العراق: ساعات حاسمة للكتلة الكبرى بعد المصادقة على الانتخابات

20 اغسطس 2018
تسعى إيران إلى إحداث انشقاق داخل تحالف العبادي(دومينيكا زارزيكا/Getty)
+ الخط -
تتسارع الأحداث السياسية والحوارات واللقاءات في العراق لناحية تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى، تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو الأمر الذي يتوقّع أن يزداد زخمه مع مصادقة القضاء العراقي أمس الأحد، على نتائج الانتخابات العراقية، ومع بروز معطيات جديدة لناحية التحالفات بين الكتل. وكانت اللقاءات الأخيرة التي جمعت تحالف "الفتح" الذي يمثّل مليشيات "الحشد الشعبي"، وكتلة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي من جهة، بالكتل السنية الرابحة في الانتخابات التي أجريت في مايو/ أيار الماضي، وأبرزها "تحالف القرار" الذي يترأسه خميس الخنجر، من جهة أخرى، قد دفعت ببقية الأحزاب إلى الإسراع في حسم ملف التحالف الأكبر. وفي الوقت الذي تؤكد فيه القوى السنية المنضوية في تحالف "المحور الوطني"، تقاربها من "الفتح" و"دولة القانون"، مع بروز مؤشرات إيجابية في الحوار بينهم، تشير المعلومات إلى أن تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، وكتل "الحكمة" الذي يتزعمه عمار الحكيم و"الوطنية" الذي يتزعمه إياد علاوي، و"النصر" الذي يتزعمه حيدر العبادي"، والأحزاب الكردية الرئيسية، قطع شوطاً كبيراً في سياق إعلان التحالف. ويرغب كل من المعسكرين، الصدر ــ العبادي ــ علاوي ــ الحكيم ــ الأكراد من جهة، والحشد ــ المالكي ــ خنجر من جهة ثانية، في جمع 160 نائباً (من أصل 329) لحسم هوية التحالف المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.

وكانت الأجواء تفيد بأنه عصر أمس سيتم الإعلان عن تحالف العبادي-الصدر-علاوي-الحكيم مع الحزبين الكرديين الرئيسيين، ليجمع هؤلاء أكثر من 165 مقعداً برلمانياً من أصل 229 بينما العدد المتبقي لصالح معسكر المالكي وهادي العامري. لكن حراكاً إيرانياً مكثفاً استهدف عرقلة إعلان هذا التحالف، من خلال الضغط على ما بين 20 إلى 30 نائباً من كتلة حيدر العبادي لدفعهم إلى الانشقاق عنه والتوجه الى المعسكر الثاني الذي ترعاه إيران. وتركزت هذه الضغوط على كتلة عطاء (نائبان) بزعامة فالح الفياض وكتلة حزب الفضيلة (8 نواب) بزعامة عبد الحسين الموسوي المنضويتين في كتلة "النصر". وبالفعل، أعلنت قيادات من تحالف النصر بينهم فالح الفياض، بعدم الالتزام بدخول ائتلاف النصر في "تحالف محدود مع بعض الكتل". وقال الفياض وعدد من القيادات في بيان مشترك نقلته وسائل إعلام عراقية إنه "ايماناً منا بضرورة ان تكون الكتلة ممثلة لكل القوى السياسية الوطنية وتأكيداً على حرصنا لأوسع تمثيل للكتل المعنية باختيار المرشح لرئاسة الوزراء مع عدم استبعاد اَي طرف معني بذلك، نعلن عدم التزامنا بما يتردد من دخول ائتلاف النصر في تحالف محدود مع بعض الكتل السياسية المحترمة والذي يتناقض مع ما أكدناه سابقاً".

ولفتت مصادر تحالف سائرون إلى أنّ مقتدى "الصدر سيجري خلال ساعات لقاءات سياسية مهمة في بغداد، لتشكيل الكتلة الكبرى". وتأتي كل هذه التطورات مع وصول ممثل الرئيس الأميركي، برت ماكغورك، وقائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ومجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى علي خامنئي، إلى بغداد، في إطار سعي كل من واشنطن وطهران إلى ترجيح كفة محور مفضل بالنسبة لكل منهما لتشكيل الحكومة.

إلى ذلك، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية في العراق أعلنت المحكمة الاتحادية العليا في البلاد، أمس الأحد، المصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية. وقال المتحدث باسم المحكمة، إياس الساموك، في بيان صحافي، إنّ "المحكمة أصدرت قراراً بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، خلال جلسة عقدت صباح اليوم (أمس)، بحضور أعضائها بعددهم المتكامل، والنظر في طلب تصديق النتائج النهائية". وأضاف أنّ "المحكمة دققت في الأسماء الواردة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وأرفقته بكتابها المؤرخ في 17 أغسطس/ آب الحالي"، مبيناً أنّه "بعد التدقيق والمداولة حول الأسماء الواردة والاعتراضات على بعض منها، أصدرت المحكمة بعد ظهر اليوم (أمس) قرارها بالمصادقة على الأسماء الواردة، حيث صدر القرار باتفاق الآراء".

وبالعودة إلى الحراك السياسي بشأن الكتلة الكبرى، قال القيادي في تحالف "سائرون"، أيمن الشمري، في تصريح صحافي أمس، إنّ "أغلب الكتل السياسية تعاطت بشكل إيجابي مع مبادرة الصدر بشأن تشكيل الحكومة"، مؤكداً أنّ الأخير "هو الجزء الأهم في المفاوضات، والكتل التي عارضت مشروعه بشأن تشكيل الحكومة، اقتنعت الآن، وتتعاطى بشكل إيجابي معه".


بدوره، أكّد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تحالف سائرون يقترب كثيراً من ائتلاف النصر، وتياري الحكمة والوطنية"، موضحاً أنه "من الصعب التقارب مع الفتح أو دولة القانون". وبيّن أنّ "سائرون يمثّل قطباً والفتح ودولة القانون قطباً آخر".

وأضاف أنّ "الخطوط العريضة لعملنا بشأن التحالف الأكبر أو الكتلة الكبرى قريبة من الانتهاء، وسيعلن عنه بعد عيد الأضحى"، لافتاً إلى أنّ "تحالفه يلتقي مع ائتلاف النصر في محاور عديدة، ضمن المنهج السياسي للطرفين". وبشأن شرط العبادي بنيل الولاية الثانية للحكم، أشار إلى أنه "لم يتحدّث أحد عن شرط العبادي بالولاية الثانية، فمن الممكن للعبادي أن يترشّح عن ائتلافه، ولكن ليس هناك أي بوادر لاشتراط العبادي علينا أو على تحالفات أخرى أن يكون هو رئيس الحكومة في المرحلة الجديدة".

وتابع "نحن نعمل على تشكيل تحالف قوي يخدمنا في تنفيذ برنامجنا الوطني والسياسي، ونسعى نحو تشكيل الحكومة، وتركنا احتمال المعارضة كخيار أخير لنا"، موضحاً أنّ "أعضاء سائرون تلقوا دعوة للحوار مع تحالف القرار والشخصيات السنية مثل أسامة النجيفي وخميس الخنجر، وهناك اتصالات بيننا، وخلال الأيام المقبلة سنختبر المواقف ونباشر بحسم الأمور". وأكّد فهمي أنه "لن نتعامل مع الأحزاب كممثلين عن مكوّن معيّن، نحن نتعامل معهم كأطراف سياسية وجزء من المكونات العراقية، ولن نستقبل أي حزب يدعي تمثيله لمكوّن عراقي، وسنلتزم بالتوقيتات الدستورية من أجل بناء التحالف الأكبر".

ويلوّح ائتلاف "دولة القانون" إلى أنّه "يتعامل خلال الحوارات مع الجبهات السياسية المختلفة على أساس المصلحة العامة وليس الخلافات الشخصية"، في إشارة إلى مقتدى الصدر الذي لا يتفق مع المالكي، ولا يحاوره إلا بعد تطبيق شروط عدة، أبرزها الاعتذار لأهالي الموصل بعد سقوط مدينتهم بيد عناصر تنظيم "داعش".

وفي هذا الإطار، قال سعد المطلبي، وهو مقرّب من المالكي، إنّ "ائتلاف دولة القانون يتعامل مع باقي الأحزاب التي فازت بواسطة أصوات الجماهير العراقية وفق المصلحة العامة، ونتعامل مع الجميع. لا نراعي قضية الخلافات الشخصية، لأن إدارة الدولة لا توجد فيها مواقف ثابتة". وشدّد المطلبي في حديث مع "العربي الجديد" على أنه "لدينا تقارب مع الكتل السياسية التي تؤمن بثوابت العملية السياسية، ولا سيما بالأغلبية السياسية (مشروع المالكي) والابتعاد عن المصالح والتوافقات السابقة والمحاصصة".

وأضاف المطلبي أنّ "أكثر من 25 عضواً في ائتلاف النصر التابع للعبادي، يودّون الالتحاق بجبهة الفتح مع دولة القانون، وأعربوا عن أملهم بالانتماء لتحالفنا الذي سيكون الأكبر. ودولة القانون ستتمكّن من صناعة الكتلة الكبرى وتشكيل الحكومة بواسطة كل مكونات العراق الموجودة في التحالف".

أما عضو "المحور الوطني"، عمر الهيجل، فأوضح أنّ "التوجّه الحالي للقوى السنية هو الخروج من التخندقات الطائفية والذهاب إلى حكومة أغلبية سياسية، تشارك فيها جميع مكونات الشعب، بالإضافة إلى ترك مساحة لظهور جبهة معارضة وطنية من أجل أن يسير عمل المؤسسات بشكل صحيح". وأشار الهيجل في حديث صحافي إلى أنّ "الأغلبية السياسية لن تتحقق من دون المشاركة مع القوى الأخرى، وبالتالي تقاربنا من ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح هو أمر إيجابي للذهاب باتجاه الأغلبية".

وما يزال قرار الأحزاب السنية وتقاربها من "الفتح" و"دولة القانون" مربكاً، بسبب نتائج الانتخابات التي أدرجت الأحزاب السنية ضمن خانة الأحزاب الصغيرة، بحسب النائب السابق في البرلمان العراقي مطشر السامرائي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "المكون العربي السني لم يتمكّن من صناعة كتلة كبيرة، تكون هي المحور الذي تلتف حوله باقي الأحزاب والكتل، بسبب نتائج الانتخابات التي أضعفت حظوظ السنة". وأوضح السامرائي أنّ "الخلاف الأميركي الإيراني سيلعب دوراً كبيراً في تحديد شكل المرحلة المقبلة، وسيكون هناك ضغط أميركي على جهات سياسية من أجل منع الأحزاب الموالية لإيران من تسلّم مناصب سيادية مهمة".

بدوره، رأى المحلّل السياسي العراقي، واثق الهاشمي، أنّ "الحوارات بين الأحزاب السياسية ما تزال عبارة عن تفاهمات، واللقاءات التي تجمع قادة الأحزاب ما هي إلا حلبة صراعات كلامية، فالمحور السني بدأ يلتقي بهادي العامري والمالكي وفالح الفياض، وباتوا قريبين من تشكيل الحكومة الجديدة ضمن التحالف الأكبر الذي سيجمعهم. هذا الحدث جاء بعد أن ضمنت الأطراف حصصها واتفقت على آلية إدارة الدولة الجديدة".

وبيَّن الهاشمي في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "العراق لن يشهد أي كتلة عابرة للطائفية، فالبيوت القومية والمذهبية ستعود للتخندق من جديد"، موضحاً أنّ "سائرون إذا اندمجت في الحكومة، فسنعود إلى المربع الأوّل الذي كنا عليه خلال المراحل الماضية، من خلال مسميات مثل حكومة الشراكة الوطنية والمحاصصة، ولكن توجه سائرون إلى المعارضة سيكون هو الحلّ الأفضل، شرط أن تكف إيران عن الضغط على زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر".

المساهمون