31 أكتوبر 2024
العربي الجديد في المخيال الإسرائيلي
تحت سطح الأحداث التي تدور رحاها في الأرض الفلسطينية، ثمّة وعي جديد يتشكل، وصورة جديدة للعربي، ولليهودي أيضاً. المنشغلون برصد عمليات طعن ودهس اليهود، وما يقابلها من تصفيات ميدانية وقتل بدم بارد يقوم به جنود الاحتلال ضد الفلسطينيين، لا يرون ماذا يستقر في مخيال كل طرف من أطراف المعادلة.
اليهودي في المخيال العربي، والفلسطيني خصوصاً، كان حتى وقت قريب مرتبطاً بالقسوة والجبروت، وربما الإقدام. كان ثمّة خوف يتخثر في نفس العربي، جرّاء الهزائم التي ألحقتها إسرائيل بالجيوش العربية، واستمر هذا الخوف بالتعاظم، بعد أن أصبحت مساحة الأرض التي تحتلها إسرائيل أضعاف مساحة فلسطين التاريخية، بعد نكسة حزيران، وكان أول توازن وجداني يؤثر في صورة "العدو" اليهودي في الذهنية العربية النصر الصغير الذي حققه التعاون المثمر بين الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين في معركة الكرامة عام 1968، وتعدّلت الصورة أكثر، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، على الرغم من أن النصر العربي لم يكتمل فيها، إلا أنها عدّلت قليلا من صورة العدو المخيف في المخيال العربي. وفيما بعد، بدأت المقاومة الشعبية الفلسطينية، عبر الانتفاضات المتلاحقة، ابتداء من أول يوم أرض في العام 1976، ترسم صورة أخرى لليهودي المحتل الذي بدا شخصاً عادياً يمكن مواجهته وهزيمته، وتعاظمت هذه الصورة أكثر فأكثر، في الحروب والمعارك التي خاضتها غزة، مع الاحتلال الإسرائيلي، وبدا الجندي اليهودي على حقيقته، خصوصاً حين تحدث مواجهة بين الفلسطيني واليهودي وجها لوجه، وهي صورة تتسم بالجبن والخوف والتردد.
تُظهر مطالعة سريعة لتطور صورة اليهودي في المخيال العربي، وعلى الأرض أيضا، أن جيل الصهاينة الأُوَل من "المحاربين الأشداء" الذين احتلوا الأرض الفلسطينية، وأنشأوا إسرائيل، كانوا يسمون "جيل الصابرا" (لأنهم يستطيعون أن يمسكوا بكوز الصبر المليء بالأشواك بأيديهم) هؤلاء تحولوا مع الأيام إلى جيل السايبر، حيث يحاربون من وراء جدر، وعبر التحكم بأزرار الكمبيوتر وشاشاته، وحين يضطرون إلى النزول إلى الأرض، لمواجهة "العدو" وجهاً لوجه في الانتفاضات المختلفة، بدا كم هم جبناء و"عاديون"، يمكن هزيمتهم بسهولة، وفي وسع أي إجراء مسحي على شبكة الإنترنت أن يُظهر مئات، وربما ألوف، الصور والأفلام التي يبدو فيها الجندي الإسرائيلي مهزوماً خائفاً، وربما فارّاً من الأطفال والنساء من أبناء الشعب الفلسطيني.
ويرصد زئيف أوديد مناحم الأخصائي الإسرائيلي في علم الاجتماع التربوي، في مقال له نشره موقع تربوت بعنوان (الجيل الإسرائيلي القادم يخاف حماس) بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، تغيّر صور العربي في المخيال اليهودي على نحو ذكي، حيث يقول.. "أمس 13 أغسطس، وفي الساعة 9 والنصف تقريبا عرضت القناة العاشرة (العبرية) تقريراً عن حياة عائلة يهودية أرجنتينية في مستوطنات غلاف غزة، وحين سألوا الطفل الذي يبلغ 10 سنوات: ممّ تخاف بشكل عام؟ فكان جوابه (أن يخرج عربي من النفق، ويأخذني في أثناء نومي)
هذا الجواب وضعني، كأخصائي علم اجتماع، أمام حقيقة مفزعة، لا أدري كيف لم تخطر على بالي من قبل، وهي صورة العربي في أذهان الجيل الجديد".. ويضيف "تعوّد جيلنا نحن على صورة العربي الجبان الغدار الماكر، صاحب الكوفية والعقال السمين الذي يركب الحمار دوماً، ويأكل البيض المسلوق والسردين ويشرب الشاي، صورة العربي كانت في عين أبناء جيلي صورة إرهابي جبان، أو جندي مستسلم في حرب (الاستقلال) 1948 وفي حرب (الأيام الستة) 1967، هذا الجندي الذي كان ينهزم في كل معركة من دون أدنى جهد يذكر ... حينها تكرست صورة الجندي اليهودي الذي لا يقهر، حتى منظمة التحرير استطعنا طردها وإظهارها بمظهر المهزوم، حين طردناها من لبنان .. تغيّرت الصورة الآن بشكل جذري وخطير. أصبح أبناء جنوب إسرائيل البالغون عشر سنوات يرون العرب، وبالذات "مخربي" حماس وحوشا مرعبة تخرج من بطن الأرض، لتخطف جنودنا، يرون "مخربي" حماس على وسائل الإعلام يقتلون الجندي الإسرائيلي الذي نعلمهم في المدارس أنه المنتصر دوماً وأنه لا يقهر .ولا ننسى الحياة في الملاجئ وصوت صفارات الإنذار وبكاء الأمهات حين الهرب إلى الملاجئ كل هذه الصور تجعلنا نبدو ضعفاء أمام الجيل القادم، في حين تتكون صورة في اللاوعي عند هؤلاء الأطفال أن حماس عدو وحشي لا يرحم، وأننا مهزومون".
ويخلص إلى القول: "هؤلاء الأطفال سيصبحون جنوداً بعد ثماني سنوات، وأنا أتساءل أي جيل هذا الذي سيدافع عن "دولة" إسرائيل وقد تربي على الرعب من أعدائنا؟ أي جيل هذا الذي سيحمينا من "الإبادة" العربية المقبلة، وهو يرى قادة دولة إسرائيل مهزومين في غزة؟ هذا الجيل الذي ربته صواريخ حماس في الملاجئ، وعلى صوت صفارات الإنذار، لن يكون جيلاً عسكرياً محارباً، مثل آبائهم وأجدادهم، بل سيكون جيلاً متردداً مرتبكاً، يفزع من ذلك الملثم الخارج من فم النفق . أدركت مدى فداحة الوضع في أثناء الحرب الأخيرة، وأنا أرى الركض نحو الملاجئ في بنايتي في أشدود وبكاء الأمهات والأطفال، وحين سألت طفلة مذعورة أمها الباكية هل المخربون قادمون لذبحنا؟".
والحقيقة أن هذه الصورة تعمقت أكثر بعد انتفاضة القدس، حيث بدا أنها أثارت حالة غير مسبوقة من الفزع والخوف في صفوف الإسرائيليين، جرّاء حالات الطعن والدهس التي ميزت الانتفاضة الثالثة. وفي وسع أي متابع للصحافة العبرية أن يرى الأثر النفسي الهائل التي تركته هذه الانتفاضة في نفوس الإسرائيليين، بعد أن أفقدتهم الإحساس بالأمن الشخصي، وأشاعت حالة من الهستيريا والخوف الجماعي، فور رؤية شخص بملامح عربية.
صورة العربي الجديد في المخيال اليهودي موضوع يستحق دراسة معمقة جداً، لما له من أثر كبير على مستقبل الصراع مع الاحتلال، والتغير العميق في "ميزان القوى النفسي" بين العربي واليهودي، في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولكن، هذه المرة لصالح العرب.
اليهودي في المخيال العربي، والفلسطيني خصوصاً، كان حتى وقت قريب مرتبطاً بالقسوة والجبروت، وربما الإقدام. كان ثمّة خوف يتخثر في نفس العربي، جرّاء الهزائم التي ألحقتها إسرائيل بالجيوش العربية، واستمر هذا الخوف بالتعاظم، بعد أن أصبحت مساحة الأرض التي تحتلها إسرائيل أضعاف مساحة فلسطين التاريخية، بعد نكسة حزيران، وكان أول توازن وجداني يؤثر في صورة "العدو" اليهودي في الذهنية العربية النصر الصغير الذي حققه التعاون المثمر بين الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين في معركة الكرامة عام 1968، وتعدّلت الصورة أكثر، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، على الرغم من أن النصر العربي لم يكتمل فيها، إلا أنها عدّلت قليلا من صورة العدو المخيف في المخيال العربي. وفيما بعد، بدأت المقاومة الشعبية الفلسطينية، عبر الانتفاضات المتلاحقة، ابتداء من أول يوم أرض في العام 1976، ترسم صورة أخرى لليهودي المحتل الذي بدا شخصاً عادياً يمكن مواجهته وهزيمته، وتعاظمت هذه الصورة أكثر فأكثر، في الحروب والمعارك التي خاضتها غزة، مع الاحتلال الإسرائيلي، وبدا الجندي اليهودي على حقيقته، خصوصاً حين تحدث مواجهة بين الفلسطيني واليهودي وجها لوجه، وهي صورة تتسم بالجبن والخوف والتردد.
تُظهر مطالعة سريعة لتطور صورة اليهودي في المخيال العربي، وعلى الأرض أيضا، أن جيل الصهاينة الأُوَل من "المحاربين الأشداء" الذين احتلوا الأرض الفلسطينية، وأنشأوا إسرائيل، كانوا يسمون "جيل الصابرا" (لأنهم يستطيعون أن يمسكوا بكوز الصبر المليء بالأشواك بأيديهم) هؤلاء تحولوا مع الأيام إلى جيل السايبر، حيث يحاربون من وراء جدر، وعبر التحكم بأزرار الكمبيوتر وشاشاته، وحين يضطرون إلى النزول إلى الأرض، لمواجهة "العدو" وجهاً لوجه في الانتفاضات المختلفة، بدا كم هم جبناء و"عاديون"، يمكن هزيمتهم بسهولة، وفي وسع أي إجراء مسحي على شبكة الإنترنت أن يُظهر مئات، وربما ألوف، الصور والأفلام التي يبدو فيها الجندي الإسرائيلي مهزوماً خائفاً، وربما فارّاً من الأطفال والنساء من أبناء الشعب الفلسطيني.
ويرصد زئيف أوديد مناحم الأخصائي الإسرائيلي في علم الاجتماع التربوي، في مقال له نشره موقع تربوت بعنوان (الجيل الإسرائيلي القادم يخاف حماس) بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، تغيّر صور العربي في المخيال اليهودي على نحو ذكي، حيث يقول.. "أمس 13 أغسطس، وفي الساعة 9 والنصف تقريبا عرضت القناة العاشرة (العبرية) تقريراً عن حياة عائلة يهودية أرجنتينية في مستوطنات غلاف غزة، وحين سألوا الطفل الذي يبلغ 10 سنوات: ممّ تخاف بشكل عام؟ فكان جوابه (أن يخرج عربي من النفق، ويأخذني في أثناء نومي)
هذا الجواب وضعني، كأخصائي علم اجتماع، أمام حقيقة مفزعة، لا أدري كيف لم تخطر على بالي من قبل، وهي صورة العربي في أذهان الجيل الجديد".. ويضيف "تعوّد جيلنا نحن على صورة العربي الجبان الغدار الماكر، صاحب الكوفية والعقال السمين الذي يركب الحمار دوماً، ويأكل البيض المسلوق والسردين ويشرب الشاي، صورة العربي كانت في عين أبناء جيلي صورة إرهابي جبان، أو جندي مستسلم في حرب (الاستقلال) 1948 وفي حرب (الأيام الستة) 1967، هذا الجندي الذي كان ينهزم في كل معركة من دون أدنى جهد يذكر ... حينها تكرست صورة الجندي اليهودي الذي لا يقهر، حتى منظمة التحرير استطعنا طردها وإظهارها بمظهر المهزوم، حين طردناها من لبنان .. تغيّرت الصورة الآن بشكل جذري وخطير. أصبح أبناء جنوب إسرائيل البالغون عشر سنوات يرون العرب، وبالذات "مخربي" حماس وحوشا مرعبة تخرج من بطن الأرض، لتخطف جنودنا، يرون "مخربي" حماس على وسائل الإعلام يقتلون الجندي الإسرائيلي الذي نعلمهم في المدارس أنه المنتصر دوماً وأنه لا يقهر .ولا ننسى الحياة في الملاجئ وصوت صفارات الإنذار وبكاء الأمهات حين الهرب إلى الملاجئ كل هذه الصور تجعلنا نبدو ضعفاء أمام الجيل القادم، في حين تتكون صورة في اللاوعي عند هؤلاء الأطفال أن حماس عدو وحشي لا يرحم، وأننا مهزومون".
ويخلص إلى القول: "هؤلاء الأطفال سيصبحون جنوداً بعد ثماني سنوات، وأنا أتساءل أي جيل هذا الذي سيدافع عن "دولة" إسرائيل وقد تربي على الرعب من أعدائنا؟ أي جيل هذا الذي سيحمينا من "الإبادة" العربية المقبلة، وهو يرى قادة دولة إسرائيل مهزومين في غزة؟ هذا الجيل الذي ربته صواريخ حماس في الملاجئ، وعلى صوت صفارات الإنذار، لن يكون جيلاً عسكرياً محارباً، مثل آبائهم وأجدادهم، بل سيكون جيلاً متردداً مرتبكاً، يفزع من ذلك الملثم الخارج من فم النفق . أدركت مدى فداحة الوضع في أثناء الحرب الأخيرة، وأنا أرى الركض نحو الملاجئ في بنايتي في أشدود وبكاء الأمهات والأطفال، وحين سألت طفلة مذعورة أمها الباكية هل المخربون قادمون لذبحنا؟".
والحقيقة أن هذه الصورة تعمقت أكثر بعد انتفاضة القدس، حيث بدا أنها أثارت حالة غير مسبوقة من الفزع والخوف في صفوف الإسرائيليين، جرّاء حالات الطعن والدهس التي ميزت الانتفاضة الثالثة. وفي وسع أي متابع للصحافة العبرية أن يرى الأثر النفسي الهائل التي تركته هذه الانتفاضة في نفوس الإسرائيليين، بعد أن أفقدتهم الإحساس بالأمن الشخصي، وأشاعت حالة من الهستيريا والخوف الجماعي، فور رؤية شخص بملامح عربية.
صورة العربي الجديد في المخيال اليهودي موضوع يستحق دراسة معمقة جداً، لما له من أثر كبير على مستقبل الصراع مع الاحتلال، والتغير العميق في "ميزان القوى النفسي" بين العربي واليهودي، في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولكن، هذه المرة لصالح العرب.