بدأت القوات العراقية اعتماد استراتيجية جديدة في حربها ضد بقايا تنظيم "داعش"، المبعثرة في مدن شمال وغرب العراق منذ سنوات، وتنشط في هجمات توقع ضحايا مدنيين وعسكريين بين حين وآخر، وذلك من خلال التركيز على العمليات النوعية بدلاً من الحملات العسكرية الضخمة التي تستنزف وقتاً وأموالاً وجهداً كبيراً للقطعات العسكرية وتمنح خلايا التنظيم فرصة تغيير مواقعها بسبب الإعلان المسبق عن تلك العمليات والمناطق التي تستهدفها، وهو ما تسبّب في نتائج متواضعة لهذه العمليات التي تجاوزت منذ مطلع هذا العام 15 حملة عسكرية ضخمة.
وخلال الأيام القليلة الماضية نفذت القوات العراقية، بالتعاون مع طيران التحالف الدولي، عمليات ناجحة في شمال وغرب البلاد، أبرزها في نينوى، حيث اشتبكت قوة خاصة مع مسلحين من "داعش" في جبال "قره جوغ"، وتمكنت من قتل عدد منهم واعتقال آخرين. وكانت لافتة العملية الأخيرة التي تمثلت بضربة جوية لمقاتلات أميركية في الطارمية شمالي بغداد على بعد أقل من 30 كيلومتراً أسفرت عن مقتل مسلحين من التنظيم كانوا داخل "مضافة" لهم. وتستخدم السلطات العراقية مصطلح "مضافة" للمواقع التي تؤوي مسلحي التنظيم، سواء كانت منازل أم مخابئ تحت الأرض. وبدت لافتة الاستعانة بالطيران الأميركي في ضرب الهدف، وفي العادة لا يتدخل الطيران الأميركي إلا في الحالات التي يخشى أن يسقط فيها جنود عراقيون في حال مهاجمة المكان.
ومنذ مطلع أغسطس/ آب الحالي، نفذت القوات العراقية ممثلة بجهاز مكافحة الإرهاب ووحدة مهام تابعة لاستخبارات الجيش 23 مهمة في كركوك وصلاح الدين وديالى ونينوى والأنبار. وبحسب بيانات عسكرية رسمية صادرة عن قيادة العمليات المشتركة، أسفرت هذه العمليات عن الإيقاع بزعامات وأعضاء بارزين في التنظيم، بالإضافة إلى تدمير كهوف ومقرات مهمة، كان التنظيم يستخدم بعضها في إدارة عمليات إعادة ترتيب صفوفه والتخطيط لإعادة التواصل بين خلاياه والتنسيق بينها، بما فيها الإعداد للهجمات إضافة إلى تدمير مخازن أسلحة، نفذ بعضها بواسطة عمليات إنزال.
التركيز على صيد القيادات البارزة في التنظيم أتى بنتائج مهمة
وتحدث مسؤول عراقي بارز في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن أسلوب جديد في تتبّع "داعش" والتركيز على صيد القيادات البارزة فيه كونها ستوقع في النهاية الأعضاء العاديين بقضبة الأمن، أو تشتت جهودهم، لافتاً إلى أن التكتيك جاء بنتائج أهم وأفضل بكثير من الحملات الضخمة التي يشارك فيها آلاف الجنود.
من جهته، أكد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في بغداد، اللواء تحسين الخفاجي، لـ"العربي الجديد"، وجود استراتيجية جديدة لدى القوات العراقية في محاربة "داعش"، موضحاً أن "التنظيم عندما غيّر من استراتيجيته وبدأ باستخدام أسلوب جديد في عملياته الإرهابية ضد المواطنين والقوات الأمنية، تم تحليل ذلك بشكل دقيق وتوصلنا إلى ضرورة تغيير أسلوب القوات الأمنية في محاربة وملاحقة عناصر داعش".
وأضاف الخفاجي أنه "تم تنفيذ الكثير من العمليات والضربات النوعية خلال الفترة الماضية، أسفرت عن اصطياد رؤوس كبيرة وبارزة في تنظيم داعش الإرهابي، وهذا الأمر يعتمد على نوع المعلومة وترجمة تلك المعلومة والاهتمام بالجانب الاستخباري، ولهذا تم اصطياد شخصيات بارزة ومؤثرة في التنظيم من خلال ضربات جوية نوعية وعمليات نوعية إنزال جوي، وهذا يأتي ضمن التخطيط الجديد والسليم، الذي بدأت قيادة العمليات المشتركة العراقية في اعتماده لمحاربة داعش". وأكد أن "التحالف الدولي كان له دور من خلال ضرب رؤوس كبيرة وبارزة في داعش، من خلال الاستطلاع الجوي والمعلومات الاستخبارية والأمنية، والضربات الجوية".
وكشف الخفاجي أن "اصطياد رؤوس كبيرة وبارزة في داعش، ساهم بشكل كبير في إحباط عمليات إرهابية خطيرة في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، فاستهداف القيادات يؤدي إلى انهيار التنظيم، لفقدانه القيادة والإدارة". وختم بالقول إن "معركتنا الآن مع التنظيم معركة مهمة وشرسة ومعركة معلومة".
من جهته، قال الخبير الأمني المقرب من أجهزة الاستخبارات العراقية، فاضل أبو رغيف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحرب مع داعش تحوّلت بعد انتهاء سيطرته على المدن، من حرب المدن إلى حرب الوديان والكهوف، وتتبّع آثار وخطوط وجوده، وهذا يعتمد على وجود قاعدة بيانات كاملة أكثر من أي شيء آخر".
كثرة المعلومات التي تصل إلى الأجهزة الاستخباراتية بطريقة منظّمة كبّدت التنظيم في الفترة الأخيرة خسائر كبيرة
ولفت أبو رغيف إلى أن "كثرة المعلومات التي تصل إلى الأجهزة الاستخباراتية بطريقة منظّمة كبّدت التنظيم في الفترة الأخيرة خسائر كبيرة، وبات حتى استخدام الهاتف مرصوداً ومتابعاً وبفضل ذلك وجدنا أخيراً عمليات إنزال وهجمت مباغتة في مناطق عدة غير متوقعة أسفرت عن الإيقاع بالعديد من عناصر التنظيم وتفكيك خلاياه"، مؤكداً أن "التحالف الدولي نفّذ الكثير من الضربات الجوية النوعية، وفق معلومات الأجهزة الاستخبارية العراقية، خصوصاً في وديان الموت الثلاثة في العراق، وادي زغيتون ووادي الخانوكة ووادي الشاي، شمالي العراق وفي مناطق أخرى كثيرة". وأضاف أن القوات الأمنية بدأت تنفذ استراتيجية الضربات النوعية بدل العمليات العسكرية، والهدف من تلك الضربات، سواء كانت جوية أو عمليات إنزال، اصطياد رؤوس كبيرة وبارزة في داعش، فهذا الأمر يؤدي إلى انهيار التنظيم، كونه سيبقى بلا قيادة، وهذا ما نجحت به القوات الأمنية العراقية، خلال الفترة القليلة الماضية".