وتتخذ الأكاديمية، التي تقع في شرق بغداد بأحد معاقل المليشيات المسلحة، من أحد المباني الحكومية مقرا لها، وقامت بالاستيلاء عليه، وتبلغ مدة ما توصف بـ"الدراسة" فيها شهرين فقط، ويمنح المتخرج "شارة القادة" وشهادة توضح دخوله دورة تخصصية في القيادة وخوض المعارك.
ولم يفصح عن مناهج تلك الـ"الأكاديمية"، إلا أن مصادر مقربة أكدت أنها مناهج دينية في الغالب، وأمور تتعلق بـ"حرب الشوارع".
وما أثار حفيظة المراقبين والعسكريين حضور مسؤولين رسميين في الحكومة العراقية نشاطا لـ"الأكاديمية"، أبرزهم علي التميمي، محافظ بغداد، الذي وزع بنفسه شهادات على "الخريجين".
واعتبر عسكريون ومحاربون قدامى أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ العراق التي تؤسس فيها ميليشيا مسلحة غير قانونية كلية أركان حربية "أهلية".
من جانبها، التزمت وزارة الدفاع العراقية الصمت أمام هذا التطور، على الرغم من بث محطات فضائية محلية حفل ما أطلق عليه "تخرج الدفعة الأولى لطلاب الأكاديمية"، بحضور محافظ بغداد، وعدد من السياسيين التابعين لأحزاب دينية.
ورفض عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، إسكندر وتوت، التعليق على الموضوع في اتصال مع "العربي الجديد"، فيما وصف عضو نقابة المحامين العراقيين، محمد الهنداوي، الأمر بأنه "مهزلة وصورة اللادولة".
وقال العقيد السابق في الجيش العراقي، حامد الدليمي، إن "افتتاح كلية أركان حربية "أهلية" من قبل مليشيا مسلحة أمر مهين جداً لتاريخ العسكرية في العراق، كونها أسست على يد مليشيا مسلحة ارتكبت مجازر إنسانية بحق العراقيين، ويتزعمها رجل دين هو مقتدى الصدر، وكونها أخذت مسمى كلية "أهلية".
ويضيف الدليمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المشكلة في حضور مسؤول حكومي، وهو محافظ بغداد، الذي وزع بنفسه شهادات التخرج على طلبة الأكاديمية، والمشكلة الأكبر أن الخريجين أكثرهم قادة في مليشيا "سرايا السلام"، وهذا أمر لم تعرفه بلدان العالم من قبل".
ولم تشهد المؤسسة العسكرية العراقية، منذ تأسيسها عام 1921، أي دراسات عسكرية أو أمنية أهلية يقودها رجال دين أو مليشيات مسلحة، والتي لم تكن موجودة أساساً قبل 2003، ما أثار استغراباً واسعاً لدى ضباط الجيش، وخاصة المحاربين القدامى.
وشهد العراق بعد 2003 ترهلاً في المؤسسة العسكرية، وخاصة بين عامي 2006- 2014، في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إذ أصبحت الرتب العسكرية تمنح بعيداً عن السياقات العسكرية والمراسيم الجمهورية، التي غابت هي الأخرى عن المشهد.
واعتبر مراقبون أن وصول المليشيات المسلحة في البلاد إلى إنشاء "كلية حربية للقيادة والأركان" تعتبر إهانة كبرى للمؤسسات العسكرية والأمنية، وأنها ستلحق ضررا واسعا في المستقبل.
وبحسب الخبير الاستراتيجي فاتح العبيدي فإن "وجود مثل هذه الكلية مؤشر خطير على محاولة الميليشيات السيطرة على المؤسسة العسكرية برمتها في المستقبل القريب، وهو ما سيجر البلاد نحو مزيد من الحروب الداخلية والاقتتال والتخندق الطائفي".
وتأسست أول كلية عراقية للقيادة والأركان في منطقة الرستمية ببغداد عام 1928، بعد سبعة أعوام من تأسيس الجيش العراقي الحديث عام 1921، وتتبع لوزارة الدفاع العراقية، وقد تخرج منها عشرات الضباط والقادة العسكريين، وخرجت الكلية حوالي 70 دورة حتى عام 2003، كما تخرج منها ضباط عرب وأجانب.
وأعيد تشكيل هذه الكلية عام 2005 على يد قادة من حلف الناتو، بعد أن تعرضت للتدمير خلال احتلال البلاد عام 2003، ثم تغير اسمها عام 2009 من كلية الأركان المشتركة إلى كلية القيادة والأركان المشتركة.