كشف مسؤولون عراقيون في بغداد، بينهم موظف رفيع المستوى في مكتب رئيس الوزراء، لـ"العربي الجديد"، أن مشروع قانون إخراج القوات الأجنبية، الذي طرحته قوى سياسية عراقية خلال الشهرين الماضيين بهدف تقديمه إلى البرلمان للتصويت عليه، بات بحكم المؤجل حتى إشعار آخر، إذ إن اللجنة المشتركة بين الكتل التي تتبنّاه، وأبرزها تحالفا "الفتح" و"سائرون"، لم تعد تعقد لقاءاتها منذ منتصف الشهر الماضي، وهي المكلفة بكتابة مشروع القانون.
يأتي ذلك بعد تصريحات رسمية متتالية خلال الشهرين الماضيين لنواب ورؤساء كتل سياسية تُعرف بقربها من طهران، أكدت جمع تواقيع 106 نواب في البرلمان لتمرير القراءة الأولى لمشروع قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق، والذي تعكف عليه لجنة مشتركة من عدة كتل سياسية لكتابته. ويتضمن المشروع إلزام رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بإعلان جدول زمني، يبدأ من يناير/كانون الثاني 2020 لسحب القوات القتالية الأجنبية، وعلى رأسها الأميركية، من العراق.
ووفقاً لموظف رفيع المستوى في مكتب رئيس الوزراء، تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، فإن "ملف إخراج القوات الأميركية أغلق حالياً، ولم يعد مطروحاً من قبل الكتل التي تبنّته قبل شهرين، وأعلنت الشروع بكتابة مسودة القانون للتصويت عليه داخل البرلمان، كتحالف الفتح والكتل التي تنضوي تحته، وكذلك تحالف سائرون"، مضيفاً "ربما سيعود الملف بعد مدة، أو يبقى ورقة تلويح تُستخدم عند الحاجة. لكن حالياً هو غير مطروح". ولفت إلى أن "الاتفاقية الأمنية مع واشنطن ستأخذ مداها في رسم ملامح العلاقة المقبلة بين العراق والولايات المتحدة، فلا يوجد بديل حالي عنها". وكشف المسؤول العراقي أن الحكومة ورئاسة البرلمان أدتا دوراً في إسكات الحراك الهادف إلى تمرير قرار إخراج الأميركيين، كون الإشارات من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاءت غير مريحة، وكان يمكن أن يؤدي الاستمرار بهذا المشروع إلى أضرار مباشرة على العراق، أقله عدم منحه استثناء من العقوبات على إيران، وصولاً إلى صفقات التسليح والتدريب للقوات العراقية أو تأمين ذخيرة لمقاتلات "إف 16" وحتى إلى عقوبات اقتصادية على العراق.
هذه المعلومات أكدها عضو في حزب "الدعوة الإسلامية" بزعامة نوري المالكي، طلب عدم ذكر اسمه. وقال، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تقديم القانون في هذا التوقيت سيعني أن العراق أقحم نفسه فعلياً في الصراع الأميركي الإيراني، ولن تكون انعكاسات ذلك جيدة، لا سياسياً ولا أمنياً، عليه، لذا تأجيله الآن لفترة ليست طويلة مهم، خصوصاً أن الحكومة تقول إن وجودهم مهم للجيش العراقي ضمن برنامج تطويره". إلا أن عضو تحالف "الفتح" عدي عواد أشار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجلسات البرلمانية، التي خُصصت لمناقشة ملف التواجد الأجنبي في العراق، كان من ضمن محاورها استضافة المسؤولين في قيادة العمليات المشتركة وقيادة أركان الجيش، بهدف معرفة الأعداد الحقيقية لهذه القوات وأماكن تواجدها ومقراتها وتسليحها والحاجة الفعلية لها". وأوضح أن "المعلومات التي ما تزال بحوزة الكيانات السياسية التي تعمل على إخراج القوات الأجنبية، تشير إلى أن عديد هذه القوات أكثر بكثير من الأرقام التي تعلن عنها الحكومة. ونعلم أن قوات قتالية لا تزال موجودة، لذلك فإن الملف لم يُنسَ، ولكن التأخير الحالي يُعتبر تأخيراً فنياً"، وفقاً لتعبيره.
في المقابل، قال عضو في ائتلاف "الوطنية"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "التوجهات البرلمانية السابقة لم تكن عراقية بحتة، إنما كانت بدافع إيراني، والسكوت الحالي من قبل البرلمانيين والأحزاب الشيعية ووسائل إعلامها عن الملف هو أكبر دليل على أن الدافع الإيراني يريد حالياً التهدئة"، مشيراً إلى أنه "لو كان القرار عراقياً، لما كانت الكيانات السياسية الراغبة به، تخلت عنه". ولفت إلى أن "النفوذ الإيراني لا يزال واضحاً في كل مفاصل الحكومة العراقية، وتحديداً في توجهات قوات الحشد الشعبي وفصائله، وقيادات الحشد تُبدي رفضها لبقاء القوات الأميركية والأجنبية عموماً، من دون معرفتها شخصياً بأسباب الرفض"، موضحاً أن "العراق لا يزال بحاجة للقوات الأجنبية، وانسحابها من قواعدها قد يؤدي إلى عودة تنظيم داعش ويستأنف هجماته على المدن والمحافظات الشمالية والغربية". إلى ذلك، رأى السياسي العراقي محمد اللكاش، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "مشروع أي قانون في البرلمان يمر بمراحل عدة، تتمثّل بجمع تواقيع من النواب، ومن ثم يمرر بالقراءة الأولى والقراءة الثانية، ومن خلال هذه الفقرات يُعرض من أجل التصويت النهائي. مع العلم أن قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق يُعتبر من القوانين الخلافية التي تتأخر في مجلس النواب، مثل قانون المحكمة الاتحادية والنفط والغاز، ومثل هذين القانونين لم تُمرر لثلاث دورات"، مضيفاً "فعلاً بعض الأطراف السياسية والفصائل المسلحة غضت النظر عنه، لأسباب فجائية، قد تكون بأوامر إيرانية".