العراق: تمدد "داعش" يفرز تغييرات ديمغرافية غير مسبوقة

11 مايو 2015
أفقد النزوح العديد من المناطق تنوعها السكاني(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تشهد مناطق عديدة في شمال وشرق العراق تغييراً ديمغرافياً هو الأكبر منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، نتيجة تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" وسيطرته على أجزاء واسعة من شمال العراق، على وجه التحديد منذ منتصف العام الماضي. وهو الأمر الذي خلف نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون من النازحين وآلافاً عدة من القتلى والأسرى لدى التنظيم.
تقول حكومة إقليم كردستان العراق، إن 1.4 مليون عراقي، من مختلف المكونات القومية والدينية من سكان محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى ونسبة أقل من الأنبار، لجأوا إلى الإقليم خلال فترة وجيزة بدءاً من يونيو/ حزيران 2014. وقد تسبب ذلك في زيادة عدد سكان الإقليم بنسبة 28 في المائة، وفقاً للتقديرات الرسمية.
ففي محافظة واحدة هي نينوى، اضطر قرابة مليون من سكانها إلى النزوح. البعض انتقل إلى إقليم كردستان وقسم ذهب إلى كركوك. واختار آخرون التوجه جنوباً، فيما فضل قسم آخر أن يهاجر إلى الخارج نتيجة سيطرة تنظيم "داعش" على معظم مناطق المحافظة.
وشمل النزوح مختلف مكونات نينوى. من المسيحيين هناك تقديرات تتعلق بنزوح 45 ألفاً، أما الأيزيديون (أكراد) فهناك 280 ألف نازح، وهناك نحو 8 آلاف من الشبك، وعدد من الأسر التركمانية ومن الكاكائية وغيرهم.
خارطة النزوح بين مناطق العراق الشمالية أحدثت تغييراً ديمغرافياً غير مسبوق منذ عقود، إذ فقدت القرى والبلدات الصغيرة (النواحي) والأكبر (الأقضية) تنوعها السكاني لأول مرة. ولم يعد الأكراد والمسيحيون والتركمان والعرب يسكنون معاً في منطقة واحدة. وبات كثير من المناطق إما خالياً من السكان أو يتواجد فيه عدد محدود من أُسر المسلحين أو المتعاونين معهم.

اقرأ أيضاً: العراق: تغييرات ديمغرافية وإدارية تنذر بحرب أهلية

رئيس هيئة حقوق الإنسان التابعة لبرلمان إقليم كردستان، ضياء بطرس، يؤكد أن سكان مناطق واسعة في العراق تضرروا من تمدد مسلحي "داعش"، بينهم سكان مناطق سهل نينوى وسنجار. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك ما لا يقل عن 280 ألفاً من الأيزيديين، نزحوا عن سنجار ومناطق أخرى ضمن محافظة نينوى إلى مناطق إقليم كردستان. كذلك هناك 123 ألفاً من سكان مناطق سهل نينوى من المسيحيين والأكرد والأيزيديين نزحوا عن مناطقهم هرباً من داعش، وهناك 8 ألاف من مجموعة الشبك نزحوا، ومئات الأسر من جماعة الكاكائية".
ويتوقع بطرس أن يكون نحو مليون من سكان مناطق محافظة نينوى المختلفة قد نزحوا عن مناطقهم منذ يونيو/حزيران 2014، بعد استيلاء "داعش" على المحافظة، مشيراً إلى أنه "مع استمرار سيطرة التنظيم على المناطق الخاضعة له سيكون قد تسبب بتغيير ديمغرافي واسع في مناطق شمال العراق، عدا عن تدمير البنية التحتية فيها".
ويستبعد رئيس هيئة حقوق الإنسان التابعة لبرلمان إقليم كردستان أن "تتفق الأطراف السياسية العراقية والحكومة والبرلمان، وتوحّد مواقفها من تشكيل قوات وتأهيلها لتتمكن من تحرير نينوى". ويعتبر أن "تمدد داعش في المنطقة جاء أساساً نتيجة الخلافات بين الأطراف السياسية العراقية واهمال موضوع الخدمات ووضع السكان الذين ذهب قسم منهم إلى تأييد المسلحين لضرب الجيش والحكومة".
كما يتوقف بطرس عند "عدم الاتفاق بين الأطراف السياسية والدور السلبي للدول الإقليمية، ومنها إيران ودول أخرى، فضلاً عن الوضع في سورية"، مشيراً إلى أنها جميعها "تؤثر في الوضع العراقي".
وهناك خوف من مرحلة ما بعد "داعش"، إذ تصعب إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل يونيو 2014 بالنسبة لتواصل السكان وعلاقاتهم ببعضهم. وفي السياق، يعرب بطرس عن "القلق على مستقبل المناطق الخاضعة لسيطرة داعش وسكانها"، مشيراً إلى أنّ التنظيم "مارس جميع أشكال وأبشع أنواع الجرائم ضد المكونات السكانية في المنطقة، وبشكل خاص من غير العرب، فقتل وسبى واغتصب بلا حساب".
وينبه رئيس هيئة حقوق الإنسان التابعة لبرلمان إقليم كردستان إلى أن "تحرير المناطق قضية كبيرة، ومرحلة ما بعد التحرير وعودة السكان قضية أكبر"، متسائلاً "كيف سيعود النازحون وكيف سيعيشون ويتعاملون مع بعضهم البعض وداعش دمّر مناطقهم وزرع الألغام والأحقاد والمشاكل. ستقع أحداث ومزيد من الضحايا". ويقترح على السلطات العراقية أن تؤسس صندوقاً للاهتمام بالمناطق التي تضررت بشكل مباشر من تنظيم داعش وبسكانها، وإعادة بناء البنية التحتية فيها".
من جهته، يوضح النائب الأيزيدي في برلمان إقليم كردستان، شامو شيخو نعمو، تداعيات هجوم تنظيم "داعش" على مدينة سنجار والمناطق الأخرى التي كان يسكنها الأكراد الأيزيديون، مشيراً إلى أن عمليات الاستهداف من قتل واعتقال طالت أكثر من 5 آلاف منهم.
ولا تعرف الأرقام الدقيقة للقتلى والأسرى من الأيزيديين، إلا أنه لم يتمكن سوى 741 أيزيدياً من الهرب من قبضة "داعش"، بحسب نعمو. ويلفت الأخير أيضاً إلى أن الأوضاع النفسية والمعيشية السيئة للنساء اللاتي تم تحريرهن أو حررن أنفسهن من تنظيم داعش صعبة. كما أنّ الأمور الحياتية المتعلقة بإعادة دمجهن بالمجتمع معقدة نظراً للاضطرابات النفسية التي لحقت بهن جراء خطفهن والاعتداء الذي تعرضن له على يد المسلحين.
وكانت قضية النساء الأيزيديات الأسيرات لدى "داعش" قد خلّفت أصداء واسعة حول العالم، وقامت الأمم المتحدة فضلاً عن منظمتي "هيومن رايتس ووتش" والعفو الدولية بتسليط الضوء على القضية وتناولها في تقاريرها الدورية.
وفي السياق، زارت زينب بنغورا، المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة ملف النساء الأيزيديات الأسيرات لدى "داعش"، إقليم كردستان قبل أيام. والتقت خلال زيارتها، التي شملت محافظتي دهوك وأربيل، بعدد من النساء اللواتي تحررن من قبضة المسلحين.
وقال بيان لبرلمان كردستان إن مبعوثة الأمم المتحدة، وخلال اجتماع ضمها مع وزير الداخلية ونواب في البرلمان، أعلنت أن "الاعتداءات ولا سيما الجنسية التي طالت النساء والفتيات الأيزيديات، ستكون من النقاط الرئيسية للتقرير السنوي للأمم المتحدة لفرض عقوبات على تنظيم داعش". وفي حين طالب برلمان إقليم كردستان المبعوثة الأممية العمل من أجل عقد مؤتمر دولي حول ملف النساء الأيزيديات والجرائم التي ارتكبت بحقهن من قبل "داعش"، أكدت بنغورا أنها ستعمل على "نقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرارات المناسبة ضد التنظيم والجرائم التي ارتكبها بحق الأيزيديات".

اقرأ أيضاً: انتشار "داعش" واستراتيجيته في العراق: 41% بيد التنظيم

المساهمون