العراق: ضغوط لوقف قمع التظاهرات وبغداد ترفض "التدويل"

12 نوفمبر 2019
من التظاهرات في بغداد أمس (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
قال مسؤولان عراقيان في بغداد أحدهم مقرب من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الولايات المتحدة تسعى إلى تدويل ملف التظاهرات العراقية وتحشيد دول حليفة لها خلال الأيام المقبلة، وبعثت بإشارات حول ذلك، مؤكدين أنّ التدخل الأميركي الأول من نوعه يجعل مساعي بعض الأطراف السياسية والحكومية لفضّ التظاهرات وإنهاء الاعتصامات في الجنوب باستخدام القوة خياراً مستبعداً، ويعزز ذلك تحركات بعثة الأمم المتحدة في الساعات الماضية في بغداد والنجف.
وشهدت الساعات الماضية مواقف دولية وأممية ومحلية عدة حيال الأزمة، تترجم غالبيتها على أنها رفض للصفقة الإيرانية التي أبقت على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في منصبه، وبالتالي تعتبر تحدياً لمطالب الشارع في إقالة الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة تحت إشراف أممي. أبرز المواقف الدولية ما صدر عن البيت الأبيض في بيان أمس الاثنين اعتبر بمثابة التخلي عن كل أشكال الدعم للحكومة العراقية الحالية، بعد الدعوة إلى إيفاء الرئيس برهم صالح بوعوده والذهاب إلى انتخابات مبكرة والتنديد بقمع المتظاهرين.
وقال بيان البيت الأبيض، إنّ واشنطن "تريد من الحكومة العراقية وقف العنف ضد المحتجين والوفاء بوعد الرئيس برهم صالح بتبني إصلاح انتخابي وإجراء انتخابات مبكرة". وأعرب البيان عن قلقه العميق من الاعتداءات المستمرة على المتظاهرين والناشطين المدنيين ووسائل الإعلام، وحظر الإنترنت في البلاد.

وأوضح البيان أنّ "العراقيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي فيما تستنزف إيران موارد بلادهم وتستخدم مليشيات مسلحة وحلفاء سياسيين لمنعهم من التعبير عن آرائهم بشكل سلمي". وأضاف البيت الأبيض أنه "ينضم إلى الأمم المتحدة في دعوة الحكومة العراقية إلى وقف العنف ضد المتظاهرين وإقرار قانون الإصلاح الانتخابي وإجراء انتخابات مبكرة".
البيان الأميركي الأول من نوعه والذي يحمل إشارات واضحة إلى أنّ واشنطن لا تدعم حكومة عادل عبد المهدي الحالية ومؤيدة للتظاهرات، جاء بالتزامن مع تبدل واضح في موقف الأمم المتحدة، والتي دعت مساء الأحد في بيان لها إلى تنفيذ مطالب المتظاهرين، من دون الإشارة إلى وضع الحكومة أو الرئاسات الثلاث بالإجمال. كما أكدت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، من النجف، صباح أمس الاثنين، عقب لقائها المرجع الديني علي السيستاني، أن المرجعية أبدت قلقها من عدم جدية القوى السياسية للمضي في الإصلاحات.
وقالت بلاسخارت في حديث للصحافيين، إنّ "الأوضاع والظروف التي يمرّ بها العراق هي سبب الزيارة للمرجع السيستاني، الذي أكد خلال اللقاء ضرورة عدم استخدام العنف لأي سبب كان ضدّ المتظاهرين، ومحاسبة المتسببين بهذا العنف، ووقف الاعتقالات والخطف فوراً، وضرورة العمل على إجراء إصلاحات حقيقية خلال مدة معقولة". وبحسب بلاسخارت، فإنّ السيستاني أيّد إجراء قانون انتخابي موحّد، كما "أبدى قلقه من عدم جدية القوى السياسية حيال القيام بعملية الإصلاحات".
وأضافت نقلاً عن المرجع الديني الأعلى، "ألا يعود المتظاهرون السلميون إلى بيوتهم من دون تحقيق مطالبهم المشروعة، وإن لم تكن السلطات قادرة أو لا تريد تحقيق هذه المطالب، فلا بدّ من سلوك طريق آخر". وأكدت أنّ البعثة الأممية "تتابع ما حصل خلال الأسابيع الماضية، وهو نتيجة غضب وسخط كبيرين في الشارع لعدم تقديم الخدمات لمدة 16 سنة". وتابعت "حان الوقت الحقيقي لتنفذ السلطات العراقية ما يطلبه المتظاهرون، فهذا البلد لا يمكن أن يكون ساحةً للصراع بين البلدان".


في السياق، قال مسؤول عراقي بارز في بغداد، تحدّث لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف، إنّ "الأميركيين يسعون إلى تدويل ملف التظاهرات، وتحشيد حلفائهم الغربيين ودول في المنطقة من أجل استصدار موقف مماثل لهم من التظاهرات العراقية"، مقراً بأنّ الموقف الجديد "يجعل الحكومة والقوى السياسية أقلّ مقدرة على مواجهة التظاهرات بالقمع وكذلك الاستمرار بقطع الإنترنت".

بدوره، قال مسؤول آخر في وزارة الخارجية العراقية لـ"العربي الجديد"، إنّ البيان الأميركي الأخير الصادر عن البيت الأبيض، "بمثابة رفع الدعم عن الحكومة العراقية، والمطالبة بإقالتها عبر الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة"، مضيفاً أنّ "واشنطن ودول غربية أخرى تقف ضد التسوية أو الصفقة الإيرانية التي انتهت ببقاء الحكومة الحالية، وهو ما قد يكون سبباً رئيسياً للبيان الأميركي". وكشف المسؤول نفسه أنّ "الجانب الأميركي يتواصل مع الرئيس برهم صالح الذي تحول لناقل مواقف بين واشنطن وحكومة عبد المهدي، وهو ما يمكن اعتباره سابقة على مستوى العلاقات الأميركية العراقية منذ الغزو الأميركي للبلاد".
ورجّح المسؤول نفسه أن تكون هناك "مواقف أميركية غير تلك المتعلقة بالعمل على تدويل التظاهرات، من بينها ما يتعلق بمنح العراق استثناءات من التعامل مع إيران بشأن استيراد الغاز والكهرباء، فمن الممكن أن تنهي واشنطن هذا الاستثناء وتفرض بذلك على بغداد إما قطع التعامل مع إيران أو العقوبات". واعتبر في الوقت ذاته أنّ بيان البيت الأبيض هو "بيان تحذيري أكثر مما هو إعطاء جزء من الحلول، لكن لغاية اللحظة لا يوجد أي موقف أو رد رسمي من قبل بغداد على ما جاء في البيان، وهو قيد الدراسة من قبل الجهات العليا المختصة بهذا الشأن".
بدوره، قال رئيس "مركز التفكير السياسي" في بغداد، الدكتور إحسان الشمري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "استمرار التظاهرات في العراق لأكثر من 40 يوماً وسقوط أكثر من 300 شهيد و15 ألف جريح، كان عامل ضغط على الولايات المتحدة ، التي تعتبر راعية العملية السياسية والتغيير في العراق منذ 2003". وأضاف الشمري أنّ "بيان البيت الأبيض، كان واضحاً وهو دعوة المجتمع الدولي للانضمام إلى أميركا لدعم مستقبل أفضل للعراق والعراقيين، وهذا يبين أن العراق يتجه نحو التدويل".
في المقابل، قال عبد الأمير الدبي، النائب عن تحالف "الفتح" (الداعم لحكومة عبد المهدي)، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "بيان البيت الأبيض يعتبر تدخلا سافرا وصارخا في الشأن العراقي"، موضحاً أنّ "الأميركيين متناسين أنّ هناك مرجعية دينية لها الكلام الفصل في ما يخص العراق، وسبق أن أعلنت أنها ترفض التدخل الخارجي، سواء كان فرديا شخصيا أو تدخلا دوليا في شؤون الشعب العراقي". وشدد الديبي على أنّ "على وزارة الخارجية العراقية، أن يكون لها رد مناسب تجاه بيان البيت الأبيض، ليعكس رأي الشعب العراقي بشكل عام من شماله إلى جنوبه، كما يعكس رأي المرجعية، الذي طرحته، الرافض للتدخل الخارجي في الشأن العراقي".

بدوره، وصف النائب عدنان فيحان، رئيس كتلة "صادقون" النيابية، الجناح السياسي لمليشيا "العصائب"، البيان الأميركي بأنه صادر عن "البيت الأسود". واعتبر أن "‏تصريح البيت الأسود يؤكد تدخله في الشأن العراقي، واستغلاله الحراك الشعبي التصحيحي الذي يقوده شباب العراق". وتابع متسائلاً: "‏من أسّس الطائفية؟ من زرع المحاصصة التي دمرت البلد؟ من شرّع للفساد الذي ضيّع ثروات البلد؟ أليس قانون بريمر"، في إشارة إلى بول بريمر الحاكم المدني الأميركي للعراق إبان الاحتلال.

في غضون ذلك، كسر زخم التظاهرات في الشوارع والميادين العراقية جنوبي البلاد ووسطها، فضلاً عن العاصمة بغداد، أمس الاثنين، رهان الحكومة على ثلاثية القمع والوقت وضجر المتظاهرين ويأسهم، وكذلك الوعود المتتالية للتخفيف من حدة الاحتجاجات. وشهدت مدن البصرة وذي قار والنجف وكربلاء وواسط والمثنى وبابل والقادسية وميسان، فضلاً عن بغداد، أمس الاثنين، تظاهرات حاشدة بعد ليلة دامية في ذي قار، قُتل فيها 5 متظاهرين، وأُصيب قرابة 300 آخرين، يُضاف إليهم متظاهران اثنان في بغداد قتلوا قرب ساحة الخلاني، فيما أصيب نحو مائة آخرين، هذا فضلاً عن اعتقالات واسعة في البصرة وكربلاء وبلدات جنوبية أخرى طاولت عشرات المتظاهرين والناشطين.


وارتفع عدد ضحايا التظاهرات العراقية منذ انطلاقتها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفقاً لمسؤول عراقي طبي تحدّث لـ"العربي الجديد"، إلى 324 قتيلاً، بينهم ثلاث فتيات، أصغرهم مَن بات يُعرَف بـ"عباس كربلاء"، وهو الفتى عباس فاضل (14 عاماً)، وأكبرهم ناجي عويد (68 عاماً) الذي قضى متأثراً بالاختناق بالغاز في ساحة التحرير ببغداد. وأشار المسؤول إلى أنّ من بين الضحايا طبيبين ومسعفاً، فضلاً عن أكثر من 15 ألف مصاب غادر ثلثاهم المستشفيات بعد تلقيهم العلاج، فيما تتصدر بغداد والبصرة وكربلاء وذي قار وميسان قائمة المدن الأكثر سقوطاً للضحايا.

في السياق، قال عضو الحزب الشيوعي العراقي عن فرع الجنوب، محمد سعدي الملا، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تبرير العنف ليوم أو يومين على أنه أخطاء فردية أو تصرف بغير أوامر مركزية يمكن قبوله، لكن أن يستمر القمع بهذا المستوى لتسعة عشر يوماً لا يعني سوى أنها توجيهات حكومية ومركزية لمواجهة التظاهرات". وأضاف: "لا أدري كيف يمكن الحكومة الاستمرار بالنفي، لكن ما أعرفه أنّ القمع يزيد من غضب الشارع".
من جهته، أكد ناشط في مدينة الناصرية لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أنّ "مدن محافظة ذي قار الرئيسية، الناصرية والرفاعي وسوق الشيوخ، تشهد حملة اعتقالات واسعة، يصاحبها ضرب وإهانات من قبل قوات الأمن"، مضيفاً أنّ "الأمر نفسه يحصل في الديوانية مركز محافظة القادسية المجاورة، فضلاً عن العمارة مركز محافظة ميسان".
وفي بغداد، تمكّن المتظاهرون أمس من استعادة ساحة الخلاني بعد أن فقدوها مساء الأحد، حيث نجح عدد من المتظاهرين في إسقاط حواجز إسمنتية وضعتها قوات الأمن، وعادوا إلى مراكزهم السابقة.
ومع استمرار قطع السلطات العراقية خدمة الإنترنت، أكد صحافيون عراقيون لـ"العربي الجديد"، من العاملين في مكاتب قنوات فضائية وشركات بثّ، أنّ عدداً من المحللين والضيوف الدائمين على القنوات، صاروا يعتذرون عن عدم الظهور على الشاشات للحديث عن التظاهرات مقابل سيطرة شبه واضحة للأصوات والشخصيات المؤيدة للحكومة.