ومثلما تنافست الأحزاب خلال الانتخابات البرلمانية على حصد أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب، تسعى الكيانات السياسية داخل البرلمان العراقي، للاستحواذ على أكبر عدد من مقاعد مجالس المحافظات. وفي جلسة البرلمان السابقة، فتح البرلمان العراقي النقاش بشأن قانون انتخابات مجالس المحافظات، قبل أن ينتهي بدعوة رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، إلى "استضافة مفوضية الانتخابات في مجلس النواب لمتابعة الإجراءات اللوجستية لإجراء انتخابات المجالس المحلية، والتنسيق مع الحكومة بشأن الموعد المحدد لها". وتذرّعت المفوضية أخيراً، بأنها لن تتمكّن من تنظيم انتخابات مجالس المحافظات في العام الحالي، عازيةً السبب إلى احتراق قسم كبير من أجهزة الاقتراع (خلال الانتخابات السابقة)، بالإضافة إلى قلة التخصيصات اللازمة لإجراء الانتخابات، مع العلم أنّ القانون العراقي ينصّ على أنه "في حال تأجيل الانتخابات، تستمر مجالس المحافظات والأقضية والنواحي في إدارة شؤونها لحين انتخاب مجالس جديدة".
وقبل أيام، انتقدت كتلة "سائرون"، الكبرى في البرلمان، والمدعومة من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، منهجية الحكومة في تعاملها مع ملف "الانتخابات المحلية". وقال عضو الكتلة رامي السكيني، في مؤتمر صحافي: "هناك ضبابية بين مجلس الوزراء ومفوضية الانتخابات، وبالتالي لا نعرف موقفاً واضحاً من الحكومة لتحديد موعد انتخابات مجالس المحافظات". ولكن يبدو أنّ رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، يؤيّد التحركات التي تهدف إلى تقويض صلاحيات المجالس المحلية وعملها، كونه يطمح إلى إدارتها بنفسه، وتحديداً المحافظات التي شهدت تظاهرات في الفترات السابقة، ومنها البصرة.
وفي السياق، قال مصدر مقرب من مكتب عبد المهدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأخير رجل يفهم بالقانون، ويعرف أنّ التحركات البرلمانية والحزبية التي تريد إلغاء المجالس المحلية هي أفعال غير قانونية، لكنه لم يتدخّل حتى الآن لأنه يطمح للسيطرة على السلطات في المحافظات". وأوضح المصدر أنّ "عبد المهدي يأمل أن يستمرّ المتظاهرون في البصرة، بالمطالبة بإلغاء المجالس المحلية، لأنه الباب القانوني الأوحد لإصدار قرار حكومي يقضي بحل المجلس، وتغيير قانون صلاحية عمل المجالس المحلية". وتابع أنّ "رئيس الوزراء يدرك في الوقت ذاته، أنّ بعض الجهات السياسية تحايلت على القانون والدستور، ومدّدت عمر مجالس المحافظات، وفق مصالحها الشخصية والحزبية، في حين لم تقدم أي جهة على الطعن بذلك، ولهذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن".
وفي حال تمّ تجميد عمل تلك المجالس فعلاً، فإنّ رئيس الوزراء سيتولى الملفات التي كان المجلس يضطلع بها، إلى جانب المحافظ الذي سيكون ملف إبقائه أو إقالته بيد رئيس الوزراء أيضاً، وذلك لحين الاتفاق على موعد جديد لإجراء الانتخابات، وسط تسريبات عن أنّ هناك تواريخ عدة طرحت لإجرائها، منها منتصف العام المقبل أو شهر إبريل/نيسان المقبل، التاريخ الذي يعتبره البعض أفضل.
وخلال جلسة البرلمان العراقي الأخيرة، كشف النائب عن تحالف "الإصلاح"، مظفر إسماعيل، عن جمع أكثر من 100 توقيع لبرلمانيين، من أجل التصويت على مشروع قانون لحلّ مجالس المحافظات أو تجميد عملها لحين إجراء انتخابات جديدة لها. وقال إسماعيل، عقب الجلسة للصحافيين، إنّ "مجالس المحافظات ومنذ أيام أصبح وجودها غير قانوني ولا يحق لها التصويت على أي قانون أو اتخاذ أي قرار"، مشيراً إلى أنّ "صيغة القانون العراقي تنصّ على منح الصلاحيات إلى المحافظ ونوابه من دون الحاجة إلى مجالس المحافظات". ورأى إسماعيل أنّ "المجالس باتت موطئ قدم للفساد والصفقات السياسية، خصوصاً خلال الفترة الأخيرة بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية".
أمّا عضو التيار المدني العراقي، أحمد حامد، فقال إنّ "مجالس المحافظات تستهلك سنوياً موازنة ضخمة من مرتبات ومخصصات حماية، عدا عن كونها بابا للأحزاب فيه فساد كبير"، معتبراً أنه "يمكن تقليص عدد أعضاء تلك المجالس أو حتى إلغاؤها". وأوضح حامد في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هذه المجالس البالغ عددها 19 مجلساً للمحافظة وأكثر من 130 قضاء إدارياً، تستهلك سنوياً أكثر من 100 مليار دينار كمرتبات ونفقات حماية وسيارات وامتيازات أخرى، فيما يمكن أن يخصص هذا المبلغ لبناء مدارس ومستشفيات". وأشار إلى أنّ "تقليص هذه المجالس إلى أدنى حدّ لها أفضل بكثير، فالمحافظة التي كان فيها 30 عضو مجلس يمكن أن يكون فيها 10 أعضاء فقط"، لافتاً إلى أنّ "المحافظ في النهاية هو من يتولى مختلف الأمور ويمكن منحه صلاحيات أخرى وتقييده بضوابط برلمانية عبر تعديل قانون المحافظات".
من جهته، رفض عضو المجلس المحلي في محافظة بابل، علي السلطاني، تحركات بعض البرلمانيين لتجميد عمل المجالس المحلية، معتبراً ذلك "أعمالا غير موفقة". وقال السلطاني في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "القضاء العراقي وحده قادر على حلّ الأزمة وإيضاح الأمور، والحكم بين المجالس الحالية في المحافظات ومجلس النواب"، مضيفاً أنّ "جمع التواقيع من أجل تجميد عمل المجالس المحلية ينافي الدستور". وتابع السلطاني أنّ "بعض البرلمانيين لا يفهمون معنى الديمقراطية وهم بهذا الأمر يعودون بالبلد إلى الوراء. وكان من المفترض بدل التوجه إلى تجميد عمل مجالس المحافظات، تعجيل إجراء الانتخابات المحلية بأسرع وقت، وتحديد موعد للانتخابات عبر المفوضية التي من المفترض أن تكون مستقلة، ولكن المفوضية لم تتمكن من المحافظة على نتائج الانتخابات البرلمانية، وهو أمر لا علاقة لنا به".
وبحسب القاضي العراقي سليمان الزوبعي، فإنّ "تمديد مدة انتخابات المجالس المحلية، يخالف مواد من الدستور العراقي وهي المتعلقة بالتداول السلمي للسلطة". وأكد الزوبعي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "القانون العراقي يعد هو مصدر السلطات، وهو القادر على اتخاذ القرار بشأن تجميد عمل المجالس المحلية أو عدمه، ولكن بقاء عمل المجالس في عملها الحالي يعد عملاً خارج الأطر الدستورية، والخطأ ليس من البرلمان أو المجالس المحلية، إنما من الحكومة العراقية التي لم تتمكن طيلة السنوات الماضية من تأسيس مفوضية للانتخابات تكون مستقلة وليس لأعضائها ارتباطات حزبية".