العراقيّون لا يقبلون تأخّر الإنجاب.. والحلّ بيد السحرة

12 يناير 2015
هناك ارتفاع بنسبة العقم لدى الجنسين (صفاء حاتم مطلب)
+ الخط -

عامٌ ونصف مرّ على زواج مهند وصابرين من دون أن ينجبا مولودهما الأول. لم يكن الأمر ليؤرقهم في البداية. لكن طال الانتظار حتى بات الإنجاب حديثهما اليومي. كما أن أسئلة العائلة والأقرباء لا ترحم. ولأنه للصبر حدود، بدأ الثنائي مرحلة جديدة من حياتهم بهدف الإنجاب.
يقول مهند (28 عاماً)، وهو موظف في وزارة الزراعة، لـ "العربي الجديد"، إننا "لجأنا إلى العيادات المتخصصة في منطقتنا الكرادة الواقعة وسط العاصمة بغداد، كنا نشعر بقلق وخوف في انتظار ما سيقوله الطبيب، كان مصيرنا بين يديه. ما إن أخبرنا بأننا لا نعاني من أية مشكلة، وأن التأخير طبيعي، حتى عادت الروح إلينا. لم ينته الأمر هنا، بعد أشهر عدة، قصدنا طبيباً آخر ليقترح علينا بدء علاج سبب مشاكل صحية لصابرين، ما دفعنا إلى عدم إكماله".

يتابع مهند: "حدثت خلافات بين عائلتي وعائلة صابرين. قصدنا طبيباً ثالثاً ورابعاً وخامساَ من دون جدوى. صارت زوجتي تخشى الطلاق. أخيراً، طرقنا باب السحرة والمشعوذين، وكانت المحطة الأكثر غرابة ورعباً، وضعنا الشيخ أمام خيارات ثلاثة. الأول هو قضاء صابرين ليلة كاملة بين قبرين، إلا أنها لم تجرؤ على القيام بذلك. الخيار الثاني كان قتل سبع قطط عند غروب الشمس لمدة سبعة أيام، لكننا عجزنا عن ذلك. أما الثالث، فكان وضع لفافة ورقية (من أصل سبع) في مياه الاستحمام مع غروب الشمس، والاغتسال بها على مدار سبعة أيام. كذلك، أعطانا لفائف أخرى لنحرقها عند الغروب أيضاً. كل هذه الإجراءات لم تحقق أيّ شيء، ليكون مصيرنا الانتقال إلى بيت مستقل عن الأهل وانتظار الفرج".

أما يونس (33 عاماً)، وهو صاحب بسطة لبيع الخضار في منطقة السيدية (غرب بغداد)، فبدت حالته أفضل. امتنع الأهل عن التدخل، لم يطالبه أحد بضرورة إنجاب الأطفال على الرغم من مرور ستة أعوام على زواجه. يقول لـ "العربي الجديد": "لم أذهب إلى المؤسسات الصحية العامة لأنه لا يمكن الحصول على نتائج جيدة، وخصوصاً أنها تعاني من الإهمال ونقص في الخدمات. أيضاً، كنت عاجزاً عن الذهاب إلى العيادات المتخصصة بسبب ارتفاع أجور الأطباء التي باتت تثقل كاهلنا وسط غياب واضح للجهات الرقابية في وزارة الصحة ونقابة الأطباء". يتابع يونس: "لا أؤمن بالسحر والشعوذة، فضلاً عن أن بيت أهلي الذي أسكنه وزوجتي يعج بأطفال إخوتي الثلاثة، وأعتبرهم مثل أطفالي". أما لرونق (28 عاماً) قصة أخرى. تروي لـ "العربي الجديد" أنه "بعد زواج دام ستة أشهر فقط، بدأت الخلافات بيني وبين زوجي لأنه رفض الاعتراف بمشكلته خوفاً من الإحراج، رفض العلاج فكان الطلاق". تضيف بعد نحو سنتين، تزوجت من رجل آخر، وصرت أمّاً".

في السياق ذاته، توضح أستاذة علم النفس في الجامعة المستنصرية، فردوس جمال الدين، لـ "العربي الجديد"، أن "تأخر الإنجاب لدى الثنائي بات أحد أبرز مشاكل الأسر العراقية، وغالباً ما ينتهي بالطلاق". توضح أن "هذه المشكلة تتفاقم في مجتمع قبلي يقدر الرجل من خلال الإنجاب، ويحكم على المرأة بالضعف وعدم الأهلية للزواج إذا لم تنجب الأطفال، وخصوصاً الذكور". تضيف أن "غياب العلاج الناجع لحالات العقم وتحديداً في المستشفيات الحكومية، على الرغم من نجاحها في تلك الخاصة، يزيد الأمر سوءاً".

من جهته، يشرح الطبيب المتخصص في علاج العقم، صفين ماجد، لـ "العربي الجديد" أن "عدم الإنجاب يرتبط بمشاكل لدى الرجل أو المرأة أو كليهما، والأسباب التي تم تحديدها لا تتعدى نسبتها العشرة في المائة". يضيف أن "دراسة طبية أجريت أخيراً في أحد المراكز المتخصصة التابعة لوزارة الصحة، أشارت إلى ارتفاع نسبة العقم لدى الجنسين. شملت الدراسة 500 ثنائي ممن تأخر لديهم الإنجاب لفترة تتراوح ما بين عام إلى خمسة عشر عاماً".
يتابع ماجد أن "أسباب العقم بيئية بالدرجة الأولى"، لافتاً إلى وجود ضعف في القدرات العلاجية المتاحة. ويوضح أن "طرق العلاج المتبعة حاليّاً قديمة، بالإضافة إلى افتقار غالبية المستشفيات للوسائل الحديثة"، لافتاً إلى أن "هذه المشكلة عادة ما تزول إذا ما أنجب الثنائي مولودهما الأول". 

يبقى تحميل المرأة مسؤولية عدم الإنجاب المشكلة الأكبر، وخصوصاً أن رجالاً كثيرين ممن يعانون من مشاكل يرفضون الحديث عنها أو العلاج، ما يؤدي إلى تفكك الأسر. أحياناً، يلجأ الرجل إلى الزواج من امرأة أخرى. لذلك، تبقى المرأة التي الحلقة الأضعف، وخصوصاً أنها تظلم بحكم الأعراف الاجتماعية المتوارثة، والسلطة الذكورية. فالمجتمع لا يتقبل عقم المرأة ويرى عقم الرجل أمراً طبيعيّاً.

دلالات