لطالما كانت التدخّلات الأميركية في المشرق العربي، على مدار الخمسين عاماً الماضية موضوعاً شائعاً للدراسة والبحث، إلا أن التدخّل الأميركي أقدم من ذلك، ويعود إلى بدايات القرن العشرين.
في أعقاب مؤتمر باريس للسلام بعد الحرب العالمية الأولى عام 1919، لم يكن الرئيس الأميركي وودرو ويلسون راضياً عن تطلّعات الدول العظمى ممثلة في بريطانيا وفرنسا آنذاك، في أراضي الإمبراطورية العثمانية التي خسرتها بعد الحرب، وكان ينادي في تلك الفترة بحقّ الشعوب في أن تقرّر مصيرها.
اعتبر ويلسون في أحد خطاباته التي سبقت إرسال اللجنة، أن "حلّ كلّ مسألة سواء كانت تتعلّق بالأرض أو السيادة أو المسائل الاقتصادية والسياسية يجب أن يُبنى على قبول الناس الذين يتعلّق بهم قبولاً حرّاً لا على المصالح المادية أو لفائدة أي دولة أو أمة أُخرى ترغب في حلّ آخر خدمة لنفوذها الخارجي أو لسيادتها".
اقترح ويلسون لجنة مشتركة بين الحلفاء لزيارة بلاد الشام لتحديد ما تريده شعوبها: الاستقلال أو الإشراف بموجب نظام الانتداب المقترح لعصبة الأمم أو الاقتراحات الأخرى، فجرى قبول فكرة اللجنة بينما امتنعت فرنسا وبريطانيا عن المشاركة في اللجنة.
تكوّنت اللجنة من شخصيتين أميركيتين بشكل أساسي هما هنري تشرشل كينغ، رئيس "كلية أوبرلين"، وتشارلز ر. كرين، رجل الأعمال المستعرب، ورافقهما بعض المستشارين، وزارت اللجنة المنطقة ما بين حزيران/ يونيو إلى آب/ أغسطس 1919.
زارت اللجنة يافا والقدس وبيت لحم والخليل وجنين ونابلس والناصرة وطبرية وعكا ثم توجهت إلى دمشق وأجرت فيها استفتاءً شمل العلماء وممثلي الطوائف والحرف وممثّلي مجلس الشورى وغيرهم.
ثم انتقلت إلى شرقي الأردن، فاستمعت إلى ممثّلي عمان والسلط والبلقاء وبني صخر والشراكسة، ومن هناك إلى حوران فاستمعت إلى آراء أهلها، ومن ثم سافرت إلى بعلبك فبيروت.
وقد خرجت اللجنة بتقرير هام جداً في آب/ أغسطس 1919م، رفضته بريطانيا وفرنسا. أما أميركا نفسها فتجاهلته، ولم يُنشر إلا موجز عنه عام 1922 فيما نُشرت النسخة الكاملة رسمياً عام 1947. وفيه طالب العرب بإيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأن تكون فلسطين جزءاً من سورية المستقلة، رافضين أي شكل من الانتداب.
هذه اللجنة وتقريرها سيكونان موضوع محاضرة يلقيها الأكاديمي أندرو باتريك، أستاذ التاريخ في "جامعة تينيسي"، عند السادسة من مساء غدٍ الخميس، في "مركز دراسات الشرق الأوسط" التابع لـ"جامعة سواس" البريطانية في لندن.
يقوم المحاضر في ورقة بعنوان "تدخلات 1919: المخيلة الويلسونية والأراضي العثمانية" بتقييم تاريخ هذه اللجنة المنسية، واللحظة السياسية التي ولدتها، ورؤية وودرو ويلسون، ويعود إلى حقيقتها وردود الفعل التي تبعت التقرير، وإلى ماذا كان يتطلّع ويلسون في تلك اللحظة من التاريخ.
كان ويلسون الذي شغل منصب الرئاسة الأميركية ما بين عامي 1913 و1921، قد ألقى خطاباً في 4 تموز/ يوليو 1918 قال فيه "إذا كانت رغائب السكان غير اليهود في فلسطين – وهم تسعة أعشار السكان كلهم تقريباً – يرفضون البرنامج الصهيوني رفضاً باتاً والجداول تثبت أن سكان فلسطين لم يجمعوا على شيء مثل اجماعهم على هذا الرفض، فإن تعريض شعب هذه حالته النفسية لهجرة يهودية لا حدّ لها ولضغط اقتصادي اجتماعي متواصل ليسلّم بلاده – نقض شائن للمبدأ العادل، واعتداء على حقوق الشعب وإن كان ضمن صور قانونية".