العراق: الضغوط الإيرانية ترجح كفة عبد المهدي

14 نوفمبر 2019
تتواصل التظاهرات في بغداد ومدن أخرى (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -


في الوقت الذي بدا فيه الفاعل الإيراني أكثر سيطرة على المشهد السياسي العراقي من جهة خيار الإبقاء على الحكومة، برئاسة عادل عبد المهدي، والتوجه إلى تنفيذ الإصلاحات بمدد زمنية، مع استمرار خيار مواجهة التظاهرات، وهو ما ظهر جلياً في مواقف كتل سياسية، أبرزها "سائرون" بزعامة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتأييد من القوى الكردية للحكومة، ترجمته زيارة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني إلى بغداد أمس الأربعاء، فإن العلاقة تبدو أكثر تأزماً بين الحكومة من جهة، والإدارة الأميركية من جهة أخرى. يأتي هذا بعد حديث لعبد المهدي حول التظاهرات اعتبره مراقبون موجهاً ضد الإدارة الأميركية بالدرجة الأولى وإعلاناً ضمنياً عن تمسكه بالسلطة وتبريراً أيضاً لمستوى القمع الحالي في التظاهرات.

يأتي ذلك مع استمرار التظاهرات في بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، مع تجاوب لمدارس وجامعات جديدة في الجنوب لدعوات الإضراب وكذلك عدد من المؤسسات والدوائر الحكومية. فبعد ساعات من الإعلان عن اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وعبد المهدي، هو الأول من نوعه منذ اندلاع التظاهرات في البلاد في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدا مختلفاً في تفاصيله بين البيان الأميركي وذلك الذي صدر عن عبد المهدي، من جهة خلو النسخة العراقية من عبارات التنديد والاستنكار بقمع التظاهرات التي أشار إليها بيان الخارجية الأميركية حول فحوى البيان، بث التلفزيون الحكومي العراقي حديثاً لرئيس الحكومة، خلال اجتماع مع وزرائه، تناول بالمجمل التظاهرات والتطورات العامة في البلاد وبرنامج ومشاريع الإصلاح.

إلا أن اللافت في الحديث كان ما تناوله حول انتقادات خارجية للعراق حول التعامل مع التظاهرات، إذ قال عبد المهدي إن "العراق فيه من الحريات الشيء الكثير، ونحن لا نواجه إلا من كان غير سلمي"، مجدداً نفيه استخدام الذخيرة الحية مع المتظاهرين. وتحدث عما وصفه بتناول بعض الدول طريقة تعامل العراق مع التظاهرات عبر التذكير بقانون "سلطة الائتلاف المؤقتة"، وهو القانون الأميركي الذي تمت صياغته خلال فترة احتلالها العراق بعد عام 2003 وقبل تشكيل الحكومة الانتقالية في 2004، حيث أوضح أن "قانون سلطة الائتلاف رقم 19 المتعلق بالتظاهرات لو طبقناه الآن ماذا سيقولون؟".

وتحدّث عبد المهدي عن أن قوات التحالف في العراق كانت تتجول وتضع قطعة تحذير بأن من يقترب 50 متراً يعرض نفسه للموت، والآن الشباب يصعدون على السيارات العسكرية، مستدركاً أن "قانون سلطة الائتلاف يُحظر على أي جماعة أو منظمة التظاهر، إلا بترخيص ولمدة أربع ساعات فقط، وألا تعطل مصالح أو تغلق شارعاً، ولا تعرقل الحياة العامة. فماذا ستقول هذه الجهات الخارجية إذا أردنا تنفيذه الآن؟ وقانون سلطة الائتلاف يمنع الاقتراب من المؤسسات والدوائر 500 متر"، ملمحاً إلى أن "تعاملهم الحالي مع التظاهرات أقل بكثير من تلك التي كانت تتبعها القوات الأميركية مع العراقيين". وتابع "لا أقول إن العاصفة انتهت، ولكننا خرجنا من قلبها، وأصبحنا نتحاور مع المتظاهرين والنقابات ونقدم مشاريع إصلاحية، ولدينا ثقة كبيرة بشعبنا ومرجعتينا. وهذه الحركة ستُسجل كإحدى أهم الحركات التصحيحية. وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

حديث عبد المهدي، الذي عدا عن كونه يكشف عن تأزم واضح في العلاقة مع البيت الأبيض، فإنه أيضاً دليل على تمسكه بالمنصب، وأيضاً باستمرار خيار مواجهة التظاهرات، وتبرير سقوط الضحايا من خلال التذكير بقوانين الاحتلال الأميركي المؤقتة بعد غزو العراق. واعتبر الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني أن "تعامل إيران مع التظاهرات كان من منطلق أنه ملف أمن قومي وليس تظاهرات في دولة عربية جارة، وذلك بسبب ما حوته من طابع هجومي شعبي ضد التدخل الإيراني والمس برأس النظام في طهران عبر حرق صوره، ما اعتبر فشلاً في خطة تصدير الثورة الإيرانية، خصوصاً أنها انطلقت من كربلاء وليس من مكان آخر". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من غير المعروف كيف ستكون طريقة تعامل واشنطن مع حكومة عبد المهدي، لكن من المؤكد أنها لن تكون بطريقة الدعم أو التغافل عن التجاوزات كما كانت مع الحكومات السابقة".

وقال مسؤول عراقي بارز في بغداد، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "أغلب القوى السياسية وافقت على بقاء عبد المهدي على رأس الحكومة وأوقفت طلباتها بإقالته"، مضيفاً أن "الكتل المتبقية لا تمتلك أكثر من 50 صوتاً في البرلمان، ولم يعد لموقفها أي تأثير"، متحدثاً عما وصفه بـ"رضوخ أغلب الكتل السياسية لهذا الخيار بفعل ضغوط إيرانية".

ودعا الصدر، في بيان أمس الأربعاء، هو الأول من نوعه منذ مغادرته إلى مدينة قم الإيرانية الأسبوع الماضي، إلى وقف الهتاف ضد من وصفها "الدول غير المحتلة"، أو التعرض لبعثاتها الدبلوماسية، في إشارة واضحة إلى إيران. كما أنه يحمل إشارات واضحة عن تراجعه بمطلب إقالة الحكومة عبر دعوته البرلمان إلى مواصلة إقرار الإصلاحات، كتغيير مفوضية الانتخابات وتشريع قانون جديد للانتخابات. وقال الصدر، في بيان، "أيها الشعب، إنها فرصة عظيمة لتجديد الوجوه (شلع قلع)، وبطرق عقلانية لا يقع العراق فيها في مهاوي الخطر ومنزلق الفراغ المرعب". وأعلن أنه يجدد مناصرة الثورة بثلاثة أمور، وهي أنه "على الموظفين الشرفاء مساندة إخوانهم الثوار بإضراب شامل ولو ليوم واحد"، وأن على "الشرفاء في البرلمان العمل على إقرار الإصلاحات الجذرية، كتغيير مفوضية الانتخابات وقانونها، وكذلك تغيير بعض بنود الدستور، والعمل على تطبيق ما أقر من إصلاحات من خلال إقرار قوانينها فوراً"، مشيراً إلى "أنهم إن لم يستطيعوا فلا معنى لبقائهم في البرلمان مكتوفي الأيدي".

وحث "أئمة الجمعة في كل المحافظات على أن يقودوا تظاهرة سلمية لمساندة الثوار لكي تتحقق الإصلاحات". كذلك حثّ "القوات الأمنية الشريفة التي حررت الموصل الجريحة على عدم المساس بالمتظاهرين والمعتصمين، بل ومحاولة إبعاد المندسين وغير المنضبطين الذين يعتدون على الثوار بالقتل والخطف والقنص وما شاكل ذلك". كذلك دعا الصدر المتظاهرين إلى عدم "التعرض للبعثات الدبلوماسية أو سفارات الدول غير المحتلة، أو ترديد هتافات ضدها"، وذلك في إشارة واضحة إلى إيران التي تتصدر هتافات المتظاهرين المناوئة لتدخلها في العراق، خصوصاً في ميادين التظاهرات في النجف وذي قار والبصرة وبغداد، وكربلاء التي تعرضت القنصلية الإيرانية فيها لحصار متظاهرين لثلاثة أيام. وهاجم الصدر من وصفهم "بالناشطين القابعين خلف الكيبورد وتحركهم أجندات استعمارية أميركية"، في إشارة إلى المدوّنين والناشطين الداعمين للتظاهرات من خارج العراق.

في المقابل، وصل نيجيرفان البارزاني إلى بغداد، في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، وعقد اجتماعاً مع عبد المهدي، ورئيسي البرلمان محمد الحلبوسي والجمهورية برهم صالح، وفقاً لبيانات صادرة عن الرئاسات الثلاث. وبحسب نائب عن تحالف "الفتح"، تحدث هاتفياً مع "العربي الجديد"، فإن "البارزاني قدم دعمه لعبد المهدي، ورفض دعوات الإقالة". وقال عضو التيار المدني العراقي علي الحلفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الكلمة الآن للشارع، فاستمرار التظاهرات وإصرارهم على مطالبهم يجبران الأطراف الأخرى على مراجعة كل صفقاتها التي عقدت خلال الأيام الماضية"، مضيفاً أن "هناك قلقاً لدى المتظاهرين، ليس بسبب خذلانهم أو الالتفاف على ثورتهم فقط، بل من مؤشرات التوافق السياسي أيضاً على قمعهم والتحايل عليهم بإصلاحات كاذبة". واعتبر أنه "لا الأميركيون ولا غيرهم يمكنهم مواجهة الإملاءات الإيرانية، والشارع حالياً هو الوحيد الذي سيحدد وجهة البلد المستقبلية".