أعلنت طهران وبغداد، في بيان مشترك صدر مساء اليوم، حول زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى العراق أن "العلاقات الحميمة بين البلدين تمثل نقطة تحوّل في بناء شراكة استراتيجية"، وأكدتا تطوير العلاقات بين البلدين في المجالات كافة "على أساس التعاون العميق وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين".
وأكد البيان، الذي نشره موقع الرئاسة الإيرانية ومكتب رئاسة الوزراء العراقية ووصفه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بـ"التاريخي"، أن الجانبين، الإيراني والعراقي، قد اتفقا خلال زيارة روحاني على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار الموقعة بين البلدين في الجزائر في عام 1975، والتي ألغاها الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، في أيلول/سبتمبر، عام 1980، قبل الحرب الإيرانية العراقية بثلاثة أيام.
وفي السياق، أورد البيان أنه "بالنسبة لشط العرب، أعلن الطرفان عن عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بين العراق وإيران المؤرخة في 13 حزيران 1975 والبروتوكولات والاتفاقات الملحقة بها، بحسن نية وبدقة".
وأضاف أنه "قرر الطرفان البدء بعمليات مشتركة لتنظيف وكري شط العرب بهدف إعادة قناة الملاحة الرئيسية (التالوك)، وفق اتفاقية 1975 المذكورة والبروتوكول المعني بذلك في أسرع وقت".
كما اعتبر البيان أن "منصة العمية منصة عراقية كما كانت، من دون أن يؤثر ذلك على مباحثات الطرفين في تحديد الحدود البحرية بين البلدين".
وتعترف اتفاقية الجزائر بشط العرب بالتناصف بين العراق وإيران. وقبل زيارة روحاني إلى بغداد، تحدثت المصادر الإيرانية عن أن إحياء الاتفاقية وتنفيذها يأتي على سلم جدول أعمال الرئيس الإيراني خلال الزيارة.
يذكر أن الرئيس العراقي السابق، جلال الطالباني، قد اعتبر عام 2007 أن اتفاقية الجزائر ملغاة، قائلًا إنه رفض الاعتراف بالاتفاقية خلال زيارته طهران.
وأكد البيان أن الطرفين أجريا "مباحثات هامة في أجواء أخوية وودية وبنّاءة، وأعربا عن رغبتهما في تطوير العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية والتجارية والثقافية والعلمية والتقنية وغيرها. وأكدا عمق الترابط التاريخي والشعبي والثقافي والديني والجغرافي بينهما".
وبحسب ما جاء في البيان، فإن الجانبين "تباحثا في جملة من القضايا الإقليمية والتحديات المشتركة ومحاربة الإرهاب، والتعاون من أجل تعزيز أمن واستقرار المنطقة، وبناء شراكات اقتصادية تعود بالنفع والرفاه على شعوبها".
وحول المجالات التي شملتها اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين خلال زيارة روحاني، أورد البيان أنها تشمل "النفط والتجارة والصحة والنقل لإنشاء السكك الحديد بين الشلامجة والبصرة، وتسهيل التأشيرات لرجال الأعمال والمستثمرين لكلا البلدين. كما ناقش الطرفان مسودة اتفاقية أمنية على أن تقدم رسميا إلى القنوات الدبلوماسية لتمريرها واتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية بشأنها".
كما ناقش الجانبان "أهمية إنشاء منافذ حدودية جديدة بينهما، وإقامة مدن صناعية مشتركة، وتنفيذ النقل المباشر للبضائع بين البلدين من دون تفريغها في الحدود الدولية بينهما"، مضيفا أن الجانبين تناولا "إجراءات انتقال القوى العاملة الماهرة بين البلدين والتعاون الصحي والعلاجي والتعليمي والطبي وتجارة الأدوية وتسهيل تسجيل شركات الأدوية بين البلدين".
وبحسب البيان، فقد أكد "الجانبان سعيهما لمضاعفة التبادل في مجالات التجارة والاستثمار والاقتصاد والخدمات الفنية والهندسية والصناعية"، لافتًا إلى أن الجانبين اتفقا أيضا على إلغاء رسوم تأشيرات الدخول بين البلدين.
وفي السياق، أوضح البيان أن الطرف الإيراني "أعلن إلغاءه رسوم التأشيرات للمواطنين العراقيين اعتباراً من تاريخ 1 نيسان 2019، كما أعلن الطرف العراقي المعاملة بالمثل بالتزامن مع الطرف الآخر".
واشنطن تدخل على الخط
وبينما أعلن البيت الأبيض مساء اليوم الثلاثاء تمديد حالة الطوارئ بشأن إيران لعام آخر، أكدت الحكومة الإيرانية أنها "لن تستأذن من واشنطن في علاقاتها مع بغداد"، وذلك ردًا على تعليق الإدارة الأميركية على زيارة روحاني إلى العراق.
وبعد قيام الثورة الإيرانية، وانقطاع العلاقات بين طهران وواشنطن، أعلنت الإدارة الأميركية في الرابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1979، حالة الطوارئ في العلاقات مع إيران، عملا بالقرار التنفيذي رقم 1270، ويتم تمديدها سنويا من قبل الإدارات الأميركية المتلاحقة.
وذكرت وكالة "إيسنا" الإيرانية أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، قال في رده على تصريحات المبعوث الأميركي بشأن إيران، برايان هوك، حول زيارة روحاني إلى بغداد، إن "تصريحات هذا المسؤول الأميركي لا تدعو للاستغراب، لأن بلاده فشلت في إيجاد موقع لنفسها بين شعوب المنطقة بالرغم من صرف مليارات الدولارات".
وأكد قاسمي أن "قرار إيران والعراق بتطوير علاقاتهما على أساس حسن الجوار أمر استراتيجي"، وأن بلاده "لن تستأذن من أحد للاستمرار في هذه العلاقات والحفاظ عليها".
وأضاف أن "إيران والعراق تربطهما حدود مشتركة طويلة وتاريخ قديم ومشتركات وأواصر ثقافية، ودينية، ومذهبية وتاريخية بين شعبيهما".
وفي أول تعليق أميركي على زيارة روحاني العراق، اتهم برايان هوك طهران بالسعي إلى "تحويل العراق إلى محافظة إيرانية وفتح طريق عسكري سريع عبر شمال الشرق الأوسط ليستخدمه الحرس الثوري لنقل الصواريخ والأسلحة".
وطالب هوك العراقيين بـ"أن يتساءلوا عن دوافع الرئيس الإيراني في زيارة العراق"، متوعدًا طهران بفرض مزيد من العقوبات عليها.
بدوره، قال ظريف، أمس الإثنين، في تصريحات صحافية إن "إيران لم تنقل يوماً خصومتها مع أميركا إلى العراق، وإن واشنطن هي التي تضغط على العراقيين للاختيار".
ونقلت وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية عن ظريف قوله إن بلاده "تريد علاقات طيبة مع الجارة العراقية، والولايات المتحدة لا يمكنها ضرب هذه العلاقات".
وتأتي هذه التصريحات بينما تقول مصادر إيرانية وعراقية إن زيارة روحاني لبغداد لها علاقة مباشرة بالصراع الإيراني الأميركي، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، حيث إن إيران تعول على العراق للالتفاف على العقوبات الأميركية "القاسية"، وكذلك مواجهة واشنطن سياسيا عبر دفع حلفائها العراقيين إلى مواجهة الوجود العسكري الأميركي في العراق، باعتباره خطرا على الأمن القومي الإيراني.
وبحسب مسؤول عراقي تحدث مع "العربي الجديد" طالباً عدم الكشف عن اسمه، فإن روحاني خلال زيارته "أبلغ العراقيين بشكل واضح أن وجود الأميركيين في العراق خطر على أمن إيران وعليهم الاستعجال في إنهاء هذا الخطر". وأكد أنّ "روحاني أوصل كذلك رسائل لمسؤولي إقليم كردستان العراق في هذا الإطار، وعدّ وجود الأميركيين في الإقليم خطراً على بلاده، أكثر من وجودهم في مناطق العراق الأخرى، كالأنبار وبغداد ونينوى".
ووفقاً للمسؤول نفسه، الذي شارك الرئيس العراقي، برهم صالح، في مراسم استقبال روحاني، فإنّ باقي الملفات التي يبحثها روحاني خلال زياته "تعتبر ثانوية أمام ملف الوجود الأميركي"، مؤكداً أنّ قلق الإيرانيين من هذا الموضوع "واضح، وبدا أنهم غير مقتنعين بفاعلية الزعامات السياسية العراقية في ملف الضغط لإخراج الجيش الأميركي من العراق".
وفي السياق، أشاد روحاني اليوم خلال لقائه مع زعيم مليشيا "الحشد الشعبي" مستشار الأمن الوطني العراقي، فالح الفياض، بشكل لافت، بـ"الحشد" الذي أدرجت واشنطن، خلال الأيام الماضية، إحدى أهم مكوناته، وهي حركة "النجباء"، على قائمة التنظيمات الإرهابية.
وقال الرئيس الإيراني إن "الحشد الشعبي" الذي يعتبر أقرب حلفاء إيران في العراق، "ستكون له مكانة مهمة للغاية في استقرار العراق".