العراق: اشترِ عملاً بـ عشرة آلاف دولار

19 مايو 2016
(في بغداد، تصوير: نيكولاي إيغناتيف)
+ الخط -

عند الثالثة ظهراً، تحت مظلّة حديدية على الطريق السريع بين بغداد والأنبار، حيث تبلغ درجة الحرارة 45 مائوية، يقف الجندي مرتدياً سترة حديدية واقية من الرصاص، تبلّل محيطها بعرق جسده. يسأل: "من وين جاي أخويه؟"، نجيبه: "من جامعة بغداد"، فيبدأ هو بالحديث:

"هل تعرف يا صديقي، أنا تخرجت من كلية الهندسة/ قسم الميكانيك/ جامعة بغداد، قبل ستة أعوام، كانت لي ذكريات جميلة هناك، ظننا وقتها أن الشهادة ستضعنا في أماكن عمل مرموقة تحترم تخصّصنا. لكن كما ترى؛ أقف، هنا الآن، في حرارة الصيف الملتهبة، في هذه الطريق القاحلة، وأنتظر الموت، كل يوم، يجيئني راكباً إحدى السيارات التي تمر تحت هذه المظلة الحديدية". يضيف: "أحترم عملي هنا، لكن لم يكن ذلك ما انتظرته من دراستي في كلية الهندسة".


عشرة آلاف دولار!

في أغلب الدوائر الحكومية التابعة لمختلف الوزارات، تتفشى ظاهرة بيع فرص العمل مقابل مبلغ يزيد أو ينقص بقليل عن عشرة آلاف دولار. المبالغ تتباين وفقاً للوزارة المطلوبة. مثلاً، يرتفع المبلغ في وزارتي الخارجية والنفط أكثر من باقي الوزارات، لكن في وزارة الزراعة، كما توضّح، أمل فرج، في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، فثمّة سماسرة فرص عمل ينتشرون في دائرتها.

تقول: "الكثير من خريجي كلية الزراعة، يزوروننا بحثاً عن مكان عمل شاغر في الدائرة، لكن الإجراءات الرسمية للتوظيف لا تقود إلى شيء، فيلجأون، أخيراً، إلى سماسرة يأخذون منهم مبلغاً مقدّماً يتراوح ما بين ألف إلى ألفي دولار. وبعد أن يباشروا العمل، يأخذون منهم بقية المبلغ. على الرغم من هذا الاستغلال، يوافق العديد من الخريجين على دفع المبلغ لأجل تأمين مستقبلهم. لكن حتى هذه الطريقة لم تعد آمنة، أصبحنا نسمع عن العديد من الذين دفعوا مقدمة المبلغ دون الحصول على عمل".

وتقول رقية شاكر، الحاصلة على شهادة الماجستير من كلية علوم الأحياء/ جامعة بغداد: "حاولت الحصول على عمل بشهادة البكالوريوس عدة مرات ولم أفلح. بعد حصولي على شهادة الماجستير وافقت على دفع المال مقابل الحصول على عمل، وفشلت في ذلك ثلاث مرات، خسرت في إحداهن مبلغاً مقدماً قدره ألف دولار. أعمل الآن ممرضة في مختبر تحليلات أهلي، وبمرتب متواضع".

منذ عام 2010، امتلأ العراق بسيارات "سايبا" الإيرانية، التي تستخدم غالباً كسيارة أجرة. فعلى الرغم من متانتها المتواضعة، وغياب وسائل الأمان فيها، إلا أن سائقي الأجرة يفضلونها لاستهلاكها القليل من الوقود وسعرها الزهيد.

يحيى، يعمل سائقاً على هذه السيارة. يقول لـ "العربي الجديد": "لقد أنهيت دراستي الجامعية من عشر سنوات، ولم أحصل على فرصة عمل حكومية، طلبوا مني أن أدفع تسعة آلاف دولار! وهو مبلغ لا يساوي سعر هذه السيارة". يضيف: "لا تنتظر عملاً من الحكومة، ابحث عن لقمة عيشك بنفسك".


المحسوبيات
مرتضى الجصاني، الحامل لشهادة بكلوريوس، علوم فيزياء والعامل في محل لبيع الألبسة، أبدى أسفاً أكثر من غيره على نفسه حين وصف حالته المعيشية بالضياع، قائلاً "هو ليس شعوراً بقدر ما هو ضياع، أن يجد الإنسان نفسه بعيداً عن العمل في ما يحبه". يضيف: "لقد كانت العقبة الدائمة هي نظام المحسوبية القائم في معظم دوائر الدولة، فلا يمكنك الحصول على عمل دون أن يكون لك علاقة قرابة أو صداقة بمسؤول ما يسهل لك إجراءات التوظيف".

ويحمل الجصاني المسؤولين عن خراب النظام الإداري، وتشتت السلطة بين مجالس المحافظات والدوائر والمجلس، إضافة إلى غياب مجلس خدمة موحد، يحصي الخريجين ويوفر لهم فرص عمل في أماكن مناسبة، المسؤولية في تبعثر خريجي الجامعات بين مهن لا تليق بهم وبتحصيلهم الدراسي.

المساهمون