كشفت مصادر حكومية عراقية في بغداد، اليوم الثلاثاء، عن رصد عمليات هجرة عكسية من مدن شمال العراق وغربه المحررة من تنظيم "داعش" الإرهابي، وعزت ذلك إلى تدهور الخدمات أو انعدامها، إلى جانب قلة فرص الشغل، ومماطلة الحكومة في تقديم التعويضات للنازحين من أجل إعادة إعمار منازلهم المدمرة.
وقال مسؤول بوزارة الهجرة العراقية لـ"العربي الجديد"، إنّ مئات الأسر العراقية نزحت خارج مدنها، لكن هذه المرة ليس بسبب "داعش" أو الاعتداءات الإرهابية، إنما جراء تردي الخدمات الصحية والتربوية والتعليمية، ونقص الماء الكهرباء والأمراض المتفشية، وسط استمرار مماطلة الحكومة بدفع تعويضات مالية، وعدت بها أصحاب المنازل والمتاجر والمعامل والورش الصناعية المدمرة.
وبحسب المسؤول ذاته الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن ما لا يقل عن 900 أسرة عراقية نزحت في أقل من شهر واحد من مناطق الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك، مبينا أن الأسباب كثيرة، ومنها عدم قدرتهم على ترميم وإعادة بناء منازلهم المدمرة، وعدم وجود تعويضات مالية تمكنهم من إعادة إعمارها".
واعتبر مختصون، أن إعلان الحكومة العراقية عن إطلاق قوائم بأسماء المشمولين بالتعويضات المالية من أصحاب المنازل المدمرة لم يكن سوى "تخدير" على حد تعبيرهم.
وفي السياق، قال المستشار القانوني صهيب الدليمي إنّ "المشكلة ليست فقط في عدم صرف التعويضات المالية للمتضررين في المناطق المدمرة، بل في قانون التعويضات نفسه، فهو روتيني ولا يعتبر المناطق المحررة "منكوبة" ولا يتعامل معها على هذا الأساس".
وأوضح الدليمي لـ"العربي الجديد"، أنّ" القانون 20 الخاص بالتعويضات المالية لا يمنح المتضرر في تلك المناطق سوى الحد الأدنى من قيمة الأضرار المادية التي يتم تقديرها من قبل لجان مختصة، وهذا إجحاف وظلم كبير للمواطنين حتى لو تم إطلاق التعويضات أصلاً".
وشرعت الحكومات المحلية في المدن المحررة، عبر لجان خاصة، بعمليات مسح ميداني للأضرار، وأصدرت قوائم بأسماء المشمولين بالتعويضات، لكن أحداً منهم لم يتسلم أي مبلغ كما يقول مواطنون، الأمر الذي اعتبره ناشطون استخفافاً بالمنكوبين.
الناشط عدنان جلال الفهداوي قال لـ"العربي الجديد"، إن 3 أشهر كانت المدة التي استغرقتها إعادة إعمار ما دُمّر جراء إعصار تسونامي، بينما ما زالت محافظة الأنبار لم تعمر حتى الآن منذ ثلاث سنوات".
وتابع الفهداوي: "في الوقت الذي ينشغل فيه المواطن بإكمال معاملة التعويض مرة بعد أخرى، تتذرع لجان التعويض المختصة بتضييع المعاملة، ولذلك نتمنى أن يحكمنا أي مسؤول غربي ولو لشهر واحد".
وفي مدينة الموصل الأكثر تضرراً بين المدن المحررة، قال الناشط المدني مضر الشمري: "أكثر من 56 ألف وحدة سكنية دمرت بالكامل على أقل تقدير وساكنوها إما قتلوا خلال المعارك أو نزحوا وعند عودتهم لم يجدوا مكانا يسكنون فيه". وتابع الشمري: "لعدم وجود تعويضات مالية اضطر أغلبهم إلى تكرار تجربة النزوح من جديد، بحثاً عن مكان ومستقبل أفضل".
كذلك الحال، في محافظة صلاح الدين التي تعرض فيها عدد من المدن إلى دمار كبير أبرزها مدينة بيجي وتكريت. حسام الجنابي من أهالي محافظة صلاح الدين قال: "حينما حررت القوات العراقية مدننا عدنا من رحلة النزوح القاسية ووجدنا منازلنا مدمرة، وانتظرنا الوعود الحكومية بتعويضنا، ومنذ عامين لم نتسلم أي مبلغ لإعادة تعمير منازلنا المدمرة، ولذلك اضطررنا للهجرة العكسية".
ويقصد أغلب المهاجرين من المدن المحررة إقليم كردستان شمال العراق أو تركيا بعد أن أصبحوا يعيشون حالة من اليأس في مناطقهم، في وقت ارتفعت فيه أسعار إيجارات المنازل في المدن المحررة بسبب كثرة المنازل والمجمعات السكنية المتضررة والمدمرة كلياً.
وصدرت نهاية عامي 2016-2017 قوائم عدة بأسماء أصحاب المنازل المتضررة من العمليات الحربية في الأنبار والموصل وصلاح الدين تلتها قوائم أخرى، لكن التعويضات لم تصرف بعد كما يقول المواطنون.
وتأتي عمليات الهجرة العكسية بعد عام واحد من استعادة القوات العراقية السيطرة على آخر وأكبر معاقل تنظيم "داعش" في مدينة الموصل، إثر معارك ضارية استمرت قرابة ثمانية أشهر بدعم من التحالف الدولي. فيما تتذرع الجهات الحكومية في أروقة المنطقة الخضراء بأن ميزانية الدولة غير كافية لإعادة تعمير المدن المحررة، وأن الحكومة تنتظر الدعم الدولي من قبل المانحين لإطلاق التعويضات المالية والمباشرة بعمليات إعادة الإعمار.