19 نوفمبر 2024
العراق.. ذكرى الموت
لم يعد نيسان شهر الخصب والنماء والربيع وتفتح الأزهار في العراق، منذ صار التاسع منه يؤرخ لحدث مفصلي، ليس في تاريخ هذا البلد وحسب، وإنما في تاريخ المنطقة، وربما حتى العالم، فمع إطلالة نيسان، ومنذ 14 عاما والعراقيون يستذكرون واحدا من أبشع مراحل تاريخهم، حديثها وقديمها، ففيه كانت دبابات الغزاة الأميركان تجوب شوارع بغداد، في مشهدٍ ما كان يتخيله أحد منهم، ولاحقا يتحول هذا المشهد واقعاً يومياً، يبدأ معه العراقيون بالتعايش، على مضض وألم ومزيد من الدم.
تحل الذكرى الرابعة عشرة لاحتلال العراق من دون تغيير كبير في المشهد، فالمحتل الذي غادر لاحقا بعد نحو ثمانية أعوام من الاحتلال والقتل والدمار، يعود مجدّدا، وهذه المرّة في ظل كذبةٍ أخرى غير التي ساقها قبل العام 2003، فمن كذبة أسلحة الدمار الشامل إلى كذبة محاربة الإرهاب و"داعش"، يبدو أن واشنطن عازمة على احتلال جديد للعراق.
تشير التقديرات والإحصائيات التي نشرتها وزارة التخطيط في العراق أن نسبة الفقر في البلاد تجاوز 35%، في وقت احتل فيه العراق قائمة الدول العشر الأكثر فسادا في العالم، يقابله ارتفاع كبير في حجم الدين العام، ليصل إلى أكثر من 119 مليار دولار، على الرغم من أن هذا الرقم الذي أعلنت عنه اللجنة المالية في البرلمان العراقي لا يشمل كل الديون العراقية في غياب أرقام دقيقة بهذا الخصوص.
وكانت قائمة القتلى والمعوزين والمهجرين والأيتام والأرامل قاتمة، تضم أرقاما يصعب تصديقها، فعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة عن عدد القتلى من العراقيين منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، إلا أن تقديراتٍ اعتمدت إحصائيات ما تنشره الحكومة العراقية من بيانات عن أعداد القتلى بشكل يومي أفادت بأن العراق دخل العام 2017 بأكثر من 600 ألف قتيل منذ الغزو الأميركي.
الأمم المتحدة، ولمناسبة اليوم العالمي لليتيم، أصدرت إحصائية فيها أن عدد الأيتام في العراق بلغ أكثر من أربعة ملايين يتيم، بينما كانت الإحصائية الخاصة بالأرامل في العراق صادمة، حيث قال نواب عراقيون إن عدد الأرامل تجاوز المليونين.
ولم تنته جردة حساب سنوات الاحتلال الأميركي للعراق بعد، فهناك نحو سبعة ملايين عراقي بين نازح ومهجر، بينما لا تعرف بالدقة أعداد المغيبين والمفقودين والمختطفين والمسجونين داخل سجون خاصة، بعضها تابع للأحزاب والمليشيات المختلفة.
قاتمة وسوداوية تلك الأرقام، وما يزيدها قتامة أن لا ضوء في نهاية نفق الموت الذي وضع العراقيون فيه، فالموصل التي تجري فصول إبادتها على مرأى العالم ومسمعه، ما هي إلا استكمال لحلقة الموت المفرغة التي تدور منذ أربعة عشر عاما، بل إنها باتت الأسوأ بين المجازر التي شهدها العراق، منذ يوم الغزو الأسود.
العراق، وبعد 14 عاما من الاحتلال الأميركي وتداعياته، وفي ظل الهيمنة الإيرانية التي باتت تتحكم بكل شيء في هذا البلد، يبدو أقرب من أي وقت مضى للتفكيك والتقسيم، فالأكراد، وقد ملوا من عراقٍ موحد مع ثلةٍ من المرتزقة وأقزام المنطقة الخضراء ينادون بالانفصال والاستقلال، في وقت لا يبدو أن العرب السنة، وبعد مرارات الأعوام الأربعة عشر، وما عانوه من اضطهاد حكومة بغداد لهم، أحسن حالا من الأكراد. صحيح أنه لا يبدو هناك أفق لانفصال مناطق العراق السنية، ولكن على الأقل هم اليوم يطمحون بحكومة فيدرالية، يعتقدون أنها يمكن أن تخلصهم من ظلم المركز.
عوّل بعضهم على رئيس الوزراء، حيدر العبادي، في أنه يمكن أن يكون فاصلة غير معتادة في سجل حكام العراق عقب 2003، وخصوصا سلفه نوري المالكي، إلا أن ذلك سريعا ما بدأ يتبخر، بعد أن عاد العبادي من جولته الخارجية أخيرا، وتحديدا زيارته واشنطن ولقاءه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأيضا مشاركته في القمة العربية في الأردن.
عدّ بعضهم تصريحات العبادي، أخيرا، في بغداد انقلابا على وعوده التي أعطاها في واشنطن أو في الأردن، فقد ارتفعت نبرته في وجه كل من يتحدّث عن الحشد الشعبي وإمكانية حله وتفكيكه، بل إنه دافع حتى عن المجازر التي وقعت في الموصل بفعل الطيران الدولي وبمشورة من قواته على الأرض، وراح يتهم كل من يتحدّث عن تلك المجازر بأنه يحاول إنقاذ "داعش".
يروّج بعضهم اليوم نظريات كثيرة متعلقة بإنقاذ العراق، وخصوصا في ظل إدارة ترامب، إلا أن واقع الحال يؤكد أن شيئا لم يحصل إلى الآن، فما زال العبادي مدعوما من تلك الإدارة، وما زالت تحركات ترامب بطيئةً في الحد من النفوذ الإيراني في العراق، هذا إذا كان صادقا.
يدخل العراق عامه الرابع عشر من الغزو الأميركي متوكئا على عكازة من ضحايا وأرامل وأيتام ومشردين ونازحين ومعاقين ومرضى ومهجرين ومتسربين من مدارسهم وفساد وديون ومليشيات وقتلة، فماذا يمكن أن يكون المستقبل، يا ترى؟
تحل الذكرى الرابعة عشرة لاحتلال العراق من دون تغيير كبير في المشهد، فالمحتل الذي غادر لاحقا بعد نحو ثمانية أعوام من الاحتلال والقتل والدمار، يعود مجدّدا، وهذه المرّة في ظل كذبةٍ أخرى غير التي ساقها قبل العام 2003، فمن كذبة أسلحة الدمار الشامل إلى كذبة محاربة الإرهاب و"داعش"، يبدو أن واشنطن عازمة على احتلال جديد للعراق.
تشير التقديرات والإحصائيات التي نشرتها وزارة التخطيط في العراق أن نسبة الفقر في البلاد تجاوز 35%، في وقت احتل فيه العراق قائمة الدول العشر الأكثر فسادا في العالم، يقابله ارتفاع كبير في حجم الدين العام، ليصل إلى أكثر من 119 مليار دولار، على الرغم من أن هذا الرقم الذي أعلنت عنه اللجنة المالية في البرلمان العراقي لا يشمل كل الديون العراقية في غياب أرقام دقيقة بهذا الخصوص.
وكانت قائمة القتلى والمعوزين والمهجرين والأيتام والأرامل قاتمة، تضم أرقاما يصعب تصديقها، فعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة عن عدد القتلى من العراقيين منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، إلا أن تقديراتٍ اعتمدت إحصائيات ما تنشره الحكومة العراقية من بيانات عن أعداد القتلى بشكل يومي أفادت بأن العراق دخل العام 2017 بأكثر من 600 ألف قتيل منذ الغزو الأميركي.
الأمم المتحدة، ولمناسبة اليوم العالمي لليتيم، أصدرت إحصائية فيها أن عدد الأيتام في العراق بلغ أكثر من أربعة ملايين يتيم، بينما كانت الإحصائية الخاصة بالأرامل في العراق صادمة، حيث قال نواب عراقيون إن عدد الأرامل تجاوز المليونين.
ولم تنته جردة حساب سنوات الاحتلال الأميركي للعراق بعد، فهناك نحو سبعة ملايين عراقي بين نازح ومهجر، بينما لا تعرف بالدقة أعداد المغيبين والمفقودين والمختطفين والمسجونين داخل سجون خاصة، بعضها تابع للأحزاب والمليشيات المختلفة.
قاتمة وسوداوية تلك الأرقام، وما يزيدها قتامة أن لا ضوء في نهاية نفق الموت الذي وضع العراقيون فيه، فالموصل التي تجري فصول إبادتها على مرأى العالم ومسمعه، ما هي إلا استكمال لحلقة الموت المفرغة التي تدور منذ أربعة عشر عاما، بل إنها باتت الأسوأ بين المجازر التي شهدها العراق، منذ يوم الغزو الأسود.
العراق، وبعد 14 عاما من الاحتلال الأميركي وتداعياته، وفي ظل الهيمنة الإيرانية التي باتت تتحكم بكل شيء في هذا البلد، يبدو أقرب من أي وقت مضى للتفكيك والتقسيم، فالأكراد، وقد ملوا من عراقٍ موحد مع ثلةٍ من المرتزقة وأقزام المنطقة الخضراء ينادون بالانفصال والاستقلال، في وقت لا يبدو أن العرب السنة، وبعد مرارات الأعوام الأربعة عشر، وما عانوه من اضطهاد حكومة بغداد لهم، أحسن حالا من الأكراد. صحيح أنه لا يبدو هناك أفق لانفصال مناطق العراق السنية، ولكن على الأقل هم اليوم يطمحون بحكومة فيدرالية، يعتقدون أنها يمكن أن تخلصهم من ظلم المركز.
عوّل بعضهم على رئيس الوزراء، حيدر العبادي، في أنه يمكن أن يكون فاصلة غير معتادة في سجل حكام العراق عقب 2003، وخصوصا سلفه نوري المالكي، إلا أن ذلك سريعا ما بدأ يتبخر، بعد أن عاد العبادي من جولته الخارجية أخيرا، وتحديدا زيارته واشنطن ولقاءه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأيضا مشاركته في القمة العربية في الأردن.
عدّ بعضهم تصريحات العبادي، أخيرا، في بغداد انقلابا على وعوده التي أعطاها في واشنطن أو في الأردن، فقد ارتفعت نبرته في وجه كل من يتحدّث عن الحشد الشعبي وإمكانية حله وتفكيكه، بل إنه دافع حتى عن المجازر التي وقعت في الموصل بفعل الطيران الدولي وبمشورة من قواته على الأرض، وراح يتهم كل من يتحدّث عن تلك المجازر بأنه يحاول إنقاذ "داعش".
يروّج بعضهم اليوم نظريات كثيرة متعلقة بإنقاذ العراق، وخصوصا في ظل إدارة ترامب، إلا أن واقع الحال يؤكد أن شيئا لم يحصل إلى الآن، فما زال العبادي مدعوما من تلك الإدارة، وما زالت تحركات ترامب بطيئةً في الحد من النفوذ الإيراني في العراق، هذا إذا كان صادقا.
يدخل العراق عامه الرابع عشر من الغزو الأميركي متوكئا على عكازة من ضحايا وأرامل وأيتام ومشردين ونازحين ومعاقين ومرضى ومهجرين ومتسربين من مدارسهم وفساد وديون ومليشيات وقتلة، فماذا يمكن أن يكون المستقبل، يا ترى؟