاضرين بصورة كبيرة في السلطة السياسية للعراق، إضافةً إلى حضورهم الكبير في الجيش وعلى مستوى القيادات. وأضاف القصاب في ورقته البحثية بعنوان "العرب والأكراد في العهد الملكي العراقي: محاولة لبناء الهوية الوطنية العراقية"، أن العلاقات العربية–الكردية "مستمرة منذ ثلاثة آلاف سنة في هذا المكان"، وقال "نحن متمسكون بهذه الأخوة".
ويرفض القصاب فكرة أن العراق "كيان مصطنع"، وهي الرؤية التي كررها باحثون أكراد في جلسات المؤتمر، معتبراً أن الخارطة العراقية بشكلها الحالي موجودة منذ ما يزيد عن ثلاثة آلاف سنة. وأضاف "العراق ليس كياناً مصطنعاً، والكيان العراقي الحالي كان يشار إليه في الوثائق البريطانية بـ(العراق التركية) وفي الوثائق العثمانية بـ(الخطة العراقية)... وكلنا عثمانيون قبل 1918"، وفق تعبيره. ويشير إلى أن "الموضوع السياسي" هو "سبب تسمم العلاقة العربية–الكردية في العراق"، معتبراً ألا مخرج للأوضاع الحالية إلا بـ"نظام ديمقراطي" يكفل حقوق الشعبين العربي والكردي جنباً إلى جنب في العراق.
مستقبل الدولة الكردية
أما عن الأوضاع الحالية للأكراد في العراق، وفي حديث لـ"العربي الجديد"، يقول الأستاذ في جامعة "زاخو"، هوكر توفيق "هناك مشكلتان عصيتان في الشرق الأوسط، والذي لن يهدأ دون حلهما، المشكلة الكردية والمشكلة الإسرائيلية العربية". ويشير إلى أنه يعتبر "المشكلة الكردية أكبر وبوابة حل للمشكلة الإسرائيلية". ويشدد على أن إعلان الدولة الكردية في شمال العراق "أمر محسوم"، مضيفاً أن "مسعود البرزاني تحدث عن الاستفتاء، ولا أحد يستطيع أن يقف في وجه إعلان الدولة الكردية في عام 2017"، على حد قوله.
وعن رفض تركيا قيام دولة كردية، أكد توفيق أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صرح عدة مرات أنه لن يقبل بدولة كردية، إلا أنه يقبل بها في الأروقة السياسية، فمسعود البرزاني أخذ ضمانات من دول أوروبية كبرى وأميركا وبعض دول الخليج بالاعتراف بالدولة الكردية"، وفق تعبير الباحث. وتابع أن "هناك رغبة بصناعة حزام سنّي لمواجهة إيران، وفي الوقت الذي اخترقت فيه إيران بعض الدول العربية فهي لم تتمكن من اختراق كردستان"، على حد قوله.
ويعتبر القصاب أن قيام دولة كردية "سيعني فصل العراق عن تركيا، وبالتالي عن أوروبا، ولهذا مخاطر كبيرة، خاصةً مع عدم وجود ضمانات أن يكون هذا الكيان صديقاً للعراق". أما السبب الآخر الذي يراه سلبياً في قيام دولة كردية، فيتمثل في أن قيام دولة كردية "سيؤدي إلى إعادة رسم خرائط المنطقة، ويؤدي إلى انقسامات أخرى". ويرى أنه وفق "نظرية الدومينو" فإن انقسامات أخرى قد تحدث في المنطقة، إن كان بدمج غرب العراق و"ما تبقى من سورية" أو جنوب العراق وإيران. ويلفت أيضاً إلى أن قيام دولة كردية في العراق ستكون له تداعيات على إيران، إذ "كردستان إيران ستطالب باستقلالها، ومناطق أذربيجان إيران، إضافة إلى مناطق أخرى"، بحسب تقديره. ولا يستبعد القصاب أن يطالب المنتمون إلى قوميات أخرى في إيران بالانفصال على وقع قيام دولة كردية في العراق.
وتستمر جلسات مؤتمر "العرب والأكراد: المصالح والمخاوف والمشتركات" اليوم في مقر معهد الدوحة للدراسات العليا. وتتناول الجلسة الأولى اليوم "المسألة الكردية في سورية: تصورات النخب وحدود المشاركة السياسية"، إضافة إلى ثلاث جلسات أخرى حول المسألة الكردية في العراق وسورية.