غير أن محمد ذي الخمسة عشر عاماً، وقبل يوم واحد فقط من بدء الامتحانات النهائية فجّر نفسه في مقهى يتجمع به أفراد المليشيات، فقتل بعضاً منهم، لكنه قتل من الأبرياء أكثر بكثير.
ووفقاً لمصادر في الشرطة العراقية في محافظة ديالى "أبلغت والدة الانتحاري محمد سمير خضير البالغ من العمر 15 عاماً قوات الشرطة بنيّة ابنها تنفيذ عملية انتحارية، وأنه يفكر بتفجير نفسه طالبة منها المساعدة في ذلك، ما استدعى الشرطة لاقتحام المنزل ومنازل أخرى يحتمل تواجده فيها، إلا أنها لم تعثر عليه طيلة يومي الجمعة والسبت الماضيين، ليفجر نفسه أول من أمس الأحد في مقهى يعج بالزبائن، ويرتاده أفراد المليشيات لشرب الشيشة ولعب القمار والدومينو".
الطفل الانتحاري الذي يعد أصغر الانتحاريين سناً حتى الآن في العراق، أثار ضجة كبيرة وفتح الباب أمام ردود فعل المواطنين العاديين إزاء ما يتعرضون له من جرائم على يد تلك المليشيات.
ووفقاً لإحصائية الشرطة فقد سقط جراء تفجير المقهى الشعبي يوم الأحد في حي المعلمين، وسط مدينة بعقوبة العاصمة المحلية لمحافظة ديالى (60 كم شرق بغداد)، 51 قتيلاً وجريحاً غالبيتهم من المواطنين البسطاء قضوا في التفجير، غير أن تواجد أفراد المليشيات جعل المقهى هدفاً للطفل الانتحاري.
وتقول فريال حسين (34 عاماً) وهي شاهد عيان في إفاداتها لـ"العربي الجديد" وقد كانت تستقل نفس الباص الذي ركبه الانتحاري للوصول إلى المقهى صباح الأحد، إنها لاحظت أن أحد الصبيان في الباص كثير الحركة والارتباك والالتفات، وكان يطلب من السائق كل خمس دقائق أن ينزله في مكان ما، ثم يغير رأيه ويقول له استمر حتى وصل سوق حي المعلمين، ونزل بالفعل.
وتتابع: "بعد أن تحرك الباص بدقيقتين سمعنا دويّ صوت انفجار قوي، علمنا بعده أن من كان معنا في الباص هو الشخص المفخخ الذي كانت تبحث عنه الأجهزة الأمنية بعد عدة تبليغات من والدته، وأنه قام بتفجير نفسه بعد أن طعن الشرطي الذي كان واقفاً قرب المقهى بالسكين وسط سوق حي المعلمين المزدحم بالمتبضعين يومها".
وأكدت أن الشاب كان صغيراً بالعمر، وإن الأجهزة الأمنية كانت تبحث عن شخص مفخخ نشرت صورته بين نقاط التفتيش، غير أنهم لم يعثروا عليه وتمكن بالفعل من تفجير نفسه.
من جهته، يقول علي محمود التميمي لـ"العربي الجديد"، وهو يعمل مدرساً في إحدى مدارس ديالى إن "الخبر شاع وانتشر ليس لندرة العمليات الانتحارية، بل لأن الانتحاري طفل، وطالب مدرسة أيضاً".
ويضيف: "أصدرت له بطاقة دخول الامتحانات وكانت درجاته عالية"، واصفاً ما حدث بأنه نتاج سياسات طائفية وقلة رعاية واهتمام وإعلام مشوه مدفوع الثمن.
ولفت إلى تعاطف السكان مع الأم المفجوعة بولدها، والتي أبلغت الجهات الأمنية وإدارة مدرسته أيضاً بالأمر كي يساعدوها، وخوفاً على أرواح المواطنين، مشيراً إلى أن الفتى ووالدته يعيشان في حي بسيط ويدرس في ثانوية الكندي للبنين، ولم يكن هناك خوف من سلوكه".
مصدر أمني من داخل البلدة تحدث لـ"العربي الجديد"، عن استدعاء الشرطة لوالدة الطفل الانتحاري وشقيقته لمعاينة الأشلاء".
وأوضح أن الأم "شاهدت رأسه فقط، وأجبرت على رؤيته، لكنها نفت أن يكون هذا رأس ابنها، ما زاد الشرطة ودوائر التحقيق حيرة، لتستأنف أجهزة مكافحة الإرهاب والاستخبارات رحلة البحث عن الانتحاري، خشية أن يصدق حدس الأم ويكون هناك فتى انتحاري آخر سبق الأول بالتفجير، بينما ما زال المعني لم يفجر نفسه بعد".