يبدو أنّ العراق في طريقه لعودة ناجحة إلى سوق السندات الدولية بعد غياب استمر تسع سنوات لجمع مليارات الدولارات، بأسعار فائدة مرتفعة ربما تؤدي إلى تدهور مشاكله المالية في المدى الطويل.
ونظمت بغداد عرضاً ترويجياً للمستثمرين الأسبوع الماضي لسلسلة من إصدارات السندات السيادية الدولارية، التي تأمل من خلالها أن تتمكن من تدبير ما يصل إلى 6 مليارات دولار.
ويتعرض العراق لضغوط مالية بسبب الحرب على متشددي تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش)، والتوترات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط.
وعندما خصصت مؤسسة ستاندرد اند بورز تصنيف (B-) الائتماني للعراق هذا الشهر، أي ما يقل ست درجات عن التصنيف الاستثماري، قالت المؤسسة إنّ "المخاطر المتعلقة بالأمن والمؤسسات في العراق من بين الأعلى مستوى بين كل الدول التي تتولى المؤسسة تصنيفها، وعلى قدم المساواة مع مصر ويسبق الاثنان اليونان".
ومما يعظم المخاطر الداخلية عدم استقرار بيئة السوق العالمية، والاتجاه المتوقع للبدء في رفع أسعار الفائدة الأميركية، ربما اعتباراً من الشهر الحالي.
واقترب عائد مبادلات الالتزام مقابل ضمان العراقية الخمسية المستخدمة في التأمين على الدين السيادي من مخاطر العجز عن السداد من أعلى مستوى لها في ست سنوات تقريبا، إذا ارتفعت 77 نقطة أساس إلى 576 نقطة أساس، غير أنه مما يخفف من حدة المخاطر إمكانيات صناعة النفط في العراق ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك.
وقد رفع العراق انتاج النفط الخام إلى 3.80 ملايين برميل في اليوم خلال يونيو/حزيران الماضي، من 3.05 ملايين برميل يوميا قبل ذلك بعام.
وقالت بغداد إنها تستهدف رفع طاقتها الإنتاجية الإجمالية إلى ما بين 8.5 ملايين وتسعة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020.
ومن العوامل التي تعمل على إبطاء الزيادة في الإنتاج النفطي، عقبات بيروقراطية ومخاوف أمنية، وعدم كفاية خطوط الأنابيب والقدرات التخزينية، لكن الحقول الجنوبية، حيث أغلب الإنتاج نجا من أعمال العنف، ومن المنتظر أن يتمكن العراق من سداد ديونه بارتياح، إذا حقق جانباً على الأقل من خططه النفطية.
وقال رام موهان، المدير بشركة أبوظبي للاستثمار، التي تتولى مراجعة نشرة إصدار السندات، قبل البت في قرار الاستثمار في هذا الإصدار، إنّ "العراق لديه الآن احتياطيات من النقد الأجنبي تقترب من 65 مليار دولار.. كما أن من المؤكد أن يسهم ارتفاع الإنتاج في زيادتها بدرجة أكبر".
ولذا يقول مديرو الصناديق، إن العراق لن يجد مشترين لسنداته، إلا إذا دفع عوائد شديدة الارتفاع.
اقرأ أيضاً: حيرة عالمية في تصنيف سندات عراقية
ولم تعلن بغداد حجم إصدارها الأول أو أجل استحقاقه، لكن توقع مصرفيون أن يكون في حدود ملياري دولار، وأن يكون أجله من خمس إلى سبع سنوات.
وقفز العائد على السندات الدولارية العراقية التي تستحق في 2028 إلى أعلى مستوياته على الإطلاق ليصل إلى 10.80% الأسبوع الماضي من 8.3% في نهاية 2014 لأسباب منها توقعات بزيادة المعروض في الأسواق.
وقال محلل السندات السيادية للأسواق الناشئة في شركة في.تي.بي كابيتال، رازا أغا، إنه "في ضوء أسعار تداول السندات العراقية التي تستحق عام 2028 ومستوى الأسعار القياسية، فسيتعين أن يكون كوبون إصدار جديد من العراق لأجل عشر سنوات 10.75% بما يتسق مع السندات الموجودة في السوق".
وأضاف أنّ "تسعير الإصدار في تلك الحدود، يعني أن العراق سيصبح صاحب أعلى إصدارات السندات عائدا بين الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وأفريقيا".
ونظّم العراق لقاءات ترويج للمستثمرين في لندن يومي الخميس والجمعة الماضيين، ومن المقرر أن ينتقل هذا النشاط إلى نيويورك وبوسطن ولوس أنجليس هذا الأسبوع.
ويشير التركيز على المراكز المالية الغربية، إلى أن العراق ربما يستهدف بيع جانب كبير من السندات لصناديق التحوط، ومستثمرين محترفين مستعدين لقبول مستوى مخاطرة مرتفع لا إلى البنوك الخليجية التي تميل لشراء السندات مرتفعة العائد الصادرة من المنطقة.
وقال مؤسس شركة الربيع للأوراق المالية في بغداد، شوان إبراهيم طه، إنّ "إصدار السندات جاء في توقيت خاطئ، نظراً لانخفاض أسعار النفط وزيادة إنفاق بغداد على المعارك في حربها على تنظيم الدولة الإسلامية".
وأضاف "الأمر الأول أنك تتحول من فائض ضخم إلى عجز ضخم، لكن أثر ذلك على الفور هو الاتجاه إلى سياسة مالية شديدة التحفظ لا إلى اقتراض المال"، لكن إذا كان الإصدار يشكل جزءا من برنامج منسق لتعزيز الوضع المالي لبغداد، فربما يكون رد فعل المستثمرين إيجابياً.
وتشير نشرة الإصدار إلى أن الأمر قد يكون كذلك، إذ جاء فيها أن العراق سيستخدم مجموعة من الخيارات مثل السندات المحلية والقروض، بالإضافة إلى حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي.
وفي أوائل يونيو/حزيران الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على إقراض العراق 833 مليون دولار، ومن المتوقع أن يقدم البنك الدولي 1.7 مليار دولار لبغداد.
وقال طه إنّ "الأمر الإيجابي، للمرة الأولى أن الناس يفكرون في كل ذلك، ويفكرون فيما حدث وفي كيفية تصحيح المسار الاقتصادي".
ويعتقد بعض مديري الصناديق أن السندات الصادرة عن العراق مسعرة على نحو مغر مقارنة بتسعير سندات مصر التي تستحق في عام 2020 والمصنفة أعلى بدرجة واحدة من العراق، كما أن مصر تواجه مشاكل سياسية وأمنية كبيرة، وتتداول تلك السندات بسعر 4.68%.
اقرأ أيضاً: الأزمة المالية في العراق توقف 6 آلاف مشروع