العراق: إرباك سياسي تزامناً مع الحراك الإيراني

04 ديسمبر 2019
يواصل العراقيون تشييع ضحايا الاحتجاجات (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
تعجّ العاصمة العراقية بغداد بحراك سياسي يقوده رئيس الجمهورية برهم صالح، ويتمحور حول شكل الحكومة المقبلة، وما إذا كانت انتقالية لمدة قصيرة لحين إنجاز قانون الانتخابات والذهاب لانتخابات مبكرة أم لا، فضلاً عن كيفية التعامل مع الشارع، وما إذا كان مقتدى الصدر سيشارك في التحركات الاحتجاجية في حال تسمية رئيس وزراء خلافاً لرأيه. أما في سياق التظاهرات، فقد أفاد عضو مجلس المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق علي البياتي، أمس الثلاثاء، بأن عدد ضحايا التظاهرات في البلاد منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ارتفع إلى 433 قتيلاً بالإضافة إلى إصابة 20 ألفاً آخرين، كما بلغ عدد المعتقلين نحو 2600 شخص في الفترة ذاتها.

ووفقاً لمسؤول في قصر السلام الرئاسي، فإن تحركات صالح التي أطلقها أمس الثلاثاء والتقى خلالها ممثلين عن تحالف "سائرون"، الذي سلمه كتاباً رسمياً يتضمن تنازله عن حقه في ترشيح رئيس حكومة جديد، مختلفة عن تحركات ومباحثات القوى الرئيسة في البرلمان التي ما زالت حتى الآن مختلفة في شكل الحكومة واسم رئيس الوزراء وبعضها حتى الآن لم تبدِ رأياً أو موقفاً وتنتظر مواقف الكتل الأخرى. وكشف المسؤول عن أن صالح يستعد لاستقبال نحو 100 نائب وقّعوا يوم الأحد الماضي على خطاب يطالبه بترشيح شخصية مستقلة وغير حزبية تراعي رغبة الشارع العراقي لمنصب رئيس الحكومة. وأضاف أن "المعلن هو أن كتلاً عدة أعلنت تنازلها أو نأيها عن منصب رئيس الحكومة، لكنها في الحقيقة لا تزال تتفاوض ولم تعزل نفسها كلياً، فهناك فيتو من التيار الصدري على شخصيات عدة، وفيتو أيضاً من الفتح على شخصيات أخرى مقابلة". واعتبر أن تحركات صالح حالياً تأتي أيضاً من أجل معرفة ما سيتم الاتفاق عليه، ولن يكون قادراً على تقديم أي اسم من دون أن توافق الكتل الشيعية عليه، الأمر الذي يبدو بعيداً على الأقل الآن. وكشف المسؤول عن أن كتلاً عدة بدت مهتمة بقانون الانتخابات وبنوده الجديدة، أكثر من اسم رئيس الحكومة لأسباب عدة، أولها أن الحكومة المقبلة ستكون مؤقتة وهناك توافق بأن يتولى رئيس الحكومة المكلف تسمية وزرائه دون تدخل.

في المقابل، كشف مصدر سياسي مقرب من دوائر القرار في العاصمة العراقية لوكالة "فرانس برس" أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني "موجود في بغداد للدفع باتجاه ترشيح إحدى الشخصيات لخلافة (رئيس الحكومة المستقيل عادل) عبد المهدي". وأشار المصدر نفسه إلى أن "مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني الشيخ محمد كوثراني يؤدّي أيضاً دوراً كبيراً في مسألة إقناع القوى السياسية من شيعة وسنة في هذا الاتجاه". وسبق لكوثراني أن أدى الدور نفسه غداة الانتخابات التشريعية العراقية في مايو/ أيار 2018، للمساهمة في تسمية عبد المهدي رئيساً للحكومة.

من جهته، ذكر نائب عن تحالف "البناء" لـ"العربي الجديد" أن اللقاءات بين القوى السياسية لغاية مساء أمس لم تتوصل إلى نتيجة، وهي مجرد استماع لكل طرف عما لدى الآخر، واصفاً وجود زعيم فيلق القدس قاسم سليماني بأنه "لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية الشيعية التي يعتبر منصب رئيس الحكومة من استحقاقها". لكنه استدرك قائلاً إن "الإيرانيين يرغبون في رئيس وزراء لا يرضخ لأي إملاءات أميركية عليه نحو إيران"، وأكد أن "اجتماعات قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، في الأيام المقبلة، لن تكون مختصرة على الكتل الشيعية فقط، بل ستكون هناك لقاءات واجتماعات مع قيادات سياسية من المكون السني والكردي، بعد توحيد موقف الكتل الشيعية، حول شكل الحكومة وطبيعتها واسم رئيس الوزراء".

وطرحت في اليومين الماضيين أسماء عدة بارزة كمرشحة لتولي المنصب، أبرزها قصي السهيل، فائق زيدان، صالح الحسناوي، محمد شياع السوادني، إبراهيم بحر العلوم، علي شكري، وأسماء عدد من القضاة، غير أن محمد صالح العراقي المقرّب من مقتدى الصدر أشار صراحة إلى رفض محمد شياع السوداني، وإبراهيم بحر العلوم.



من جانبه رأى مستشار رئيس البرلمان كامل الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحسابات والمعادلات السياسية في العراق بعد الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تغيرت، فبعد هذا التاريخ باتت للشارع العراقي حسابات في كل اتفاق أو تفاهم ولا يمكن إنكار ذلك". وأضاف أن "الشيء الوحيد الذي لم يتغير في عقول بعض القيادات السياسية، التي تدور في فلك واحد، هو فلك تقاسم المغانم على حساب مصلحة الشعب العراقي". وأقرّ الدليمي بأن "الاجتماعات التي تجرى لن تنجح في إيجاد رئيس وزراء يرضى به الشباب المنتفض، إذا لم يكن من رحم معاناة هذا الجمهور، ويكون ممثلاً حقيقياً لهم، فالاجتماعات القائمة حالية غير قادرة على إنتاج حكومة جديدة قادرة على حل الأزمة".

وختم مستشار رئيس البرلمان العراقي بالقول إن "الأيام المقبلة سوف تتضمّن تغيرات كبيرة وستكون مليئة بالمفاجآت لقدرة شبان ساحات التظاهرات على فرض إرادتهم، فالدماء التي سقطت في الاحتجاج هي من أجل التغيير الحقيقي، ومن أجل رفض أي تدخل خارجي إيراني أو غيره".

من جهته، اعتبر المتحدث باسم تحالف القوى العراقية، النائب فالح العيساوي، لـ"العربي الجديد"، أن "الاجتماعات التي تجرى حالياً لاختيار رئيس الوزراء جديد محصورة بالكتل الشيعية، من دون إشراك الكتل السياسية الأخرى". وأضاف أنه "بعد اتفاق الكتل الشيعية على شخصية محددة، سوف تبدأ حينها المباحثات مع القوى الأخرى السنية والكردية، وهنا يكون لنا دور في مناقشة ذلك الترشيح، وسيكون لنا رأي في قضية اختياره، فالمرشح الجديد يجب أن يكون مقبولاً شعبياً، قبل أن يكون مقبولاً سياسياً، فالأمور المهمة الآن هي تهدئة الشارع العراقي، وتلبية ما يريده".

في المقابل أكّد النائب رعد المكصوصي، عن تحالف سائرون المدعوم من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لـ"العربي الجديد"، بأن "جميع الاجتماعات السياسية، التي عقدت والتي سوف تعقد تحالف سائرون لم ولن يشارك بها، فنحن موقفنا ثابت، وداعم لما جاء ببيان الصدر الأخير". وأشار إلى أن "رئيس الحكومة الجديد، يجب أن يتم اختياره من قبل المتظاهرين، من خلال إجراء استفتاء شعبي على خمس شخصيات، والشخص الذي ينال أعلى الأصوات يكون مرشحاً، ويصوّت له مجلس النواب". وأكد أن "محاولة الكتل السياسية إيجاد بديل لعبد المهدي، عن طريق اجتماعاتها، يعني استمرار الأزمة أو ربما تفاقمها بشكل كبير، كما نحن بدورنا الكتلة الكبرى في البرلمان، تنازلنا للشعب العراقي بحصتنا برئاسة الحكومة، ولن نسمح للقوى السياسية بتمرير مرشح وفق مصالحها وأجنداتها".


المساهمون