يمسك الحاج محمد (66 عاماً) بطرف ثوبه على ضفاف نهر دجلة، وسط العاصمة العراقية بغداد، ويتأمل من بعيد جانبي الكرخ والرصافة، قبل أن يتمعّن بقباب قصر الرحاب القريب، وقد اكتست بالتراب وتطرّزت بثقوب القذائف من كل جانب. وذلك في الذكرى الـ13 على احتلال العراق في 9 أبريل/نيسان 2003، إثر سقوط بغداد بيد الأميركيين وحلفائهم. "هذه ليست بغداد التي نعرفها. كل شيء تغيّر فيها"، يقول الحاج محمد، ويردف "لكن دجلة وحده لم يتغيّر، وكأنه يبعث فينا الأمل كلما ضاقت علينا الحيل".
ولا يعثر العراقيون اليوم في هذه الذكرى على من يجيب عن السؤال الذي ظلّ يلازمهم لسنوات خلت: "ما الذي حصلنا عليه من هذا الاحتلال؟"، ذلك لأن انعدام الأمن واتساع الجريمة وفقدان الحريات في ظل سطوة الجماعات الإرهابية كتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وقبله تنظيم "القاعدة"، واتساع نفوذ المليشيات والأحزاب الموالية لإيران، ومؤشرات الفقر الجهل المخيفة، كلها تضاف إلى مخاطر تقسيم العراق وتفككه، مع ارتفاع فاتورة الموت اليومي الذي بات لا يفرق بين العراقيين حسب مذهبهم أو عرقهم. وبعد عشر سنوات على اقتراح تقدم به قيادات بـ"التحالف الوطني" الحاكم للبلاد، باعتبار التاسع من أبريل "يوماً وطنياً و"عطلة رسمية" للعراقيين، يبدو أن هذا المقترح لا يجد من يدعمه في الشارع العراقي اليوم.
وحول ذلك يقول عضو لجنة كتابة الدستور العراقي الجديد، التي شُكّلت عقب الاحتلال الأميركي للبلاد، محمد ناصر لـ"العربي الجديد"، إن "المقترح الذي تحوّل فيما بعد إلى مشروع قانون، لم يعد قائماً، ولا يجرؤ أحد من الأحزاب على إثارته مرة أخرى، لأن الوضع لا يساعد". ويضيف "الخيبة تلف العراق من زاخو إلى الفاو"، في إشارة إلى أبعد نقطتين بالعراق، زاخو شمالاً والفاو جنوباً.
وعلى غير العادة، انكفأت الأحزاب السياسية الحاكمة، أو المشاركة في البلاد هذا العام، عن تقليدها السنوي بتحشيد أنصارها لإقامة فعاليات وندوات بالذكرى، التي يعتبرونها "يوم الخلاص وولادة الديمقراطية بالعراق". وفي هذا السياق، يقول عضو الحزب "الشيوعي" العراقي حسام الدين فاضل، لـ"العربي الجديد"، إن "لا عين لهم لرفعها أمام الشعب، فآثار الاحتلال باتت واضحة على جميع العراقيين".
من جهة أخرى، وفي أول ظهور إعلامي له، يقول عضو لجنة التنسيق الأميركية ـ العراقية في بغداد، إبان الاحتلال الأميركي حارث الكرخي، لـ"العربي الجديد"، إن "13 عاماً على الاحتلال كانت حافلة بالموت والخراب".
ويضيف الكرخي، المقيم حالياً في ولاية ميشيغن الأميركية، أن "الاحتلال لم يكن مبرّراً، وعندما أرسلوا لي لأكون ضمن غرفة التنسيق مع 14 آخرين، وافقت على أمل أن نبني عراقا جديدا، بعيداً عن (الرئيس العراقي المخلوع) صدام (حسين)، وحزب البعث. عراقا مدنيا لا عراقا دينيا، لكن كل هذا لم يحدث".
ويتابع "رحيل صدام كان مناسباً للعراقيين ولجيرانه، لكن ثمن ما جرى باهظ جداً والعراق كان أفضل بكثير، فالموت الذي شهدته البلاد في عام واحد مثلاً، كالعام الماضي، يعادل كل عمليات الإعدام التي نفّذها صدام خلال سنوات حكمه الثلاثين".
لقد بات مجرّد البقاء حيّاً في العراق يُعدّ إنجازاً كبيراً، على حد قول أحمد سعداوي، مؤلف رواية "فرانكشتاين في بغداد"، الحائز على الجائزة العالمية للرواية العربية. ويشير سعداوي إلى أن "أهمّ شيء حصل لي هو أنني لا زلت حياً"، قبل أن يستطرد قائلاً "اعتقدَ كثير من الأميركيين، أنهم حرّروا بغداد من الخوف، لكنّهم فتحوا أبواب الجحيم لأهوالٍ لم تكن معروفة سابقاً". ويتابع "منذ البداية، أخفقت النخبة العراقية (التي سُلّمت السلطة عقب الاحتلال الأميركي)، في إقامة نظام سياسي قادر على تجاوز أي اختلافات طائفية، وحلّها ضمن إطار ديمقراطي. وأخفقت في تحصين الدولة ومؤسساتها من الفساد المستشري، الذي غدا خاصّية عراقية".
وينوّه إلى أن "عدد الضحايا العراقيين بسبب الاحتلال، وما بعده، ارتفع هذا العام ليبلغ نحو مليون شهيد وجريح من السنّة والشيعة والأكراد والمسيحيين ومختلف المذاهب ومكونات الشعب العراقي، كما أن هناك نحو ربع مليون معوّق ونصف مليون معتقل وأربعة ملايين مهاجر خارج العراق وثلاثة ملايين نازح، فضلاً عن نحو أربعة ملايين يتيم و1.8 مليون أرملة، مع جيش من الفقراء والمشردين ونسبة جهل وأميّة وصلت، بحسب تقارير صادرة في بغداد، إلى 35 في المائة من الشعب، كما صُنّفت العاصمة العراقية على أنها من بين 10 عواصم غير نظيفة عالمياً".
من جهته، يقول النائب أحمد السلمان لـ"العربي الجديد" إن "كل الشعوب الحية تعتبر يوم احتلالها يوماً أسود، واليوم هو ذكرى نكبة العراقيين"، ويضيف أن "غالبية العراقيين اليوم يتفقون أنه يوم أسود، بغضّ النظر عن رأي السياسيين الحاليين في السلطة". كما يُعلّق أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بغداد، حسين القريشي، قائلاً "الإرهاب الذي يضرب المنطقة والمآسي كلها بسبب الاحتلال الأميركي للعراق"، مبيّناً أن "الاحتلال الأميركي للعراق منح إسرائيل طمأنينة لمواصلة احتلالها فلسطين".