العراق: مساعٍ حزبية للسيطرة على السلطة القضائية

16 يونيو 2019
تخشى التيارات المدنية هيمنة التيارات القضائية (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -


تسعى جهات حزبية في العراق لفرض سطوتها على السلطة القضائية، ولم تسلم المحكمة الاتحادية من أيدي تلك الأحزاب المتنفذة، التي تضغط لإقرار قانون هذه المحكمة وفق مصالحها، بعدما بدأ البرلمان العراقي قبل أيام بقراءته. وعلى الرغم من أن هذا التحرك نحو السلطة القضائية، تدفع باتجاهه تلك الجهات تحت شعار "ديني فقهي"، إلا أنّ منطلقاته ودوافعه تبقى سياسية، فهو محاولة لإخضاع القضاء تحت مسمّى "الدين"، لتكون هذه السلطة بيد مشرعين دينيين، يملكون نفوذاً لتمرير وتعطيل القرار. وعلى الرغم من خطورة هذا التوجّه مجتمعياً، إلا أنّ قوة الجهات الداعمة له برلمانياً، تجعل من فرص تمريره كبيرة جداً، بحسب ما يقول مراقبون، في وقت تحاول فيه الجهات المدنية الوقوف بوجه هذا التوجّه وتعطيله والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة.

ووفقاً لعضو في اللجنة القانونية البرلمانية، فإنّ "قانون المحكمة الاتحادية الذي تجري مناقشته في أروقة البرلمان حالياً، يلقى دعماً قوياً من بعض الأحزاب التي لا تريد حتى إجراء تعديلات بسيطة عليه"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "القانون خطير للغاية، وهو يكرّس الهيمنة الحزبية على السلطة القضائية". ولفت إلى أنّ "هذه الهيمنة على السلطة القضائية لا تأتي باسم الحزب بل باسم الدين، إذ إنّ جهات سياسية، من أبرزها كتلة تحالف الفتح والفضيلة وكتل أخرى، تدفع باتجاه تشريع القانون بعدما ضمنت هيمنة الفقهاء وسيطرتهم على القرار القضائي في حال تم تمريره"، مشيراً إلى أنّ "القانون يجعل اختيار الفقهاء داخل قبة البرلمان، ما يعني اختيارهم وفق أسس حزبية، ومن ثم تكون سلطتهم أعلى من سلطة هيئة الرئاسة القضائية". وأكد أنّ "عدد الفقهاء وفقاً لهذا القانون سيكون موازياً لعدد القضاة".

وتخشى التيارات المدنية العراقية من خطورة هذا التوجّه، وما له من تداعيات خطيرة على البلاد. وقال عضو التيار المدني ماهر الجميلي لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن القبول بتسييس السلطة القضائية وإخضاعها للمشرعين الدينيين. تلك الجهات لم يكفها الفساد الحالي، وتريد أن تخضع القضاء لسلطتها بشكل كامل، حتى تتملك رقاب الشعب". وأعلن "أننا سنخرج بتظاهرات شعبية ضدّ هذا القانون، وسنعمل على عدم تمريره"، مضيفاً أنه "من الواضح أنّ السلطة التشريعية لا تملك التغيير أو رفض القانون، لكونه مدعوماً من جهات ذات نفوذ وقوة، لذا سيكون صوت الشعب رافضاً له".

مقابل ذلك، تدافع الجهات الداعمة للقانون عن أهمية تمريره، على الرغم من الخلاف السياسي الذي تسبب به. وقال النائب عن كتلة "النهج الوطني" حسين العقابي، إنّ "القضيّة الأساسية في قانون المحكمة الاتحادية، هو ضرورة تشريعه"، مؤكداً في تصريح صحافي أنه "لدينا نظام سياسي دستوري وتجربة فيها إخفاقات ونجاحات في المحكمة، ويجب تقويم القانون العراقي بقانون جديد، وهذا ما يدفعنا نحو تشريعه". وأضاف: "بعض مسائل القانون فيها خلاف واسع، تتعلق بالجهة التي تصادق على مرشحي المحكمة الاتحادية، وهي مسألة مهمة، وما ورد من مشرع القانون من الحكومة بأن تتم المصادقة من لجنة ثلاثيّة أو رباعية من الرئاسات الثلاث ونوابهم، وتتم المصادقة، ويصدر مرسوم جمهوري بالمرشحين". وأشار إلى أنّ "البرلمان يرى أنّ المصادقة على مرشحي المحكمة، هو اختصاص أصيل للبرلمان، كما كان البرلمان قد اختار أعضاء محكمة التمييز، لذا فإنّ هذه النقطة هي محلّ خلاف كبير وغيرها من المسائل التي ينبغي إعادة النظر بها، بما يحفظ الدستور والقانون".

من جهته، رأى الخبير في القانون الدستوري، معد الهاشمي، أنّ تلك الجهات تستغل الدستور العراقي لتمرير أجنداتها على السلطة القضائية، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الدستور العراقي نصّ على وجود خبراء ضمن هيكل إدارة المحكمة، وليس ضمن هيئة رئاستها". ولفت إلى أنّ "ما يجري اليوم هو استغلال لنصّ الدستور من قبل تلك الأحزاب، التي تريد أن تجعل الهيمنة للفقهاء، وهم منتمون لأحزاب، على القضاة، ما يعني أنّ القرارات التي ستُتخذ من قبل القضاة ستكون وفق رؤية الفقهاء، وفي حال لا تريد لجنة الفقهاء تمريره، تستطيع رفضه، الأمر الذي يجعلها سلطة أعلى من هيئة الرئاسة القضائية".

وأكد أنّ "القانون في حال تشريعه، ستكون له تداعيات خطيرة على السلطة القضائية، لجهة تشريع القوانين والأحكام، فضلاً عن تأثيره السلبي على الواقع العراقي، وهيمنة الأحزاب الدينية، ما يعني أنّ تلك الأحكام ستتقاطع مذهبياً وفقاً لتعدد الطوائف والمذاهب العراقية، أي إنّ الطوائف الأخرى سترفض من جهتها القبول بأحكام دينية متعارضة مع أحكام طائفتها، ما قد يدخل البلاد بأزمة ذات تداعيات يصعب الخروج منها". وشدد على "أهمية رفض هذا القانون ومنع تمريره، والتنبه لما له من تداعيات خطيرة"، داعياً رئاسة البرلمان الى "تحمل مسؤوليتها إزاء ذلك".


المساهمون