يستغرب مسؤول عراقي بارز ازدواجية الحكومة العراقية في تعاملها مع ملف المليشيات العراقية، بين الرغبة الإيرانية في هذا الإطار، من جهة، والمطالب الأميركية في تحجيم دور تلك المليشيات بعد سلسلة الانتهاكات التي سجّلتها منظمات دولية وأممية باسم المليشيات، من جهة ثانية. ويكشف الوزير العراقي لـ"العربي الجديد"، عن عودة عناصر من حزب الله العراقي المنضوي في المليشيات إلى الأنبار (غرب العراق) بملابس الشرطة الاتحادية العراقية، وانتشارها في مناطق تصل مساحتها إلى 90 كيلومتراً، تبدأ من منطقة الحبانية شرق الفلوجة وتنتهي عند حدود مدينة الرمادي غرباً. ويبيّن الوزير ذاته أن عناصر حزب الله التفوا على القرار الأميركي بترتيب مع رئيس الحكومة حيدر العبادي، مرجّحاً أن "يكون الأميركيون على علم بذلك بدليل أنهم يتعاملون مع جميع القوات النظامية في المحافظة، باستثناء تلك القوات".
وتعرّضت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لانتقادات حادة في أوساط الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الأميركية التي اعتبرت أنّ تغوّل تلك المليشيات يهدد الدولة المدنية في العراق، وينذر بتفكّكه. ورفضت الولايات المتحدة إشراك مليشيات الحشد المؤلفة من 53 مليشيا، وبعدد إجمالي يتجاوز المائة ألف مقاتل اندمجوا ضمن هيئة أطلق عليها في ما بعد اسم "الحشد الشعبي"، وتتزعمها قيادات بارزة مقربة من إيران مثل هادي العامري، وقيس الخزعلي، وأبو مهدي المهندس في معارك محافظة الأنبار (غرب العراق)، كبرى مدن البلاد والحدودية مع ثلاث دول عربية هي السعودية، والأردن، وسورية، للانتهاكات التي يقومون بها في البلاد. كما رفضت واشنطن، أخيراً، إشراك تلك المليشيات في معارك الموصل (شمال العراق)، التي انطلقت، قبل أيام، في معارك وصفت بـ"التمهيدية"، والتي تهدف إلى استعادة الأراضي القريبة بالموصل بشكل تدريجي، وصولاً إلى حدود المدينة الإدارية التي يلفّها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بأحزمة من الألغام والمتفجرات.
ووفقاً للوزير العراقي ذاته، فإن 600 عنصر من حزب الله العراقي عادوا إلى الأنبار قبل أيام قليلة لكن ضمن قوات اللواء الآلي الثالث، التابع للشرطة الاتحادية العراقية. وانتشرت العناصر بملابس وآليات الشرطة الاتحادية، بدءاً من مدينة الحبانية 30 كيلومتراً شرق الفلوجة، مروراً بمنطقة الصديقية، ثم المضيق، وكلية الزراعة شرق الرمادي، وصولاً إلى محيط الملعب الأولمبي في الطرف الثاني شرق الرمادي.
هذه المعلومات يؤكدها ضابط آخر في الجيش العراقي بمحافظة الأنبار، أشار إلى أنّ هذه العناصر ليست الأولى التي تتستر بملابس القوات النظامية بعد قرار الحظر الأميركي عليها بالأنبار. ويضيف الضابط لـ"العربي الجديد"، أنّ "مليشيا العصائب موجودة أيضاً شرق الفلوجة، وترتدي ملابس جهاز مكافحة الإرهاب".
ويوضح أنّ "اللواء الآلي الثالث الذي تنكّرت فيه عناصر حزب الله تمّت هيكلته سابقاً بسبب تعرّضه لانكسارات كبيرة بمعارك ديسمبر/أيلول العام الماضي، وكلنا يعلم ذلك. كما أنّ فرق مهندسي إبطال المتفجرات الذين من المفترض أنهم تابعون لوزارة الداخلية، ويعملون، حالياً، داخل الرمادي، هم من عناصر مليشيا الوعد الصادق. ودمّر هؤلاء عدداً كبيراً من المنازل بذريعة لغم مستعصٍ وَجَبَ تفجيره، من دون أن يكلّفوا أنفسهم تفكيكه"، وفقاً للضابط العراقي.
اقرأ أيضاً العراق: مليشيا "الحشد" تتمرّد على قوانين الدولة
من جانبه، يصف القيادي في مجلس العشائر المناهضة للتنظيم، الشيخ غانم العسافي، معطيات المصادر السابقة بـ"الصحيحة والدقيقة"، مبيّناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عدد المليشيات ارتفع في الأنبار تحت غطاء قوات الأمن النظامية، منذ أسبوعين. ونخشى أحياناً الاصطدام معهم، لأنّ تصرفاتهم طائفية ولا يحترمون أحداً"، على حدّ قوله.
وعن احتمالية تنكّر هذه المليشيات بلباس أمني في الموصل، يعلّق القيادي بالتحالف الكردستاني العراقي حمة أمين على الأمر، قائلاً: "لا يمكن للإقليم معرفة من يدخل أراضيه للعبور إلى الموصل آتياً من بغداد، أو التحقّق من هويته إذا كان جندياً أم عنصراً مليشيوياً، لكن لدينا ضمانات أميركية بعدما توسطت واشنطن في حلّ هذا الموضوع، أنّ دخول القوات المرسلة من بغداد إلى كردستان سيكون مجرد ترانزيت، ولن تؤثر على أمن الإقليم وسلامة مواطنيه"، وفقاً للقيادي الكردستاني.
وعما إذا أُدخلت المليشيات بشكل علني إلى الموصل بعد تصريحات العبادي التي أيّد فيها مشاركة "الحشد" في المعركة، يقول أمين: "لن تدخل المليشيات بأسلحتها إلى كردستان وعليهم أن يجدوا طريقاً آخر"، واصفاً تواجدهم هناك وتقاربهم الأخير مع حزب "العمال الكردستاني" في سنجار بأنّه "يهدّد أمن الإقليم".
وتأتي تلك التطورات بعد تصريحات مثيرة للجدل للمتحدث باسم مليشيات "الحشد"، أحمد الأسدي، الذي قال في حديث تلفزيوني، إنّ "رئيس الوزراء حيدر العبادي أصدر أمراً ديوانياً، قبل نحو شهر، اعتبر فيه الحشد الشعبي قوة لمكافحة الإرهاب تتشكل من ألوية ومديريات ساندة وترتبط به مباشرة. وأرسل العبادي نسخة عن الأمر إلى البرلمان بهدف تشريعه قانونياً ليكون الحشد كقوة مكافحة الإرهاب مثل جهاز الأمن الوطني، وجزء من الأجهزة الأمنية"، وفقاً للأسدي. ولم تعلّق حكومة العبادي على هذا التصريح، إلّا أن سياسيين وبرلمانيين اعتبروا تحرّك العبادي، وإن كان صحيحاً، "جزءاً من محاولات العبادي لحشد الدعم لصالحه بعد أزمته مع التيار الصدري، ومحاولة لكسب الأطراف الشيعية الراديكالية المقرّبة من إيران"، وفقاً لهؤلاء السياسيين.
اقرأ أيضاً: اليوم الثاني لعمليات نينوى.. تقدّم بطيء وعشرات القتلى