العراق.. العبادي والولاية الثانية

05 ديسمبر 2017
+ الخط -
يعمل رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بجدٍّ وروية، من أجل الحصول على فوز مستريح بولاية ثانية، لحكم العراق الذي نجح حتى الآن في كسب مهام كثيرة ملحة فيه، كالتخلص من تنظيم داعش الإرهابي عسكريا، وإعادة المحافظات التي كانت تحت سيطرته بالكامل، كما نجح، وبامتياز في معالجة موضوع استفتاء إقليم كردستان العراق بشأن موضوع الانفصال عن الوطن العراقي، وبدّد بشكلٍ لا حدود زمنية له ربما أية مشاريع مستقبلية للكرد في هذا الاتجاه، ثم إعلانه الحازم أخيرا عن عزمه ملاحقة الفاسدين في دائرة الحكم والقرار في العراق، سياسيين أم عسكريين، وهي قضية تؤرق الشارع العراقي بشكل خاص وكبير، حتى باتت سببا في مزايدات سياسيين ونوابٍ كثيرين، وأيضا سببا مباشرا لخروج مئات آلاف من العراقيين، مطالبين بالإصلاح عبر أكثر من عقد.
عربيا ودوليا أيضا، وضع العبادي نفسه على رأس قائمة المرغوب بهم لقيادة العراق في المرحلة اللاحقة؛ ففي المحيط العربي، وقفت دول الخليج العربي، على الرغم من الخلافات القائمة فيما بينها، مع دعم حيدر العبادي وحث القوى السياسية العراقية، كل بما يتناسب وحجمه السياسي والعقائدي، من أجل التحالف ورص الصفوف لضمان فوز العبادي برئاسة وزراء العراق مرة ثانية، وتضييق الخناق على الطامع فيها دائما، سلفه نوري المالكي، الذي يتكئ بشكل كبير جدا على دعم إيران ومرشدها الأعلى، علي خامنئي. ومن خلال هذا الدعم، يحشّد المالكي قوى سياسية وعشائرية، لدعم مركزه في الانتخابات المقبلة، مستخدما الأموال التي
تشوبها اتهاماتٌ كثيرة بالحصول عليها وتوظيفها عبر عمليات فساد كبيرة، متهما فيها المالكي نفسه مباشرة، أو مستخدما النبرة والخطاب الطائفيين، لكسب ود بعض شيوخ العشائر في جنوب العراق ووسطه، وكذلك بعض الزعامات الدينية.
دوليا، تقف الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، ومن خلفهم الأمانة العامة للأمم المتحدة، بشكل واضح مع العبادي، وبدا واضحا دعم كل هذه القوى له في الانتخابات التشريعية لعام 2018، ليس بما توخّوه منه من إنجازات على الأرض فقط، بل خشية من رجوع حالة الفوضى والانفلات الأمني التي عاشها العراق والمنطقة في فترتي حكم نوري المالكي (2006- 2014)، وما أفرزته من ظهور متغوّل لتنظيم داعش الإرهابي في العراق والمنطقة. لذلك، تحث هذه الدول، وخصوصا الولايات المتحدة، العبادي من جهة، وحلفاءها في المنطقة، على تحجيم دور المناكف الرئيس لطموحه في البقاء على سدة القرار الأول في العراق. وقد بدا ذلك واضحا في تصاعد حدة خطاب رئيس مجلس الوزراء الحالي تجاه الفساد والمفسدين، وإعادة تدوير القضايا التي كان المالكي أحد نجومها، أو الحامي لها، ومنها تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في أسباب سقوط الموصل بأيدي "داعش"، الصادر في شهر أغسطس/ آب من عام 2015، واتهم فيه صراحة نوري المالكي و35 مسؤولا بالمسؤولية عن ذلك.
العراق الذي عاد، بشخص رئيس وزرائه حيدر العبادي، بشكل أوثق، إلى "بعض" محيطه العربي، عزّز من الاتجاه العربي في البنية السياسية العراقية، بعدما فقدت النخب العراقية، ذات التوجه القومي، هويتها العربية الحقيقة قرابة أكثر من 14 سنة، وهو ما عزّز أيضا صوت الشباب العراقي الرافض للانسياح الإيراني في العراق، وتفرّد طهران بالتحكّم بمجريات الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية، وحتى الاجتماعية، في مقدّرات الأمور هناك، وهو أيضا ما دعم مواقف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الرافضة بشكل قطعي أي عودة للمالكي إلى المشهد السياسي الفاعل في العراق، فأعلن صراحةً تأييده ودعمه ترشح حيدر العبادي لولاية ثانية في حكم هذا البلد.
التحالف المدني، وتحالف القوى العراقية، أعلنا مبكرا تأييدهما منح العبادي فرصة الحصول على ولاية ثانية، إذا ما كان منافسه أو خصمه، نوري المالكي، فالأخير يمثل بالنسبة للقوتين السياسيتين مقلاعا سياسيا ذا أغراض وأجندات طائفية موالية بشكل كامل لمشروع ولاية الفقيه، وأنه في حال حصوله على فرصة العودة إلى حكم العراق سيقوم بتصفية من تبقى من قوى واجهت، وما زالت، هذا المشروع الذي يحاول أن يروّجه من خلال ما يطلق عليه دائما تشكيل حكومة "الأغلبية السياسية".
يميل حزب الدعوة الذي ينتمي له كل من العبادي والمالكي، بشكل واضح، لصالح الأول. ويعتبر منحه ولاية ثانية لاستكمال بناء الدولة وفق أسس رصينة وصحيحة، وبضمنها القوات المسلحة العراقية، سيعني منح حزب الدعوة نفسه فرصة إعادة لملمة نفسه، وترميم الثغرات
التي أصابت تنظيماته، بدءا من تناقضات مواقف قيادييه في الخط الأول، وانتهاءً بفقدان ثقة قواعده بأمين الحزب العام، نوري المالكي، مرورا بما يواجهه الحزب من تحرّكاتٍ تستهدف حركته، وتعبئته الجماهيرية على الأرض، من قوى التحالف الوطني الأخرى.
ستشهد المرحلة المقبلة حتما تشكيل تحالف جديد برئاسة حيدر العبادي، يضم قوى متعدّدة، سيكون لها الفصل في ترجيح كفة هذا التحالف، يقف في مقدمة هذه القوى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ورئيس حركة الوفاق الوطني، إياد علاوي، وقيادات من تحالف القوى العراقية، والحزب الشيوعي العراقي، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وغيرها.
الطرف الآخر، وهو ما يمثل حراك (ونشاط) نوري المالكي، المدعوم بشكل كامل من إيران، يحظى بدعم رئيس المجلس الأعلى، عمّار الحكيم، وحزب الفضيلة وآخرين من داخل القوى التي لم يمنحها العبادي وعودا خارج دائرة القانون، ومنها قوى سنيّة وأخرى شيعية، إضافة إلى أغلب المنضوين تحت رايات الحشد الشعبي بصفاتهم المدنية، كما يراهن المالكي على موقف "المرجعية" التي قد تعلن رأيها في آخر المشوار، لتضع المقلدين لها في خيار غير قابل للتغيير أو العدول عنه.
إطلاق مشاريع إعادة إعمار العراق، خصوصا المناطق التي دمرّت بسبب احتلالها من "داعش"، وكذلك خطوات مكافحة الفساد الذي أتت على كل موارد الدولة، وأدخلها في نفق المديونية الدولية، واستكمال عودة العراق إلى محيطه العربي بشكل كامل على حساب موازنة علاقاته مع دول الإقليم الكبرى، كإيران وتركيا والعربية السعودية، والأهم منح الشعب العراقي بصيص أمل في مسك طريق الإصلاح السياسي، واستبعاد الطائفية البغيضة عن واجهة التعامل الرسمي والشعبي، كل هذه القضايا المهمة وغيرها تعتمد على أن يكون للعبادي فرصة "الولاية الثانية"، لتنتهي إلى الأبد تطلعات منافسه في حكم العراق.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن