من المتوقع دخول مرجعية النجف على خط الوساطة مجدداً في حسم الخلافات الحالية بين القوى السياسية العراقية، حول مرشحي الوزارات الأمنية وست وزارات أخرى لم يمنح البرلمان مرشحيها الثقة في جلسة نهاية الشهر الماضي، بسبب خلافات حادة بين معسكر البناء المقرب من طهران، الذي يعد نوري المالكي وهادي العامري أبرز رموزه، ومعسكر الإصلاح الذي يتزعمه مقتدى الصدر وحيدر العبادي وإياد علاوي. وهو ما اعتُبر بمثابة نهاية سريعة للتوافق بين المعسكرين الشيعيين، وعودة الخلافات على الملفات السياسية والأمنية.
ومن المقرّر، وفقاً لإعلان سابق من البرلمان، عقد جلسة خاصة، يوم غد الثلاثاء، يتم خلالها عرض مرشحي الوزارات المتبقية الثماني وهي الدفاع والداخلية والعدل والتخطيط والثقافة والتربية والتعليم العالي والهجرة. وتعدّ الدفاع والداخلية والتخطيط من الوزارات السيادية التي تم استثناؤها من وصفة حكومة التكنوقراط وتركها كما كانت سابقاً بيد مرشحي الأحزاب.
في هذا الإطار، قال مسؤول مقرّب من رئيس الوزراء لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الحكومة عادل عبد المهدي قد يطلب دعم النجف مرة أخرى في الضغط على الكتل السياسية لتسوية ملف إكمال النقص بحكومته". ووفقاً للمسؤول فإن "جهود عبد المهدي في إقناع كلا المعسكرين الشيعيين باءت بالفشل، ولم يبقَ سوى النجف بعد دخول محمد كوثراني الذي يعرف بالعراق على أنه مسؤول ملف العراق بحزب الله اللبناني، وكذلك السفير الإيراني إيرج مسجدي، لدعم ترشيح فالح الفياض لوزارة الداخلية، رغم رفض مقتدى الصدر وقوى سنية وكردية ذلك، على اعتبار أنه شخصية مؤدلجة وله ارتباطات بخارج العراق أكثر من داخله". وأكد أن "معسكر البناء (محور نوري المالكي ـ هادي العامري) يرفض أيضاً مرشحي وزارات أخرى قدمها الصدريون، وهذا ما يزيد من صعوبة الأزمة الحالية".
وأنهت حقيبة وزارة الداخلية الشاغرة في الحكومة حالة الصفاء الذي استمر أسابيع بين تحالف الفتح بزعامة العامري وكتلة سائرون بزعامة الصدر، إذ إنّ إصرار العامري على مرشحه (فالح الفياض) للحقيبة، قوبل برفض من قبل تحالف سائرون وبفيتو قاطع من الصدر.
وقال النائب عن تحالف الفتح أحمد الكناني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الفياض ما زال مرشحنا الوحيد لحقيبة للداخلية، ولم يطرأ أي تغيير في موقفنا، وأنّ الأسماء للوزارات ما زالت مطروحة"، مؤكداً أنّ "تمسكنا بالفياض قوبل برفض من قبل الإصلاح، وهناك خلافات بين الإصلاح والبناء أيضاً على ترشيحه، لكن بالنسبة لتحالف البناء يبقى الفياض هو المرشح الوحيد لنا، ولا بديل لنا عنه". وأشار إلى أننا "نسعى إلى التوافق مع الكتل الأخرى من أجل أن يكون الفياض وزيراً للداخلية"، مشيراً إلى أنه "في حال انعقاد جلسة التصويت، فلدينا إمكانية التصويت عليه من خلال التفاهمات مع الكتل البرلمانية الأخرى".
في المقابل، رفض تحالف سائرون مرشح تحالف الفتح، وحذّر من مغبة تسليم الوزارات الأمنية إلى أشخاص مرتبطين بأحزاب سياسية. وقال النائب عن سائرون، رامي السكيني، لـ"العربي الجديد": "ننصح كتحالف سائرون أن تكون هذه المقاعد الباقية من الوزارات لمهنيين ومستقلين، كونها تمثل هيبة الدولة، ولا نريد أن نكرر الأخطاء السابقة"، مؤكداً أنّ "الأخطاء الأمنية في الوزارات الأمنية يجب تلافيها من عادل عبد المهدي، ومن الوزراء الجدد، فالوضع الأمني شائك لا يمكن العبث به".
وشدّد على أنّ "تلافي الأخطاء يتطلّب خطوة صحيحة، والبدء بطريقة صحيحة من تقديم وزراء مهنيين مستقلين، لا تؤثر عليهم قرارات الأحزاب، ولا تؤثر عليهم قوى الأحزاب، وعلى أقل تقدير الوزارات الأمنية، وعكس ذلك سيبقى العراق دائراً بحلقة مفرغة من التردي الأمني"، داعياً إلى "انتقاء صحيح للوزراء حتى تبدأ خطوة صحيحة بالاتجاه الصحيح". وأوضح أنّ "ما طرحه عادل عبد المهدي نوعاً ما كان عليه الاعتراض في استراتيجية بناء الدولة، وليس على أشخاص معينين".
وأجج هذا الموقف المتقاطع بين تحالفي الفتح وسائرون إمكانية إكمال الحقائب المعطلة بحكومة عبد المهدي، فقد أكد النائب عن تحالف البناء، حامد الموسوي، أنّ "تحفظات تحالف سائرون على بعض المرشحين للتشكيلة الوزارية، هي التي أجهضت المساعي الرامية للتصويت على جميع الحقائب الوزارية خلال جلسة التصويت الأولى". ورأى أنّ "جذور هذه الخلافات تعود إلى انسحاب الفياض مع 20 نائباً من كتلة (النصر) بزعامة حيدر العبادي وانضمامهم إلى تحالف البناء".
وادّعت الكتل السياسية أنّها تركت الخيار لعبد المهدي، في اختيار مرشحيه للحقائب الوزارية، على أن يكونوا من المستقلين والتكنوقراط، بينما انتقد سياسيون ذلك الادعاء، معتبرين أنّ "صراع هذه الكتل فيما بينها لم يترك خياراً لعبد المهدي سوى ترشيح حزبيين لحكومته".
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، لـ"العرب الجديد"، إنّ "الصدر كان غير موفق في حديثه عندما يقول منحنا الحرية لعبد المهدي، فهم يفرضون رأيهم ويمررون من يريدون ويعملون على عدم تمرير الثمانية الباقين ممن لا يتماشون مع توجهاتهم"، مؤكداً أن "هذا تدخل واضح من قبل سائرون في عمل عبد المهدي".
ولفت إلى أنّ "هناك اتفاقاً كان بين سائرون والفتح على تمرير تشكيلة حكومية، وأنّ سائرون أخذت حصتها من وزارات الكهرباء والصحة والنفط"، معتبراً أنّ "الحديث عن أنّ هذا الوزير غير مستقل وغير متحزب هو حديث مجافٍ للحقيقة". وأشار إلى أنّ "كل السياسيين الموجودين اليوم في التشكيلة الحكومية هم متحزبون ويتبعون الأحزاب، والـ 14 وزيراً الذين تم تمريرهم هم غير مستقلين ويتبعون جهات معينة".
مصادر برلمانية عراقية أكدت لـ"العربي الجديد" أن "احتمال عدم عرض ما تبقى من وزارات شاغرة غداً الثلاثاء، وارد جداً، كما أنه قد تُمرّر أربع أو خمس وزارات، مثل الثقافة والهجرة والتربية والتعليم، لكن تمرير وزارات الدفاع والداخلية والتخطيط صعب في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل جلسة غد".