وأثار رفض معصوم استياء أطراف نافذة في "التحالف الوطني"، أبرزها كتلة المالكي نفسه، والذي أكّد أنّ هذه الأحكام "مرّت بسلسلة من الإجراءات والمحاكمات واكتسبت الدرجة القطعية وعلى الرئيس التوقيع بسرعة".
وقال مسؤول عراقي في ديوان رئاسة الجمهورية العراقية لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الجمهورية امتنع طيلة الشهرين الماضيين عن المصادقة على أكثر من 600 قرار حكم بالإعدام صدر عن القضاء العراقي غالبيتها تتعلق بالأرهاب".
وأوضح المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، أنّ "معصوم يشكّك في استكمال التحقيقات في تلك القضايا، ويجد بعضها غير مقنع وقضايا أخرى لا تستحق حكم الإعدام"، وأنه "أبلغ عدداً من مستشاريه أن كثير منها سياسي والآخر ذو أبعاد طائفية".
وأكّد المصدر نفسه أنّ "معصوم طالب رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود، خلال لقاء جمع الطرفين الأسبوع الماضي، بمراجعة تلك الأحكام والتأكّد من كفاية الأدلة"، مشيراً الى أنّ "معصوم لا ينوي أبداً المصادقة على تلك الأحكام".
اقرأ أيضاً ("رايتس ووتش": القضاء العراقي مُعيب إلى أبعد حد)
يتزامن ذلك مع وصول مشروع قانون "ضحايا العدالة" المعدّ من رئاسة الجمهورية إلى البرلمان لإقراره. ويتضمن المشروع تعويض المواطنين الذين تم اعتقالهم لفترات طويلة، دون أن يثبت بحقهم أي أدلة بالضلوع في الإرهاب، أو الذين توفوا نتيجة التعذيب، أو الذين أعدموا وتبين في ما بعد أنهم أبرياء.
وأدى إدراج القانون على جدول أعمال البرلمان في جلسة الخميس الماضي إلى حدوث مشادة كلامية بين رئيس البرلمان سليم الجبوري، وعدد من أعضاء "التحالف الوطني"، الذين وصفوه بغير المستعجل، معتبرين أن هناك مشاريع قوانين أخرى أهم منه، وهو ما أدى إلى رفع جلسة البرلمان لعدّة ساعات قبل أن تلتئم من جديد.
ويعدّ "التحالف الوطني"، لاسيما كتلة "دولة القانون"، من أشدّ المعترضين على رفض معصوم المصادقة على الأحكام. وعدّت النائبة عن دولة القانون عالية نصيف، عدم مصادقة معصوم على "مخالفة دستورية حنثاً باليمين".
وحذّرت نصيف من "اللجوء الى عقد صفقات سياسيّة لعرقلة تنفيذ الأحكام"، مبينة أنّ "ائتلافها يرفض أيّ صفقة سياسية على حساب دماء الشعب العراقي".
وأشارت نصيف الى أنّ "المادة 47 من الدستور نصّت على أن السلطات الاتحادية تتكون من السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وعلى الأخيرة أن تحترم قرارات السلطة القضائية باعتبار القضاء أحد الأعمدة الأساسية للدولة العراقية"، لافتة إلى أن "من بين القرارات التي يتوجب على السلطة التنفيذية الالتزام بها هي أحكام الإعدام".
وأكّدت أنّ "هذه الأحكام مرّت بسلسلة من الإجراءات والمحاكمات حتى اكتسبت الدرجة القطعية، ولا يمكن الطعن بها"، مشيرة إلى أنّه "لا يجوز لرئيس الجمهورية الامتناع عن المصادقة عليها، وفي حال امتنع فأن ذلك يعتبر حنثاً بيمينه وعدم التزام بالمادة 73 من الدستور"، بحسب البيان الصحافي الذي أصدرته.
ويتشابه موقف معصوم مع موقف سلفه جلال الطالباني الذي امتنع عن توقيع عدد كبير من أحكام الإعدام من بينها قرار إعدام الرئيس السابق صدام حسين، وهو ما دفع بالمالكي إلى توقيعه قبل ساعات من تنفيذ الحكم واعتبر آنذاك التوقيع غير دستوري كونه من صلاحيات رئيس الجمهورية وليس رئيس الوزراء.
غير أن الطالباني سمح لنائبه عامر الخزاعي بالتوقيع على تلك الأحكام مع تحمله المسؤولية الكامله عنها، وهو ما سهل تنفيذ العشرات من عمليات الإعدام خلال فترة حكومة المالكي.
بدوره، رأى رئيس منظمة "السلام العراقية لحقوق الإنسان"، محمد علي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن وجود حراك واسع داخل مؤسسة الرئاسة العراقية لمراجعة أحكام الإعدام، التي صدرت أثناء حكم المالكي، يتزامن مع ضغوطات دولية على العراق بعدما حلّ الرابع بعد إيران وكوريا الشمالية والصين بعدد أحكام الإعدام التي نفذها العام الماضي".
وبين أن "أحكام الإعدام إذا لم تراجع فستشكل شرخ آخر في المجتمع العراقي المنقسم طائفياً، بسبب عددهم المخيف".